سياسة اللعب على حافّة الهاوية

نمر أبي ديب

كتبت ا زمة المستمرّة بحبر التباين السياسي عناوين الخلاف الجوهري النابع من تعدّد حا ت الاختلاف في الرؤية السياسيّة وا هداف عند العديد من القوى ا ساسيّة وا حزاب الفاعلة والمؤثّرة في بُنية الحياة السياسية، ما بدا واضحاً في خلفيات الانقسام الداخلي، حيث برز وبشكل فاضح الغياب التامّ للقدرات المانحة على المستوى الوطني إمكانيّات التوافق السياسي على أرضيّة مشتركة جامعة ومؤسّسة لحوار وطني فاعل منتج، وقادر على تذليل العقبات والوصول في الحدّ ا دنى إلى إقرار قانون جديد للانتخاب يعيد للحياة الديمقراطية حيويتها المسلوبة، ويتقدّم بالبلد خطوة إلى ا مام، في مرحلة أجمعت فيها جميع القراءات والتحليلات على وجود العديد من المواد الخلافيّة المربكة التي لم ينجح في تذليلها الحراك الداخلي المرافق للمناخ السياسي شبه الجامع الذي سيطر على لبنان في المراحل ا خيرة من بحث ونضوج التسوية الرئاسيّة.

ما بَين الرغبة الداخلية المطالبة بانطلاق قطار الحلّ ومحدودية الخيارات المتاحة أمام العديد من القوى وا حزاب السياسية، يعيش اللبنانيون اليوم تفاصيل الجزء المعلَن من سيناريو الأداء السياسي الملتبس نتيجة عاملين… امتهان البعض سياسة المراوغة الممنهجة لتمرير الوقت، والوصول إلى فرض أمر واقع انتخابيّ يعيد صياغة الكتل النيابيّة داخل البرلمان وفق تحالفات جديدة وأحجام تتناسب مع حسابات البعض ومشاريعهم المستقبليّة.

الارتفاع الواضح في منسوب الخطاب الطائفي ذي البعد التقسيميّ، الذي لم ولن يرتقي من خلاله البحث السياسي إلى مستوى البعد الوطني في مقاربة الملفّات العالقة، ومنها قانون الانتخاب الذي شكّل في هذه المرحلة واجهة انتخابيّة للانقسام السياسي وساحة تجاذب غير منتج، يحمل من الخطورة في العاملين ا ول والثاني ما قد يؤدّي إلى تعطيل العمل التشريعي وليس إجراء اانتخابات ، ويذهب بالوطن إلى شفير الهاوية.

ماذا يريد البعض من اعتماد أسلوب المراوغة واللعب على حافّة الهاوية؟ هل هي سياسة حرق ا صابع على صفيح التوافق الساخن؟ أم حسابات أراد البعض من خلالها الوصول إلى المؤتمر التأسيسي؟

دخل لبنان الدولة بمؤسّسته التشريعية مرحلة ربع الساعة ا خير من عمر المجلس النيابيّ في ظلّ عدم إقرار قانون جديد للانتخاب، والامتناع عن دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات النيابيّة على أساس القانون النافذ، أي الستين المعدّل ، ما وضع ا مور أمام ثلاثة احتما ت الفراغ، التمديد أو التوصل إلى إقرار قانون جديد للانتخاب في خطوة متقدّمة على طريق الحلّ السياسي، لكنّها في غياب النسبيّة استمرار فعليّ للأزمة الموجودة. بالتالي، أيّ حلّ يلحظ وجود النسبيّة الكاملة، بغضّ النظر عن حجم الدوائر، ما هو إلّا عبور سلس من أزمة محدودة إلى أزمة أكبر مفتوحة على كافة الاحتما ت، انطلاقاً من عدة عوامل أبرزها:

ـ استمرار التسويات المؤقّتة البعيدة عن مشاريع الحلّ الحقيقي في مراحل التقاسم الدولي لنفوذ المنطقة.

ـ إعادة رسم الصورة البرلمانيّة نفسها مع بعض التعديل الذي ترتقي فيه ا يجابيّة السياسية إلى مستوى العبور الحقيقي لمشروع الدولة.

ـ بقاء ا زمة بعناصرها الخلافيّة قائمة في مرحلة تملك مقوّمات اانصهار السياسي والتكامل العملي على مستوى الحضور والمشاركة.

ـ اتساع الهوّة الفاصلة ما بين الرغبة النخبويّة في التغيير والواقع المفروض بحكم الضرورة المرحليّة.

لبنان إلى أين؟ صرخة أطلقها ا مين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الكلمة التي ألقاها بمناسبة يوم الجريح، وأراد من خلالها وضع ا صبع على جرح ا زمة، والجميع أمام مسؤولياتهم الوطنيّة وا خلاقية في لحظة مفصليّة من عمر المنطقة أدرك الجميع حساسيتها وتأثيرها المباشر على السياسة الداخلية والاستقرار ا مني، ما دفع بالقوى ا ساسية كالرئيس نبيه برّي والمراجع الروحية كالبطريرك بشارة الراعي، إلى رفع صوت المناشدة الوطنيّة عالياً والتحذير من مغبّة الاستمرار في سياسة المراوغة وعدم إقرار قانون جديد للانتخاب، ا مر الكفيل بإدخال البلد في نفق الخيارات السيّئة، بالتالي، هل اعتماد البعض لسياسة المراوغة قرار شخصي نابع من حسابات أحاديّة داخلية؟ أم بتنا على مسافة قوسين أو أدنى من و دة لبنان الجديد القائم على تحالفات مستجدّة وتوازنات مختلفة، فرضت بمفاعيلها المربكة على البعض من تجّار السياسة الحديثة سياسة اللعب على حافة الهاوية!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى