الإنجاز الدبلوماسي الكبير… إيران
روزانا رمّال
الحديث عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية غربياً ليس حديثاً مألوفاً بالنسبة لمن خاضوا معارك الدبلوماسية والمفاوضات، فإيران كانت بالنسبة لكثيرين دولة خارجة عن القانون، بعيدة عن الديمقراطية ويغيب عنها بذهن الغرب كل ما يؤشر إلى أنها دولة حديثة في هذا القرن الذي اجتاحته العولمة وتداخلت معه السطور والفنون والثقافات.
الثورة الإسلامية في إيران كانت المحطة التي ادخلت إيران فجراً جديداً تغيّر معها كل شيء، البعض اعتبرها محطة «انعزال» والبعض الآخر رآها ولادة إيران المتحررة من كل القيود الأميركية – الغربية «إيران الحرة».
صحيح، أن النظام الإسلامي طبق كدستور اساسي للبلاد إلا ان تعميمه بقي احد اوجه «العدالة» التي لا تفرّق بين القوميات والاديان الموجودة على مساحتها الكبرى، فلا تُهدر الحقوق او تُستباح بل تصان وتحفظ ضمن القانون. فإيران بالنسبة لكثر جسّدت روح «المدنية» التي تنادي بالتعايش بين الطوائف والمذاهب كافة والتي تحفظ حق المرأة في العمل السياسي الحر والانتساب الى أحزاب وقيادة المهمات على أنواعها كافة والترشح لمناصب الدول الكبرى حتى ولو انها اتت ضمن النظام الإسلامي المعمول به، والذي لم تستطع دول أخرى تطبيقه السعودية – بالشكل الحر الذي استفادت منه إيران لأسباب سياسية رفعت من أسهم «الديمقراطية» في إيران على حساب إيران «الجمهورية الإسلامية». وهو الأمر الذي لم تستطع الدول العربية والإسلامية مجاراتها فيه فكانت النموذج الإسلامي «المتمدن» الوحيد في المنطقة والعالم، لو «جاز» التعبير.
كشفت إيران عن قدرة استثنائية في إدارة العملية السياسية في المنطقة وحجزت مكانة هامة لدى جيرانها العرب قبل أن تندلع الازمة السورية ومعها ازمات المنطقة التي قدّر لبعضها أن يتخذ طابعاً طائفياً مبطناً، فبات الحديث عن خلاف مفصلي «إيراني سعودي» كخلاف يتحكم بمندرجات العلاقة السياسية بين دولها.
تعقيدات كبيرة وعقوبات أميركية وأوروبية ثقيلة عاشتها إيران تفادياً لحرمانها من برنامجها النووي الذي اعتبرته حقاً لا يمكن التفريط فيه فبقي الصمود سيد الموقف وبقيت العقوبات في مرحلة اشتداد طبيعي نظراً لمواقف إيران الداعمة لقوى المقاومة في المنطقة ولنفوذها الممتد إليها والذي بات يلامس أمن المدى الحيوي الأميركي «الإسرائيلي» بين العراق وجنوب لبنان.
تدرك إيران أن العقوبات المفروضة على برنامجها النووي كل تلك السنين وعلى شعبها وإنتاجها أيضاً ليست إلا حصيلة مواقف سياسية بحتة وتدرك أيضاً أن نجاحها بتكبير «نفوذها» بالشرق الأوسط سيجعل من التواصل معها حاجة غربية حتمية.
إيران التي تتوسّع دائرة حضورها في ملفات خمسة لبنان، سوريا، اليمن، العراق، البحرين، تعرف أن الأميركي غير قادر على إنجاز أي نوع من الحراك السياسي في تلك المنطقة من دون الحوار مع إيران ومعرفة توجهاتها في تلك المساحات الاستراتيجية. وعلى هذا الأساس كان الخضوع الأميركي الغربي لفكرة قبول الحوار مع إيران في ملفها النووي إحدى أهم «الذرائع» لفتح باب المفاوضات على ملفات سياسية أهم بكثير بالنسبة للأميركيين منه الى ملف نووي يعرفون جيداً أن إيران لا تستخدمه لدواعٍ عسكرية بل لدواعٍ علمية وسلمية بحتة، كما أعلن مرشدها السيد علي خامنئي أكثر من مرة.
التواصل مع إيران بات ضرورة سياسية كان الملف النووي مدخلها بعد تعاظم نفوذها في المنطقة حتى نجحت في العام 2015، بعد مفاوضات شاقة دامت 18 شهراً بينها وبين مجموعة 5 + 1 التي تضمّ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فتوصلت طهران والقوى العالمية إلى «اتفاق إطار» بشأن برنامج إيران النووي، وذلك في 2 نيسان 2015 بمدينة لوزان السويسرية.
المفاوضات الشاقة خاضها فريق محترف استطاع وضع إيران على لائحة الدول الدبلوماسية الفعالة والمحترفة ومهّد لدخولها مفاوضات المنطقة الكبرى. وهو فريق شكله الرئيس حسن روحاني الذي قدم للإيرانيين نموذجاً فذاً من المعتدلين الذين نجحوا في استدراج الأميركي نحو الليونة والسلاسة وادارة السياسة من دون التنازل عن الثوابت.
كان للوزير محمد جواد ظريف سيد الدبلوماسية الإيرانية حصة الأسد في الأضواء التي سلطت على الدبلوماسية الإيرانية التي غيّرت الأفكار السائدة غربياً منها، وكان ظريف استثناء في المفاوضات بين دبلوماسيين إيرانيين كثر مروا على الخارجية ولا تزال ثنائية وزير الخارجية الأميركية وظريف «كيري – ظريف» عالقة في أذهان الأميركيين والإيرانيين معاً.
يستحق فريق الرئيس روحاني التهنئة من شعبه ويستحق معهما تطلّع إيران الى المزيد مما يحرص على الاتفاقية الممهدة لإيران المنتعشة اقتصادياً. الإنجاز الدبلوماسي الكبير يستحق العناية والحرص والالتفات الى ضرورة استكماله بالروحية التي أرخاها ظريف والمقبولية التي أفردها لدى المجتمع الدولي. ظريف صديق الجميع، المثقف والمبدئي والحريص على بلاده. ابتسامة ظريف واشارة النصر عبر تلك النافذة التي أطلّ منها في سويسرا لا تزال تعيش في أذهان الإيرانيين والعالم 4 سنوات جديدة ستكون هدية للحفاظ على النصر الكبير، خصوصاً ان واشنطن ارسلت «رسالتها» عشية الانتخابات الإيرانية بعدم نيّتها التصعيد مع طهران بإعلانها تمديد العمل بتخفيف العقوبات على إيران، حسب ما هو وارد في الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015، رغم انتقادات الرئيس دونالد ترامب للاتفاق الذي تمّ التوصل اليه خلال عهد سلفه باراك أوباما.
فهل يتلقى الإيرانيون الرسالة؟
كل التقدير لروحاني وفريقه أبقيَ رئيساً أو غادر..