الرياض تحتفي بترامب بحضور الحريري وباسيل: صفي الدين على لائحة الإرهاب عون مطمئن لإجراء الانتخابات… والمشنوق يحدّدها قبل نهاية العام… والمشاورات مؤجلة

كتب المحرّر السياسي

انتهى جنيف المخصّص لمحادثات الحلّ السياسي في سورية كأنه لم يبدأ، فقد أوجزت مصادر سورية رفيعة لـ«البناء» الجولة السادسة من محادثات جنيف بالقول إنه لا سلبي ولا إيجابي. وكان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وهو يدعو لجولة مقبلة الشهر المقبل، قد أعلن نهاية الجولة السادسة ببدء أعمال تواصل قانوني غير رسمي بين خبراء من الوفد السوري وخبراء الوفد الأممي لمناقشات حول الأسس الدستورية لما سيكون عليه الحلّ السياسي وفقاً للقرار 2254 بعيداً عن الدخول في نصوص الدستور الجديد، الذي يتمسّك الوفد السوري الحكومي باعتباره شأناً سيادياً، بينما لم يجر تناول ايّ من السلال الأربع التي انتهت الجولة السابقة عند وعد المباشرة بها في هذه الجولة.

على ضفة موازية، كان التوتر الروسي الأميركي على خلفية الغارة الأميركية التي استهدفت رتلاً سورياً وحليفاً لسورية في منطقة الحدود السورية العراقية قرب معبر التنف، قد بلغ مدى تلويح موسكو بوقف كلّ أشكال التعاون والتنسيق في سورية واعتبار السلوك الأميركي معطلاً لكلّ جهد جدّي للحرب على الإرهاب والسعي للحلّ السياسي بينما جهد وزير الدفاع الأميركي ورئيس أركانه في مؤتمر صحافي مشترك للتأكيد على محدودية أهداف الغارة وعدم نية تكرارها، والسعي لتفادي أيّ صدام مع الدولة السورية وجيشها، وربط الغارة بتقدّم رتل عسكري نحو موقع تتواجد فيه مقار القيادة الأميركية وتجاوزه مناطق عدم الاحتكاك ورفضه الأخذ بالتحذيرات، وتوصيف الأمر بإشكالية تقنية.

وفقاً لمصادر متابعة لا يمكن فصل الغارة عن سياق الإعداد لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرياض والتحضيرات التي سبقت وصوله لتقديم صورة أميركا القوية العائدة إلى المنطقة، كما قال وزير الخارجية الأميركي مفتتحاً الزيارة الرئاسية التي ستخرج منها واشنطن بمئات مليارات الدولارات من العقود.

على غرار أميركا التي تريد صناعة القوة على الطريقة الهوليودية، جاء استعراض القوة السعودي بلا مناسبة تفسّره سوى القمة مع ترامب من جهة، وتوجيه المزيد من الإهانات للوفد اللبناني الذي يترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري ويضمّ معه وزير الخارجية جبران باسيل، فأعلنت الرياض إدراج اسم رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين على لوائح الإرهاب، والإعلان لا يقدّم ولا يؤخر بعناصر القوة التي تمثلها المقاومة، ولم يلقَ من المعنيين به إلا ابتسامة الاستخفاف.

قانون الانتخاب الذي يشكّل موضوع لبنان المصيري سينتظر حتى عودة المشاركين في استقبال ترامب في الرياض، وسماع الشتائم للمقاومة والاتهامات بالإرهاب لحزبها، ودخول الوقت الصعب مع نهاية الدورة العادية لمجلس النواب، بانتظار فتح دورة استثنائية لعشرين يوماً وفق ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي لاقى من الشمال هجوم الرياض على حزب الله، بينما لاقى اطمئنان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإجراء الانتخابات النيابية بتحديد موعدها قبل نهاية العام.

هل أعلن المشنوق البلاغ رقم 1؟

عشية انعقاد القمة العربية الاسلامية الاميركية في المملكة السعودية وعلى وقع التسخين العسكري الأميركي في سورية واستباق واشنطن والرياض صدور قرار العقوبات المالية الجديد على لبنان من الكونغرس الاميركي، بتصنيف رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين إرهابياً «لارتباطه بأنشطة تابعة لحزب الله وتقديم المشورة لتنفيذ عمليات إرهابية»، كما زعمت وزارة الخزانة الأميركية ووكالة الأنباء السعودية، برز تصعيد سياسي عالي النبرة من وزير الداخلية نهاد المشنوق ضد حزب الله، مستقوياً بوهج القمة قبل انعقادها بكلامٍ ومصطلحات أشبه بإعلان بلاغ رقم 1 واستحضار لمفردات مرحلة الانقسام السياسي والتوتر الأمني الحاد الذي أعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ومشهد ما بعد إسقاط حكومة الحريري وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 حتى انتهاء أزمة الفراغ الرئاسي.

وقال المشنوق أمس بحق حزب الله ما لم يستطع الرئيس سعد الحريري قوله منذ بداية العهد الجديد وتوليه رئاسة الحكومة، فحزب الله اليوم بات شريكاً أساسياً في التسوية وفي حكومة «استعادة الثقة»، لكن ما أدلى به «المبعوث الشخصي للمهمات الخاصة» هو كلام الحريري بلسان المشنوق، الذي أسرف في ذكر الحريري في كلمته! فهل عادت رهانات فريق المستقبل على تحولات عسكرية وسياسية في المنطقة لمصلحة المحور الاميركي الخليجي تنعكس على لبنان في ضوء قمة الرياض وبعدها القمة الخليجية والتلويح الاميركي بالحرب العسكرية في الشمال والجنوب السوري؟ لا سيما أن المشنوق استشهد بالحديث النبوي الشريف: «إنما النصر صبر ساعة»، فهل سنشهد بلاغ رقم 2 و3 قريباً؟

وزير الداخلية الذي يعد من «حمائم» «التيار الأزرق» لا «صقوره»، وعلى مسافة أشهر قليلة من الاستحاق النيابي، استغل منبر عكار المغيبة انمائياً والحاضرة لبث الحقن المذهبي ولا يرى فيها قادة «المستقبل» سوى أنها قاعدة غب الطلب لاستثارة الفتنة تزامناً مع عودة التحرك السلفي في طرابلس تحت شعار ملف الاسلاميين الموقوفين في السجون وظلم «أهل السنة»، ما يؤشر الى بداية تحشيد وتحريك الوضع اللبناني سياسياً ومذهبياً من جديد ضد حزب الله.

أوراق اعتماد للقاء «الخمس دقائق»

وعلقت مصادر مطلعة في 8 آذار على التصعيد «المستقبلي» بالقول لـ«البناء» «إن بعض القوى في الحكومة وخارجها اجتاحتهم خيالاتهم المزيفة وظنوا بأن الحشد الترامبي الخليجي سيحكم العالم ويغير معادلات الاقليم، فسارعوا الى تقديم أوراق اعتمادهم من خلال اطلاق النار السياسي على حزب الله متصورين بأن الفرصة قد باتت مؤاتية للانقضاض على المقاومة».

واستخفت المصادر بهذه الظنون والخيالات الوهمية ونصحت هذا الفريق بأن «يتعظ من التاريخ والمراحل السابقة، مذكرة بادعاءاتهم بالقدرة على الانتصار في سورية والعودة الى لبنان من مطار دمشق وفشلوا رغم أن قدرات محور المقاومة كان أقل بكثير من الآن وقدرات أعدائها كانت أكثر قدرة وأوسع مدى، واليوم يخطئ من يظن أن بإمكانه بتصعيده أن يرهب ويرعب حزب الله ويضغط عليه، وقد تفسر مواقفه بأنها تقديم أوراق اعتماد لمحور واشنطن الرياض، لكن قبل أن يسأل صاحب التصعيد عن موقعه وحصته من المكاسب المستقبلية، فليسأل عن مكاسب الحلف نفسه قبل أن يوزع على الآخرين».

وأضافت المصادر: «إذا كان بعض الوزراء يهدفون عبر الحقن المذهبي الى حجز مقعد لهم في رئاسة الحكومة، فالنتائج السلبية سترتد عليهم وإذا كان وزير سابق قد تلطى بالعباءة الطائفية للتسلل الى السراي الحكومي واستبعد، فإن الوزير الطامح الجديد سيلتحق به بالتأكيد».

ورغم خطورة مواقف المشنوق، غير أن المصادر نظرت باستخفاف ورأت فيها مجرد تزويد رئيسه سعد الحريري بأوراق اعتماد عله يظفر بلقاء «الخمسة دقائق» مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وحذرت من أن «الحريري غير مخول دستورياً التفاوض في مؤتمر قمة الرياض أو غيره ولا يملك صلاحية الالتزام بأي موقف أو قرار يصدر عنها».

وسٌئِلت المصادر: هل ستؤدي هذه المواقف الى توتر أمني على الساحة الداخلية؟ استبعدت المصادر ذلك، مشيرة الى «أنه لو كان بمقدورهم المس بالاستقرار الأمني لما تأخروا عن ذلك ولما انخرطوا مرغمين في التسوية الرئاسية ودخلوا مع فريق المقاومة في حكومة واحدة».، كما قللت من أهمية تأثير العقوبات على حزب الله، معتبرة أن اي عقوبات جديدة ستصيب لبنان وكل اللبنانيين وليس فقط الحزب وبيئته الشعبية».

وأكدت مصادر الوفد النيابي الموجود في واشنطن لمتابعة موضوع العقوبات، أن «المسودة التي تم تسريبها مسودة لن تعتمد وقد تصدر عقوبات لكن ليس بالشكل التي سربت به»، ولفتت الى أن المسؤولين الأميركيين استمعوا الى وجهة نظر الوفد حيال العقوبات وتداعياتها السلبية على لبنان».

وكان لافتاً ارجاء الاجتماع الذي كان مقرراً بين الوفد البرلماني وفريق عمل السيناتور الذي قدم مسودة العقوبات على حزب الله الى مطلع الاسبوع المقبل.

وكان المشنوق قد أشار في احتفال تكريمي في بلدة ببنين العبدة بمناسبة «يوم المختار» أن «هذه مرحلة لا تنفع فيها وخلالها العنتريات والمزايدة على القرار العاقل بربط النزاع مع من كنا وسنظل نختلف معهم على ثوابت الدولة والسلم الأهلي ما لم يبدلوا تبديلا، ولن نسمح لأحد أن يأخذ لبنان إلى الحج والناس راجعة. فالمهم اليوم هو الانصراف الى ما يمكن التفاهم عليه في الداخل وتوسيع رقعة الراغبين في صيانة المؤسسات وحماية الدولة». وحمل بشدة على حزب الله لمشاركته في محاربة الجماعات الارهابية والتكفيرية في سورية.

وتعقد قمة الرياض بمشاركة الرئيس الاميركي وحضور 38 رئيس دولة و8 رؤساء حكومات منهم الحريري الذي سيغادر لبنان مساء اليوم متوجهاً الى السعودية على رأس وفد وزاري وأمني واداري.

تجنب أميركي سعودي المواجهة مع عون

وقال مصدر دبلوماسي سابق لـ«البناء» أن «عدم توجيه الدعوة الى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون للمشاركة في قمة الرياض والاكتفاء برئيس الحكومة، هو قرار مقصود من السعودية وتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة باعتبار أن المواقف وربما القرارات التي سيخرج بها المجتمعون في القمة ضد إيران وحلفائها في المنطقة، لن يستطيع الرئيس عون مجاراتها بل سيعلن رفضه لأي إدانة مباشرة لايران أو لحزب الله، غير أن أقصى ما يمكن أن يفعله الحريري هو التحفظ والنأي بالنفس وتجنب المواجهة».

ولفت المصدر الى أن «عدم توجيه الدعوة لعون هو تجنب المواجهة معه في القمة التي ستخرج بإدانة ما يسميه الغرب المشروع الايراني في المنطقة، فضلاً عن الاتهامات بحق طهران على تدخلها في اليمن وتدخل حزب الله في سورية»، وأوضح المصدر الدبلوماسي أن «هدف القمة تقليم أظافر إيران وإنشاء حشد اقليمي دولي عربي اسلامي لمواجهتها وتطويقها وحلفائها في المنطقة من خلال استراتيجية اقليمية جديدة».

كما أشار الى أن «أغلب مستشاري الادارة الاميركية معروفون بالعداء لايران، لكنه استبعد أي عمل عسكري ضدها، بل ستركز الاستراتيجية الجديدة على العقوبات الاقتصادية والمالية، كما ستعمل الولايات المتحدة الى انشاء جيش من الدول العربية والاسلامية في حربها على داعش لا سيما على الحدود العراقية السورية ولذلك عقدت صفقة الاسلحة مع السعودية إذ لا تريد الولايات المتحدة دفع الاثمان العسكرية والمالية والبشرية في هذه الحرب».

ولفت المصدر الى أن «ليس هناك استراتيجية أميركية خاصة بلبنان، بل تنظر واشنطن الى موقع لبنان كجزءٍ من استراتيجيتها ضد إيران، فلبنان اليوم ينعم باستقرار أمني وسياسي نسبي بعد التسوية الرئاسية ولا خطر حرب اسرائيلية عليه، بينما خطر تنظيم داعش تقلص وبالتالي لن تذهب واشطن في عقوباتها أو قرارتها ما يمس الاستقرار الامني والسياسي في لبنان».

«القانون» ينتظر جلاء المشهد

وفي انتظار جلاء نتائج القمم الاميركية الخليجية والمشهد الاقليمي الذي يتحرك بسرعة، استرقت القوى السياسية استراحة المحارب مع دخول البلاد فرصة الشهر الأخير من ولاية المجلس النيابي دون مؤشرات على قرب ولادة قانون انتخاب جديد، مع ترجيح أكثر من مصدر العودة الى قانون الستين إذا تعذر اقرار قانون جديد، بينما أشارت قناة «أو تي في» أن «المشاورات المتعلقة بقانون الانتخاب لم تتوقف وإن لم يعلن عنها والاجتماعات والاتصالات تحصل ساعة بساعة».

وحسم أمر فتح العقد الاستثنائي للمجلس النيابي كما أعلن الوزير المشنوق أمس والذي أكد أن «الانتخابات النيابية ستجرى قبل رأس السنة المقبلة».

وشدد الرئيس عون خلال لقائه وفد فاعليات بلدات وقرى قضاء جبيل أنه «مهما حصل، فان الانتخابات ستحصل وثمة وقت للوصول الى اتفاق فلا تقلقوا»، مؤكداً «اننا مستمرون في العمل لانتاج قانون يعكس طموحات اللبنانيين ويحقق امالهم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى