ماذا وراء اعتراف أوباما؟
جمال العفلق
لم يتأخر السيد أوباما بالاعتراف بأن ما يحدث في سورية «ثورة مجاهدين». أي بمعنى آخر ثورة إرهابيين وأصوليين، وقال إن استخباراته أساءت التقدير، كيف يا سيد أوباما أساءت استخباراتكم التقدير وهي التي صنعت داعش وغير داعش، وزودته من خلال الوسيط العربي بالمال والسلاح؟ ولن نستغرب أن قياداته دُرّبت لديكم.
إن تصريح أوباما هذا جاء أسرع من تصريح كولن باول الشهير حول أسلحة الدمار الشامل التي دمر العراق بسببها… ولكن، لماذا أطلق السيد أوباما هذا التصريح الآن؟
إن فهم سياسية الولايات المتحدة تبدأ بفكرة أن أميركا سريعة بعمل التحالفات، كما أنها أسرع بفض أيّ تحالف تجد من مصلحتها الابتعاد منه، ورغبة السيد أوباما في هذا التصريح تنطوي على هدفين الأول هو خطاب موجهه للداخل الأميركي تحت بند استعدوا قد نتدخل برياً في سورية والعراق. وهذا يأتي عشية ما يقال عنه خطة سحب القوات من أفغانستان أو هكذا متوقع.
كما أن الإدارة الأميركية تعلم تماماً أن إنهاء الإرهاب في سورية والعراق يبدأ بوقف التمويل والتسهيل الذي مازال مستمراً من خلال السعودية وقطر والأردن وتركيا، وإذا لم يتوقف هذا الدعم فإن الإرهاب مستمر والواضح أن أميركا لم تستوف موازنة العام المقبل من أموال الخليج فلا يجب أن نتوقع أي تغيير في هذا الاتجاه، خصوصاً أن كذبة مشاركة طائرات عربية أو طيارين عرب بالقصف هو مجرد لعب على ورقة قدمتها أميركا على اعتبار أن المطلوب هو دعم السنة لهذا التحالف وعلى اعتبار أنها مدافعة عن السنة دون غيرهم، وهذا العنوان الذي تروجه الولايات المتحدة من خلال الأقطاب التي تستمد وجودها من الدعم الأميركي، وبالمعنى الدقيق أميركا تدعم ما قيل عنه الإسلام الذي تريده هي.
أما الهدف الثاني، فهو أن أوباما أراد من تصريحه وضع وسادة سياسية له تخرجه بالمستقبل من أي اتهام بأنه دخل حرباً لا أهداف لها، فالادعاء الأميركي بوجوب تجهيز معارضة سورية معتدلة هو مجرد وهم إذا قلنا إن الاعتدال لا يرتبط بالسلاح ولكن المعارضة المرجوة من قبل أميركا هي معارضة مسلحة ويكفي تسليحها لنقول إانها ليست معتدلة، لأن احتكامها يكون على السلاح وليس الحوار وهذا ما تريده أميركا. فالواقع لا ينذر بالخير على حلفاء أميركا قبل خصومها لأنه لا يوجد ضامن أن تتحرك خلايا من خارج السرب الأميركي لضرب المصالح الأميركية وضرب مصالح الحلفاء الذين يخدمونها.
ولم يتوقف أوباما عن الكذب حين قال إن الجهاديين طردتهم القوات الأميركية من العراق فانتقلوا إلى سورية، وكأنه يريد تسجيل نصر من وهم أن القوات الأميركية أنهت دورها الديمقراطي بالعراق من خلال طرد المجاهدين. وحقيقة الأمر أنها دربت المرتزقة ولم تطرهم بل أرسلتهم إلى سورية بما يحملونه من كومبيوترات وأجهزة ثريا طبعاً من دون إغفال السلاح وكميته.
وليست صدفة أن يلتقي تصريح أوباما مع تصريحات أردوغان حول مناطق عازلة داخل الأراضي السورية بحجة منع تسرب الإرهابيين إلى هذه المناطق التي يرى فيها كل الوطنيين أنها بداية تقسيم… ولو أن تركيا صادقة بما تدعيه لأقامت هذه المناطق في أراضيها وفرضت سيادة جيشها على أراضيها، فمن يضمن ألّا تتحول تلك المناطق إلى معسكرات تدريب الإرهاب من أجل شن هجمات على الوطن السوري؟ الجواب يعرفه كل عاقل، إنها مناطق تجميع وتدريب واستنزاف لسورية والعراق كما ستكون مصدر رزق وأموال تأتي من الدافع الخليجي الذي ينفذ من دون اعتراض أي شيء مطلوب منه.
ولم تكتف أميركا بجبهة العراق وتركيا فطلبت من أعوانها في لبنان تأجيج الوضع على الحدود، فلا يمكن لأحد أن يفهم كيف يقبل من يدعي الوطنية في لبنان أن يدعم جماعات تحارب سورية وتخرج بتظاهرات تطلب احتلال بيروت، هذا ليس سؤالاً كبيراً ولا اختراعاً، هذا واقع يعيدنا إلى مربع من يريد تدمير المقاومة والجيش السوري ولمصلحة من.
لتأتي الإجابة، إنه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو حدود الدم التي خطط لها الغرب ونفذها العرب بمالهم وسوف تحصد «إسرائيل» نتائج كل هذا… فمن المخجل أن نقول إن المعارضة السورية تدعي انها تعيش خيبة أمل إذا لم تقصف طائرات التحالف المزعوم الجيش السوري. ومن المخجل أن نقول إن معارضة تدعي أنها تبكي على الشعب السوري ما زالت تتسول باسم اللاجئين السوريين ولكنها ترصد أموالها في أوروبا.
لقد كذب أوباما عندما قال لا يوجد إرهابيون في سورية وكذب أيضاً مرة ثانية عندما قال سورية تعيش ثورة مجاهدين! وسيبقى الرهان على السوريين من القدس الشريف إلى بيروت إلى دمشق إلى بغداد… وكسر دائرة النار ما زال ممكناً.