قمة الخنوع والتبعية للسيد الأميركي… هل ستتمكّن من وقف تقدّم محور المقاومة؟
حسن حردان
380 مليار دولار حصيلة ما حصده الرئيس الأميركي دونالد ترامب من زيارته للمملكة السعودية في بداية زيارته لها، محققاً بذلك ما كان قد وعد به الأميركيين في حملته الانتخابية، واثر فوزه بالرئاسة، من أنّ أولويته هي توفير الأموال لإنعاش الاقتصاد الأميركي وخلق وظائف للعاطلين من العمل وإعادة بناء البنية التحتية في الولايات المتحدة، وأنّ هذه الأموال سوف يأتي بها من الدول التي تقوم أميركا بحمايتها والدفاع عنها، لا سيما السعودية وباقي دول الخليج، ودول الاتحاد الأوروبي.
أما النتيجة الثانية فكانت الحشد العربي والإسلامي الرسمي الذي جاء بطلب من مملكة النفط للترحيب بالسيد الأميركي وتقديم فروض الطاعة له، والإعلان عن الاستعداد التامّ لتنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة والقاضية، حسبما أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بالتركيز على محاربة ما أسماه الخطر الإيراني ودعم إيران للإرهاب وحزب الله. أما الخطر الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين والذي يمعن قمعاً وتهويداً للأرض والمقدّسات فإنه ليس في الأجندة السعودية الخليجية، بل على العكس فالكيان الصهيوني ليس خطراً وإنما هو شريك لهذه الأنظمة الرجعية في محاربة قوى المقاومة والتحرّر التي تواجه المشروع الصهيوني الأميركي.
والنتيجة الثالثة، تمثلت في إحياء الصفقة الأميركية السعودية لحماية نظام آل سعود مقابل حصول أميركا على عائدات النفط الفائضة عبر صفقات تشغل مصانع السلاح والاقتصاد الأميركي الذي يعاني من التراجع. ولهذا فإنّ ما حصل ليس شراكة أميركية سعودية، أو تحالفاً بين دولتين ذات سيادة كما ادّعى الجبير، وإنما هو خضوع وتجديد لتبعية حكام السعودية للولايات المتحدة واستعداد لتنفيذ كلّ ما تطلبه منهم الإدارة الأميركية، من الإيغال في نهج التآمر على الأنظمة الوطنية المستقلة وقوى المقاومة، لقاء حماية حكمهم المتربّع على بحر من النفط، تهدر عائداته في خدمة أعداء الأمة.
غير أنّ المشهد في السعودية والذي نضح بالذلّ والمهانة للسيد الأميركي، لا يشي بأن هذا المحور الأميركي سيتمكن من استعادة زمام المبادرة والانتقال للهجوم لمنع محور المقاومة من مواصلة تقدّمه في الميدان في مجابهة قوى الإرهاب التكفيري في كلّ من سورية والعراق، واستنزاف وإحباط أهداف العدوان السعودي الأميركي على اليمن، فأميركا، التي استخدمت قوى الإرهاب لتحقيق ما عجزت عنه القوتين الأميركية والصهيونية في العراق ولبنان وأفغانستان، فشلت في تحقيق أهدافها في إسقاط الدولة الوطنية السورية وفي إعادة إخضاع العراق، وباتت اليوم تواجه مأزقاً حقيقياً إنْ هي أقدمت على التورّط مجدّداً في حرب جديدة في سورية، تنذر بغرقها في استنزاف من العيار الثقيل يفوق الاستنزاف الذي واجهته أميركا في العراق واضطرها الى الانسحاب منه بفعل المقاومة العراقية الشديدة من دون الحصول على مرادها. فسورية اليوم تملك الإرادة والتصميم على الدفاع عن سيادتها واستقلالها في مواجهة أيّ حرب أميركية تستهدف منعها من استكمال تحرير ما تبقى من مناطق سورية يسيطر عليها الإرهابيون، وهي تحظى إلى جانب ذلك بدعم قوي من حلفائها، روسيا والجمهورية الإسلامية الايرانية والمقاومة في لبنان، الأمر الذي يجعل من أيّ مغامرة أميركية في سورية مصيرها، ليس فقط الفشل المحتوم، بل وأيضاً سوف تؤدّي الى اشتعال حرب إقليمية تطال الكيان الصهيوني والقواعد الأميركية في كلّ المنطقة. عدا عن مخاطر التصادم المباشرة مع روسيا التي تملك القدرات العسكرية المتطوّرة والقادرة على مواجهة القوة الأميركية، وهو ما فرض توازناً عسكرياً استراتيجياً في سورية قطع الطريق على تنفيذ المخططات الأميركية والتردّد بشنّ الحرب على سورية لإنقاذ الجماعات الإرهابية من الانهيار والهزيمة.
ولهذا فإنّ ترامب وقبله أوباما أعلن أنه لا يريد التورّط في حروب جديدة تستنزف أميركا، التي تعاني اليوم من عجز كبير في موازنتها، ودين هو الأكبر في العالم بلغ عتبة الـ 20 تريليون دولار. ولذلك فإنّ الاستراتيجية الأميركية اليوم تقوم على شنّ الحروب بالوكالة وتدفع دول الحليج للإنفاق عليها، وعندما تصل الأمور حدّ التورّط المباشر في الحرب تتراجع، كما حصل في سورية في أكثر من واقعة منذ عام 2013 وحتى اليوم.
أما السعودية الغارقة في حرب استنزاف في اليمن فإنّ الأسلحة التي اشترتها بـ 110 مليار دولار من أميركا لن تحميها من الهزيمة في اليمن، ولن تمكنها من شنّ الحرب على الجمهورية الإسلامية الايرانية، لأنّ أميركا ليست وارد الإقدام على الدخول في الحرب، ولهذا هي وقعت الاتفاق النووي مع إيران، باعتباره أفضل الخيارات المطروحة أمامها. ولهذا فإنّ ما عجزت عن تحقيقه القوة الأميركية الإسرائيلية لن تستطيع تحقيقه القوة السعودية، مهما تزوّدت بالأسلحة من أميركا.
من هنا فانّ قمة الرياض كان هدفها:
1ـ استيلاء ترامب على ما هو موجود من احتياط مالي لدى السعودية، والذي يقدّر بـ 400 مليار دولار، بعد أن أهدرت 400 أخرى في الحرب العدوانية ضدّ اليمن.
2ـ تحويل الأنظار عن العدوان الصهيوني المستمرّ ضدّ الشعب الفلسطيني وأرضة ومقدّساته، وتقديم المزيد من التنازلات لـ إسرائيل تحت عنوان تشجيعها على استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والعمل على إعطاء جرعة معنوية لقوى الإرهاب وداعميهم، وللأنظمة الرجعية، لا سيما في البحرين على مواصلة سياسات القمع ضدّ الشعب البحريني، والاستمرار في اختلاق عدو اسمه إيران لكونها تدعم المقاومة ضدّ الاحتلال في لبنان وفلسطين وتقف الى جانب سورية والعراق ضدّ قوى الإرهاب التكفيري. وترفض الهيمنة الأميركية الغربية.
وهو ما حققه ترامب من زيارته للمملكة، التي رقص حكامها مع سيدهم الأميركي على دماء شهداء الأمة في فلسطين والعراق وسورية واليمن.