الاعتداء الأميركي في التنف ومصير الخطوط الحمراء
حميدي العبدالله
الاعتداء الأميركي على قوة للجيش السوري كانت تتقدّم باتجاه التنف على الحدود السورية – العراقية ليس حدثاّ عادياً في سياق الحرب على سورية. هذا الاعتداء يعكس رغبة الولايات المتحدة في رسم خطوط حمراء، تريد من الجيش السوري وحلفائه الالتزام بها. وهذه الخطوط الحمراء باتت معروفة وكتب عنها الكثير، حيث تسعى الولايات المتحدة بكلّ قوّتها لمنع وصول الجيش السوري إلى الحدود العراقية السورية المشتركة والتقاء الجيشين السوري والعراقي على طرفي الحدود، لأنّ من شأن ذلك أن يغيّر جذرياً معطيات الواقع السوري والعراقي، على مستوى مكافحة الإرهاب، وعلى مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، إضافةً إلى ما يعنيه ذلك على مستوى جيوسياسي، إذ تصبح منظومة ممانعة الهيمنة الأميركية التي تضمّ سورية وإيران وروسيا والمقاومة اللبنانية تمتلك مساحة اتصال من حدود روسيا الأوروبية وحتى شاطئ البحر الأبيض المتوسط في سورية ولبنان.
بديهي أنّ هذه الوضعية الجيوسياسية تقلق أطرافا عدة في مقدّمتها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفاؤهما في المنطقة. وبسبب ما يترتب على مثل هذا التطور الميداني من نتائج وتداعيات إيجابية تسعى واشنطن بكلّ قوّتها لمنع حدوث هذا التطور الميداني، وفي هذا السياق جاء الاعتداء الأميركي على القوات السورية التي كانت تتقدّم باتجاه معبر التنف على الحدود السورية العراقية.
لكن من الواضح أيضاً أنّ سورية وحلفاءها لديهم خطوطهم الحمراء، ومن ضمن هذه الخطوط ما جاء في بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة من أنّ أيّ قوة أو دولة ليس لها حق في تقييد تحركات الجيش السوري على الأرض السورية.
وقد مثّل الاعتداء الأميركي على القوة العسكرية المتقدّمة نحو التنف اختباراً لمعرفة من سيفرض خطوطه الحمراء، الولايات المتحدة وحلفاؤها، أم الدولة السورية وحلفاؤها.
لا شك أنّ نتائج الاعتداء قد حدّدت وجهة هذا الاختبار. بمعنى أنّ القوة التي تعرّضت للاعتداء الأميركي لم تتراجع أمام هذا الاعتداء على الرغم من التضحيات التي قدّمتها حيث سقط شهداء وجرحى، واحتفظت بالمواقع التي تقدّمت إليها ورفضت الانسحاب من هذه المواقع، الأمر الذي يؤكد إصرار الجيش السوري وحلفائه على رسم خط أحمر لا يمكن لأيّ جهة أو دولة أجنبية تجاوزه، وهو حق الجيش السوري في حرية التحرك على كامل الجغرافيا السورية، بما في ذلك الوصول إلى الحدود المشتركة السورية – العراقية.
واضح أنّ الجيش السوري مصمّم، بدعم من حلفائه، على ترسيخ ذلك وفرض خطوطه الحمراء، حتى لو اقتضى الأمر المزيد من المواجهات مع القوات الأجنبية التي تسعى لعرقلة تقدّمه.