العسكريون مخرج وطني لتطيير السلسلة
هتاف دهام
سجل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أمس، هدفاً في مرمى تيار المستقبل بفتحه باب القاعة العامة للتشريع في ساحة النجمة وتحريكه عجلة العمل البرلماني، مجدّداً بعد توقف دام خمسة أشهر بفعل مقاطعة فريق 14 آذار، فجلسة 19 حزيران الماضي التي كانت مخصصة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب علّقت بسبب الخلاف السياسي بين الكتل النيابية وبذرائع تقنية ومالية. وفي الوقت عينه، رمى بري سلسلة الرتب والرواتب في سلة اللجان المشتركة بعد اعتراضات من القطاعات المختلفة على الصيغة التي تمت التسوية السياسية عليها في الاسبوعين الماضيين.
هل ما حصل في الجلسة العامة، التي ترأسها الرئيس بري أمس بحضور رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء، مرتبط بأسباب تقنية صرف ؟أم هناك خلفيات سياسية غير معلنة؟ وهل يقتصر ما حصل على حدود تأجيل الجلسة أو تعطيلها؟ أم أنه سيكون له تأثير في موضوع التمديد، و استكمال الدور التشريعي للمجلس النيابي؟
أمام ما حصل، تخوّفت أوساط نيابية من أن يكون موضوع الجيش مدفوعاً لتعطيل السلسلة، والهدف إما تعطيل التمديد أو إجراء الانتخابات النيابية، أو الوصول الى الفراغ؟
غمز البعض من قناة الرئيس فؤاد السنيورة الذي بات محرجاً لوقوفه حجر عثرة أمام إقرار السلسلة، فلجأ الى مخرج المؤسسة العسكرية التي يرى أن من الممكن أن تكون السبب لتطيير الجلسة، انطلاقاً من الحسّ الوطني عند الكتل النيابية الوطنية التي تعتبر الجيش صمّام أمان الوطن، معطوفاً على ذلك الإرهاب الذي يتعرّض له الجيش في عرسال وقضية العسكريين المخطوفين، رغم اعتباره أنّ إعادة السلسلة إلى اللجان لدرسها من جديد هي الخيار الأفضل لعدم تحميل الدولة أعباء مالية تفوق امكاناتها.
في حين ترى أوساط نيابية أخرى أنّ ما حصل يرجح فرضية الأسباب التقنية الصرف، لا سيما أنّ الرئيس بري انشغل يوم أمس بتلقي الاعتراضات المختلفة من القطاعات المعنية هيئة التنسيق وأساتذة التعليم الثانوي الذين يعتبرون أنّ منح الدرجات للتعليم الأساسي جعل الرواتب متقاربة، وأساتذة التعليم الخاص لاستثنائهم من الزيادات المستحقة لهم، والمصارف والهيئات الاقتصادية ، وفضلاً عن الكثير من الكتل النيابية التي لم تكن مرحبة بالتسوية التي حصلت لإنتاج السلسلة بين وزير المال والنائب جورج عدوان، معتبرة أن لا سلسلة باسم أحد، خاصة أنّ «لجنة عدوان» خفّضت حقوق العسكريين.
إذاً، فجرت قنبلة الجيش الجلسة العامة، فرفعها الرئيس بري الذي لم يستخدم مطرقته عند 11:30، محوّلاً السلسلة الى اللجان المشتركة، بعدما أشار وزير الدفاع الوطني سمير مقبل في مداخلته أمس، إلى استحالة تطبيق المشروع بالشكل الذي تمّ التوافق عليه، متحدّثاً عن ضرورة فصل القطاع العام عن السلك العسكري، ومعلناً أنه سيتقدم بمشروع خاص برواتب العسكريين.
تصريح مقبل كان سبقه قبيل الجلسة لقاء مع الرئيس بري نقل خلاله نائب رئيس مجلس الوزراء رسالة من المؤسسة العسكرية أنها ليست على استعداد لأن تسير في الزيادات المقرّرة لها. لم يكن هذا الأمر وليد الساعة، فقائد الجيش العماد جان قهوجي بدا في لقائه مع وزير المال علي حسن خليل غير راضٍ عن نسبة الزيادات، وجدّد قهوجي أيضاً بعد اجتماعه مع كبار الضباط رفض قيادة الجيش ما أقرّ للأسلاك العسكرية. ذلك كله دفع الرئيس بري أيضاً إلى الاجتماع برئيس الحكومة تمام سلام والرئيس فؤاد السنيورة ووزيري المال والدفاع والنائبين جورج عدوان وابراهيم كنعان قبيل الجلسة، للتشاور في ما آلت إليه الاتصالات والمشاورات التي عقدت ليل أول أمس، والتي لم تصل إلى أي نتيجة تذكر بفعل إضافة أعباء جديدة على السلسلة للعسكريين.
قدم رئيس المجلس تنازلات كثيرة لإنضاج السلسلة، و بخاصة إعلان موافقته على زيادة 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة TVA على أن تحاط السلسلة بتوافق وطني سياسي وقطاعي، إلا أنّ التوافق لم يحصل. فأكد بري في كلمة ألقاها أنه كان يأمل في تقديم هذه العيدية الى أهلنا والطبقات الاجتماعية المجاهدة، إلا أنّ الذي تبيّن لنا أن الجمّال بنية والجمل بنية أخرى .
أبدى نواب كثيرون سعادتهم بإحالة الرئيس بري السلسلة على اللجان، وانتهاء الجلسة بسرعة، رغم عدم معرفتهم بالمطبات التي لا تزال تعتري طريق السلسلة. وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب قطع زيارته الفرنسية وعاد الى بيروت ظناً منه أنّ السلسلة ستقرّ، إلا أنّ ما حصل دفع بو صعب الى التأكيد مجدداً أنه سيبقى يطالب بإقرار السلسلة وسيقف الى جانب هيئة التنسيق وستكون هناك خطوات إيجابية في المستقبل العاجل ، مطمئناً الأهالي والرأي العام إلى أنّ العام الدراسي بخير ولن ندخل الى عام دراسي فيه مطبات.
هنا تطرح الأسئلة الكبرى: ما هو مصير الدور التشريعي للمجلس تحت عنوان تشريع الضرورة؟ ما هو مصير السلسلة التي أحيلت على اللجان المشتركة؟ هل ستعقد اللجان المشتركة لمعالجة مَواطن الضعف التي حُكي عنها وتحديداً العسكريين؟ هل طويَ ملف السلسلة لفترة طويلة؟ ما هو مصير التمديد؟ هل طار أم أنه سيبقى قائماً طالما أنّ تيار المستقبل ووليد جنبلاط يريدانه.
اجتمعت هيئة مكتب المجلس بعد الجلسة، وجرى خلال اللقاء التشاور في الشؤون المجلسية وفي الاستحقاق المقبل الذي يصادف في 21 تشرين الأول لإعادة انتخاب مكتب المجلس ولجانه الدائمة الـ 16، خرج بعدها النائب أحمد فتفت «الفرحة مش سيعاه» قائلاً: «لا جلسة قبل 21 تشرين الأول، لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور»، بينما كان بعض زملائه النواب يرجّحون إمكان عقد جلسة تشريعية في الثامن من الجاري، وكان آخرون يؤكدون ضرورة عقد جلسة لمجلس النواب قبل 21 من تشرين الأول الجاري لإقرار اقتراح التمديد المقدم من النائب نقولا فتوش، فالمجلس النيابي تنتهي ولايته في 20 تشرين الثاني المقبل، وهذا يتطلب بحسب الدستور أن يوقع رئيس الجمهورية على قانون التمديد في مهلة الشهر، وإذا لم يوقع خلال هذه المدة يصبح نافذاً. ولما كان الفراغ في سدة الرئاسة سيد الموقف فإنّ مجلس الوزراء مجتمعاً يفترض أن يوقع على القانون، إلا أنه وأمام الرفض العوني للتمديد، فإنّ مجلس الوزراء لن يوقع على التمديد، وبالتالي فإنّ القانون يحتاج الى مهلة شهر ليصبح نافذاً.
إلى أن تتبلور الأمور وتنضج التسويات، أقرّ المجلس أمس ستّ اتفاقات، بينها تمويل مشروع حماية مصادر مياه نبع جعيتا وتمويل مشروع الأبنية التعليمية في بيروت وتنفيذ أعمال وتجهيزات لكليتي الهندسة والعمارة في إطار مشروع الجامعة اللبنانية في طرابلس. كما أقرّ اقتراح تصحيح خطأ مادي في قانون السير الجديد.
وأقرّ من خارج الجدول اقتراح قانون يقضي بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة قدره 626 مليار ليرة لرواتب الموظفين لمدة شهرين الذي استحوذ على مناقشة بسيطة، فالجلسة أصلاً لم تستغرق أكثر من نصف ساعة. و سأل النائب فتفت بطريقة متهكمة عن سبب عدم إدراج مشروع فتح اعتماد للدولة بقيمة 626 مليار ليرة ضمن جدول الاعمال، فأتاه الردّ من الرئيس بري بطريقة جازمة أنّ اعتراضه غير قانوني ويحقّ لرئيس المجلس ذلك من باب عرضه على النواب .
لم تكن الجلسة التي استمرت ثلاثين دقيقة سانحة للنواب للإدلاء بدلوهم داخل القاعة العامة، إلا أنهم لم يضيّعوا الفرصة. الصحافيون فيlobby المجلس ينتظرون توضيحاً لما جرى …. وتكرّ سبحة التصريحات. وأكد رئيس الحكومة وجود تداعيات خطيرة في مشروع سلسلة الرتب والرواتب، لذلك أحيل مجدداً على اللجان المشتركة، متمنياً إقرار هذا المشروع قبل نهاية السنة.
وقال الرئيس نجيب ميقاتي: «إن ارجاء إقرار سلسلة الرتب والرواتب شكل خطوة حكيمة لمعالجة بعض الجوانب المتعلقة بالتمويل وبحقوق الاسلاك العسكرية»، آملاً « بأن تتم معالجة هذه المسائل في أسرع وقت من أجل العودة إلى اقرار السلسلة التي هي حق لكل المستفيدين منها باجماع الجميع.
وأكد وزير المال: «اننا نلتزم بإقرار السلسلة ونعلن جاهزية وزارة المالية تقنياً ومالياً لتغطية هذه السلسلة»، لافتاً الى «أنّ عدم إقرارها سيزيد الأعباء على الوزارة»، وأضاف: «حتى لو أحيلت السلسلة على اللجان لا يجب ان تضعف إرادة الهيئات النقابية، ويجب أن ننطلق لتصحيح الخلل القائم في موضوع السلسلة».
وشدد النائب كنعان على «أن مسألة الرواتب لا تحل بشكل مجتزأ أي على شهرين، والمطلوب العودة إلى القوانين» معتبراً «أن للجيش والقوى الأمنية حقوقاً والمساواة ضرورية والتعديلات واجبة»، مشيراً الى «أنه كان المطلوب بعض التعديلات، والحريص على العسكر والقطاع التربوي يجب أن يتكلم من أساس العدل والمساواة».
وأكد النائب عدوان أنه يجب وضع مشروع يعطي خصوصية للمؤسسة العسكرية.