الملحمة البابلية وكلينتون والإرهاب الدولي

الياس عشّي

تتحدّث ملحمة الخليقة البابلية «حينما في العلى» عن صراع دمويّ داخل المجمع الإلهي. تقول الملحمة:

لم يكن هناك إلا «أبسو» الأب الكلٌيّ و«تيامة» الأمّ. وبمرور السنين كثر أبناؤهم، وكثر ضجيجهم، فيقرّر «أبسو» التخلص منهم. يكتشف الأبناء خطّة أبيهم الكلّيّ «أبسو» فيقرّرون بدورهم، وبقيادة إله الحكمة «أيا»، أن تكون المبادرة لهم. وهذا ما حدث، فقتلوا «أبسو»، وحلّ «أيا» مكانه.

تتطوّر الأحداث، ويستطيع «مردوخ» الانتصار على «تيامةَ» ليصير، في ما بعد، إلهاً للتوحيد البابلي.

تذكّرتُ هذه الملحمة وأنا أراقب عالم اليوم المتّجه نحو العنف، فأقدم الأساطير تؤكد أنّ الوصول إلى أيّ هدف سياسي لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال صراع عنيف… بعده تُرسى قواعدُ جديدة تكون مقدّمة لنظام عالميّ جديد.

ما أشبه اليوم بالأمس!

إنّ الولايات المتحدة الأميركية في فرضها النظام العالمي الجديد تسعى لإسكات الضجيج الذي يتعالى في أنحاء المعمورة، فيرسل «أبسو كلينتون» تعليماته إلى الآلهة الأصغر شأناً كي يُسكتوا هذا الضجيج، وينهوا «أسطورة» حرية الشعوب الصغيرة.

و«أبسو» الجديد، في حربه المعلنة، لا يتردّد في رسم مفاهيمَ جديدة للإرهاب، فيعمّم أنّ الإرهابي هو مَن يدافع عن أرضه، أو يستردّ أرضه، أو يُستشهد في سبيل أرضه، والإرهابي هو مَن يقوم بعمليات نوعية يربك فيها عدوّه، أما استعمال الطائرات والصواريخ في أرض مدنية فهو استعمال مشروع للدفاع عن النفس.

وضمن هذه المعادلة يصبح أطفال الحجارة «إرهابيين»، وكذلك المقاومة الوطنية في جنوب لبنان، وكذلك سورية لأنها تسمح لبعض المنظمات المعارضة للحلّ السلمي هكذا يسمّونه في إصدار بياناتها. أمّا «إسرائيل» فهي الدولة الديمقراطية «الوحيدة» في الشرق!

إنّ القيمة التاريخية للأساطير أنها لا تموت بمرور الزمن، فكلّ الآلهة السماويين والأرضيين الذين يصنعون أحداثها يبقون في ذاكرة الشعوب. قد تتغير أسماؤهم بين أسطورة وأخرى، وبين دين وآخر.. ولكنهم يستمرّون في صناعة التاريخ. وإذا كان «أبسو» قد تقمّص في هذا أو ذاك فإنّ «أيا» إله الحكمة و«مردوخ» ابنه يتقمّصان في جسد أحرار العالم، والضجيج الذي يُحدثانه لا يفهم لغته إلا الذين آمنوا أنّ الموت هو شرط الانتصار لكلّ قضية عظيمة.

ونحن لا نعبأ بالتعريف الأميركي للإرهاب، ولا نهتمّ بتصنيف الولايات المتحدة الأميركية للدول الإرهابية.

نحن نعرف شيئاً واحداً:

سندافع عن حقنا في فلسطين كاملة، وفي جولان كاملة، ولن يتوقف الضجيج حتى نصل إلى تحرير كامل لكلّ حبة تراب من جنوب لبنان.

نشر هذا المقال في 14 أيار من عام 1994، واليوم أُعيد نشره بحرفيته بدون زيادة ولا نقصان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى