كلمة في المقاومة…
د. زهير فياض
لم تنشأ في تاريخ العالم مقاومة من فراغ، بل هي على الدوام وليدة الظلم والعدوان والاستكبار، وهي نتيجة طبيعية للاحتلال…
وليست المقاومة في بلادنا استثناءً، فالاحتلال أوجد المقاومة، وطالما استمرّ الاحتلال فستستمرّ المقاومة…
وعندما يُقَارب موضوع «المقاومة» يُفترض أن يُقارب من هذه الزاوية… أيّ زاوية الحق الذي كفلته القوانين والأعراف في العالم…
والمطلوب أن نخطو خطوات باتجاه تعزيز منطق المقاومة سلاحاً وثقافةً ونهجاً واستراتيجية دفاع في زمنٍ لا ينتصر فيه إلا الأقوياء على هذا الباطل المستفحل والذي يطل بألف قناعٍ وقناع.
عشية عيد المقاومة والتحرير نسأل: «هل المقاومة هي فعل أم ردّ فعل؟ كيف نحمي شعبنا وبلادنا في غياب استراتيجية دفاعية نظامية قومية على مستوى دولنا؟». هذا سؤال مركزي كبير…
ثمة إعلام «مجوقل» يصول ويجول في العالم وقد وضع كلّ ثقله وخبرته وعلمه وقدرته لتحقيق الإنجاز الأكبر أيّ «غسل الأدمغة» المستمرّ على مدى العالم لإعادة صياغة «الحقائق الكبرى» على شاكلة ونسق ونمط «الباطل» الذي يصول ويجول مجرّداً من بديهيات وأساسيات «القيم الانسانية» و«الأخلاق الإنسانية» وَ»المعايير الانسانية» الحقة، مما سبّب ردّة عكسية أعادت «العالم» إلى قرون الجاهلية وعصور الظلم والعدوان وتحوّل معها هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف الى «غابة كبيرة» يأكل كبيرها صغيرها، ويدوس قويّها على ضعيفها، ويلتهم المتوحّش فيها «الطرائد السمينة» المنتشرة في ثناياها…
إرادتنا أن يكون الزمن الحالي زمناً تأسيسياً بالمقاييس كافة، أو على الأقلّ زمن إعادة صياغة هذا العالم على قواعد جديدة تستلهم «التراث الإنساني» و «القيم الإنسانية» و «الأخلاق الإنسانية» و «الحق الإنساني» و «الشرعية الإنسانية» في الحفاظ على الهوية وفي الدفاع عن الوجود، لذلك نفهم تلك الحدة في الصراع بين قوى المقاومة والممانعة لهذا النظام العالمي الظالم وبين تلك القوى التي تمارس الظلم في ظلّ ازدواجية المعايير والمقاييس والمفاهيم…
انّ المشروع الإمبراطوري الأميركي الغربي الصهيوني الجديد لن يستطيع إخضاع شعوب الأرض، ولن يتمكّن من كسر إرادتها، والحدّ من طموحها، ولن يتمكّن من وقف عجلة التقدّم والتطوّر لأمم وشعوب بكاملها، ولن يكون بمقدور «العقل الإمبراطوري الجديد» عرقلة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأمم قرّرت النهوض والثورة على أوضاعها البالية والتأسيس لمستقبل أجيالها…
العالم يقف أمام خيارين: خيار المقاومة ذات الجذور الوطنية والأبعاد العالمية وخيار «الفوضى» ذات الجذور الدولية والارتدادات على «الهوية» و«الذات» الوطنية والقومية والإنسانية.
أما ما يعني بلادنا، فخيارنا هو المقاومة ويخطئ مَن يعتقد بإمكان المساومة على هذا الخيار، لأنّ البديل أشدّ إيلاماً وخطراً وهو يطال عمق البنى الاجتماعية لأمتنا.
فالفوضى التي نشهدها اليوم في بلادنا ليست صدفة، بل سياق ممنهج لاستثارة النزاعات الطائفية والمذهبية وإضعاف روح المقاومة في جسم المجتمع وتعطيل فعل العقل فيه وتفكيك الهوية واستبدالها بهويات مفككة ومشلّعة تخدم ترسيخ وتجذير الكيان «المسخ» في قلب منطقتنا…
عشية عيد المقاومة والتحرير، ثمة حقيقة واحدة تحكم الواقع هي سيادة مفاهيم القوة على مفاهيم الحق، ومفاهيم الظلم على مفاهيم العدالة. وهذا يعني أنّ الردّ كان وسيبقى في الأفق المنظور «المقاومة» والمقاومة فقط…
فهل ننفض عن أنفسنا غبار «السوريالية الحالمة»، ونسلك مسلك «الواقعية البنّاءة» في تجسيد الفعل المقاوم؟
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي