الشهداء أكرم منّا جميعاً… شهداؤنا طليعة انتصاراتنا الكبرى

إيّاد موصللي

الشهداء أكرم منّا جميعاً..

الأمّة التي ليس عندها شهداء سقطوا من أجل حريتها وكرامتها، والأمّة التي لا تحتفل بيوم خاص يكرّم به الشهداء والأبطال، هي أمّة غير جديرة بالحياة غير جديرة بالوجود بين الأمم.

لذلك، فإنّنا نعتزّ بانتمائنا لأمّة أبت أن يكون قبر التاريخ مقرّاً لها في الحياة.. وآمن أبناؤها بأنّ كلّ ما فيهم هو من أمّتهم ولأجل أمّتهم، حتى الدماء التي تجري في عروقهم هي وديعة الأمة لديهم متى طلبتها وجدتها. فعيد المقاومة والتحرير رمز لمواقف العزّ.. لقد ملأنا صفحات التاريخ بمواقف العزّ إيماناً منّا بأنّ الحياة وقفة عزّ فقط… وسقط منّا الشهداء قوافل.

إنّ الاحتفال بأعياد التضحية والعطاء ليست من أجل إقامة المآتم واحتفالات الندب والبكاء، بل لنتذكّر باعتزاز أولئك الذين أعطوا بسخاء وساروا بشجاعة على طريق الحياة والخلود.. فضمنوا لنا سلامة الوطن وكرامة الوجود والسيادة والحرية.

لقد جسّد الأبطال الأحياء والشهداء الخالدون حقيقة أمّتنا، بأنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ ومجراه، لقد أثبتوا أنّ إرادتنا هي فعل قضاء وقدر.. وبفعلهم غيّروا صفحات الذلّ بسخاء العطاء والفداء.

إنّ يوم المقاومة والتحرير ليس يوماً مختصّاً بجماعة معيّنة في أمّتنا ولا بحزب ولا بفئة مجاهدة، إنّه يوم كلّ الأمّة.. يوم الشهادة والعطاء الذي صنعه أبطال من أمتنا فشهداؤنا يمثّلون انتصاراتنا الكبرى.. كلّ من سقط جسداً وارتفع روحاً هو منّا نحتفل به في كلّ لحظة من وقفات العزّ التي وقفتها هذه الأمّة وكانوا سيوفها وتروسها.

شهداء المقاومة بكلّ أشكالها وتنوّع أسمائهم شهداء لنا.. شهداء للأمّة.. نفختر بهم ونعتز..

نحتفل بعيد العطاء متباركين بتلك الروح المقاومة الرافضة لكلّ أنواع المؤامرات التي تُحاك بإرادة داخلية تلبية للإرادات والإملاءات الخارجية.. تلك المقاومة التي أثبتت إرادة الحياة وأجهضت كلّ ما حيك بحقّ بلادنا من مؤامرات، فأعطت هذه المقاومة الأمل وكوّنت بذور جيل يتقن صنع البطولة ويفتح طريق الحياة. نحتفل اليوم بعيد المقاومة والتحرير بوقفة العزّ، في الوقت الذي يُقام مهرجان الذلّ والتآمر والاستسلام والزحف لنَيل صكوك الغفران، ونذكر ما قاله نتنياهو ، رئيس حكومة العدو، أثناء زيارة ترامب: «لا توجد مشكلة أو خطر من السعودية ضدّ «إسرائيل»، فالسعودية ليست معادية في ظلّ الأسرة الحاليّة الحاكمة، ولم تخض أيّة معركة ضدّنا في تاريخها.»

إنّ إيماننا بقضيّتنا إيمان حق وإرادة، لا إيمان إحساس وتوسّلات، وهذا يجعلنا نرى المستقبل الزّاهي يشرق على أمتنا، والإرادة الحرّة سوف تحقّق ذاتها بما يؤدّي إلى انتصار فلسطين. فليس عاراً أن نُنكب، ولكن العار كلّ العار أن تحوّلنا النكبات من أمّة حرّة إلى أمّة ذليلة مستعبَدة مكبّلة بقيود الذلّ والعبوديّة والاستسلام. إذ تمرّ على الأمم الحيّة القويّة المحن والصعاب، بل والنكبات، فلا يكون لها خلاص منها إلّا بالإرادة وبالبطولة المؤيّدة بصحة العقيدة، وإنّني لأرى في أجيالنا المعاصرة وما أستشفّه من أجيالنا القادمة الأمل الكبير في تحقيق إرادة الأمّة، إرادة الحياة والبقاء والاستمرار، لأنّ العمالة والاستسلام قد أعطت رصيدها، وإنّ إملاءات القوى التي توغّلت في أرضنا ونفوسنا لم تعد تستطيع أن تفرض المزيد، وإنّ سنوات إهمال الحقوق وبصم صكوك الاستسلام قد شارفت على النهاية. فإذا كان أجدادنا قد شاهدوا الفاتحين وعاشوا تحت ذلّهم وظلّهم، فإنّ أبناء أمّتنا في أجيال الحياة الجديدة والإرادة الجديدة سيضعون حدّاً للفتوحات.

إنّ هذه المخيمات وتجمّعات الذلّ التي أقاموها ستتحوّل إلى معسكرات ينطلق منها الأحرار الأباة، ولن تطول فترة الانتظار ولن تبقى النار تحت الرماد، فالنّار اشتعلت وسيكون وقودها وحطبها أولئك السّاعون إلى إقامة مخيمات البؤس لتكريس حالة الانكسار، وإيماننا هذا هو وليد إرادتنا لا دعواتنا ولا صلواتنا ولا قراءات الغيب …

لقد كُتبت نهاية «إسرائيل» وبدأت فصولها الأولى على الأرض يوم انتفض الجيل العربي الجديد في فلسطين وفي الشتات، ليعلن رأيه ويحدّد موقفه ويرسم طريقه عبر تجمّعات مؤمنة بقضيّتها، باذلةً من أجلها دماً آمنت أنّه وديعة الأمة فيها متى طلبتها وجدتها، وما امتلاء السجون والمعتقلات إلّا صوت من أنغام نفير الجهاد، فهذا الجيل مؤمن بأنّ طريقنا طويلة وشاقّة لأنّها طريق الحياة وأبناء الحياة، ولا يثبت عليها إلّا الأحياء وطالبي الحياة، أمّا الأموات فيسقطون على جوانب الطريق …

إنّ تاريخاً جديداً سيكتبه جيل جديد، وإنّ حدّ الذلّ قد وصل إلى نهايته. إنّ إرادة الحياة قد فرضت نفسها وأعلنت عن وجودها يوم ترجمت المقاومة في لبنان وعلى الأرض ما كنّا نراه في أحلام النوم واليقظة، وها هي المقاومة بكلّ عناوين العزّ والفخار جاثمة على صدر العدو.. عدوّ الإرادة وعدو الوجود.. عدوّ حاكم متخاذل وشعب مستسلم قانع، وعدوّ الوجود صهيوني متغطرس طامع بأرضنا ووجودنا. في وجه هذا كلّه، بصقت المقاومة وزغردت الصبايا وضحك الأطفال، وقبل أن تلوح شمس العزّ كان وميض نور الكرامة يشعّ من جباه جيل آمن بأنّه ينتمي لأمّة صنعت الحياة.

وأمام هذه المقاومة في لبنان، كان هتاف الجراح يناديها من فلسطين نحن هنا رفقاء قضيّة رسالة حياة.. توحّدت إرادة العزّ ولاحت بيارقه، وأمام كلّ شهيد يولد وليد منتشٍ بدماء جديدة يتنشّق هواء نقيّاً مضمّخاً بأريج النُّبل والبطولة، ويناديهم من بعيد صوت مدوٍ يقول سيروا إلى الجهاد.. وما أروع النصر الذي سوف تحقّقون!

إنّ البطولة التي يسجّلها ويجسّدها العاملون بصمت بعيداً عن الإعلام، بعيداً عن الضوء والضوضاء، تلك هي البطولة المؤيّدة بصحة العقيدة والإيمان، هي التي سوف تصحّح كلّ المفاهيم وتؤكّد أنّ فلسطين انتصرت والأعراب أفلسوا، أنّ فلسطين العروبة انتصرت بالإرادات، والأعراب أفلسوا رغم القرارات.. وأنّ إرادات البقاء أقوى من القرارات والإملاءات.

نقف اليوم ونتذكّر ما قاله الزعيم سعاده:

«لم آتكم مؤمناً بالخوارق، بل أتيتكم مؤمناً بالحقائق الرّاهنة التي هي أنتم، أتيتكم مؤمناً بأنّكم أمّة عظيمة المواهب، جديرة بالخلود والمجد، نحن لسنا أمّة صغيرة قليلة العدد، نحن ننشر بعددنا وفكرنا ومساحة أرضنا، فإذا فعلنا فإنّنا سنغيّر التاريخ، سننتصر».

لقد ناضلنا من أجل عزّ هذه الأمة وكرامتها وحيدين، وأنقذنا شرفها وحيدين مؤمنين بأنّنا أمّة واحدة ذات أهداف واحدة تسير بهذه الأمة نحو المجد والخير، فإذا نُكبنا، فليس عاراً أن ننكب، ولكنّه عار إذا كانت النكبات تحوّلنا من أشخاص أقوياء إلى أشخاص جبناء.. لقد تعاهدنا على تحقيق أمر خطير يساوي وجودنا. لذلك، فإنّ طريقنا طويلة وشاقّة، لأنّها طريق الحياة وأبناء الحياة ولا يثبت عليها إلّا الأحياء وطالبو الحياة، أمّا الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانب الطريق.

«في حربنا المقدّسة في سبيل غاية الأمّة نحتمل أن يلطمنا مواطن نعمل على إنقاذه ويأبى إلّا التدهور، ونأبى إلّا أن نرفعه إلى ذروة المجد القومي والعزّ الاجتماعي. إنّنا بتمكّننا من أنفسنا نستطيع احتمال كلّ مقاومة وكلّ لطمة أو اعتداء من أبناء أمّتنا، نستطيع ذلك بقوّتنا وشجاعتنا ونحن لا نضيق ذرعاً، ولذلك نحن لا نحمل حقداً حتى على المواطنين الذين لطمونا، بينما نحن نحارب لإنقاذ المجتمع من الفساد وإنقاذ حياة الأمّة وشرفها. لا نحمل حقداً ولا نحارب من أجل تنكيس أحدٍ من الناس، ولا نحارب أشخاصاً ولا من أجل أشخاص، إنّنا نحارب حرب أمّة حيّة تريد أن تشقّ طريقها إلى الحياة الحرّة المجيدة.. إلى العزّ والعظَمة.

لذلك نحن حركة صراع، لذلك نحن حركة قتال، حركة صراع بالمبادئ التي نحمل، وقتال بالدماء الحارّة التي تجري في عروقنا والتي سوف تحوّل أرض هذا الوطن إلى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحطيم كلّ نذالة وكلّ قبح، ولتصل بهذا الشعب إلى المجد.»

وأقول أيها الشهيد:

في ثوبك الأبيض وجنحك الخفّاق تطير

كالملاك تحمي الوطن والرفقاء فما أحلاك

أيها الشهيد الحــــيّ الخالـــد مـــا كنــّـا

ولــــن نكـــــون بهـــــذا العــــزّ لــــولاك

تحيّة لشهداء الأمّة في كلّ زمان ومكان، ونقول مع سعاده:

«ما أشدّ اعتزازي بكم، وما أروع النصر الذي نسير إليه…»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى