واشنطن حسمت الخلاف على المرجعية «السنية» فهل «تُقبَل» النتيجة؟
روزانا رمّال
لم تعرف السنوات السبع الماضية التي تكفّلت بتغيير مشهد المنطقة سياسياً هدوءاً بين العلاقات التركية السعودية او استقراراً بما يمكنه من نسج خطوط الوحدة داخل الحلف الواحد ضمن المظلة الأميركية. وشهد جزء من الصراع «كباشاً» حول إثبات النفوذ بين البلدين في المنطقة أولاً وفي العالم الإسلامي ثانياً، فباتت مسألة الحشد سياسياً وعقائدياً الشغل الشاغل في الدولتين اللتين تعتبران مرجعيتين سنيتين عريقتين في وقت خُطط للقضاء على نفوذ الأزهر في العالم الإسلامي وباتت المسألة محصورة بالنسبة للأميركيين بمن هو أقدر على تزعم العالم «السني» مع تقديمها سلفاً كل الدعم المطلوب لتنفيذ ما يبرز سطوة المعنيين على العالم الإسلامي الى ان توضحت الامور اليوم أكثر.
قدمت الولايات المتحدة الثقة اولاً والفرص المتتالية ثانياً لتركيا من أجل المساهمة في التغيير الذي تقرر في البنتاغون، منذ اندلاع الثورة المصرية عام 2011 بالتغيير المفترض. وهو الامر الذي اعترفت به وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة هيلاري كلينتون في مذكراتها عن دعم الاخوان المسلمين في مصر كمشروع اساسي تبنه واشنطن. وهو الذي كان يستحيل تحقيقه من دون النفوذ التركي – الإسلاموي الذي تترجمه جذور الحركة السياسية التي تحكم تركيا «حزب الحرية والعدالة».
نجح الاخوان المسلمون من بوابة مصر بتثبيت حكمهم في كل من مصر وليبيا وقبلهما تونس لسنة تقريباً، فيما لم ينجحوا بذلك في سورية. وكانت المفصل نحو فقدان الامل في توسع هذا الامتداد. الامر الذي افقد الاخوان المسلمين في مصر مشروعهم فاندلعت الثورة مجدداً.
لحظة تمدّد الاخوان المسلمين مع اندلاع الثورات كانت مقلقة بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تبتغي الاحتفاظ بمصر كحليف عربي أول. وهو الامر الذي يصبح مستحيلاً بظل حكم الاخوان المسلمين، بل يجعل من سطوتها على العالم الإسلامي أضعف بمرات. فالشراكة مع تركيا تجعل منها خاضعاً او تابعاً لا شريكاً. الازمة السورية تكفّلت بانكشاف استحالة الوحدة بين الاتراك والسعوديين، رغم ان المحاولات كبيرة لاظهار ذلك ضمن الاتفاق المشترك على العمل لإسقاط النظام الا ان الميدان عمّق الشرخ، بل كانت الاشتباكات بين المجموعات التابعة للسعودية والمجموعات المسلحة التابعة لتركيا احد اسباب تقدم الجيش السوري الرسمي.
هذا الخلاف انسحب سياسياً أيضاً في مؤتمر استانة الذي أيّدته تركيا وساهمت في تعزيز حضوره مؤخراً ورفضته السعودية ضمناً والمجموعات المؤيدة لها والمشاركة بالمفاوضات. وعلى هذا الاساس بدت مسألة الخلاف السعودي التركي كبيرة لدرجة يصعب العودة معها الى الوراء. فالمسألة وجودية تتعلق بفرض السطوة على العالم الإسلامي، لكن بين هذا وذاك يبقى الحسم للأميركيين الذين وجدوا في مشروع تركيا «امتداد الاخوان المسلمين» مشروعاً خاسراً. فهو لم يستطع الثبات بوجه العواصف والايادي العابثة، فتجيرت اوراق القوة للسعودية بعدما كانت واشنطن الحليف الاول لتركيا في عهد باراك اوباما. وكانت قد ساهمت بتعزيز نفوذها في المنطقة بناء على الثقة بما كان يعرضه الرئيس رجب طيب اردوغان للإدارة الأميركية من قدرة على التوسع والحضور والثبات.
تأتي قمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض بحضورها الإسلامي العريض وصفقاتها المالية الهائلة والتي صنفت بـ»التاريخية» بين البلدين بعنوان القمة الأميركية – الإسلامية رسالة صارخة لتركيا وحزب العدالة والتنمية فيها بشكل خاص، بأن الولايات المتحدة حسمت مسألة المرجعية «السنية» في المنطقة لصالح المملكة العربية السعودية، لا بل ان واشطن اعلنت استعدادها لتلميع صورة الرياض بما يخدم اعتبارها ممثلة للاعتدال «السني» في المنطقة انسجاماً مع مخرج رسم للمملكة بنهاية القمة، بدت فيه أحد أكبر الداعين والداعمين لمكافحة الإرهاب وإنهاء جميع اشكاله.
الخلاف التركي الأميركي في ملف الاكراد في شمال سورية يعزز الاشتباك بين انقرة وواشنطن على الاصعدة كافة. وهذا قد يعني أن لا تستسلم تركيا لما تعتبره مصيرياً ومرفوضاً بالرضوخ للشروط الأميركية في مسالة حساسة كدولة كردية مستقلة ما يجعلها أقرب الى روسيا وايران في المرحلة المقبلة حكماً وأكثر بعداً عن السعودية في الملف السوري. وهنا يلفت الخلاف القطري السعودي المستجدّ بالتوازي مع القمة الأميركية الإسلامية وأبعاده في استكمال ارسال الرسالة الى تركيا والتي تدل على ان الحرب عليها او على حلفائها اعلامياً وفعليا واردة ومباحة بضوء أخضر أميركي قرر على أساسه إنهاء محطة الاخوان المسلمين في المنطقة. وهو الامر الذي يستدعي انتظار رد فعل تركي بمكان ما يأتي على شكل استعادة لماء الوجه او محاولة لذلك. وهو ما قد يغير الواقع جذرياً في الميدان السوري، اضافة الى امكانية ان يحرك اردوغان الاخوان المسلمين الموجودين في دول كالأردن مثلاً لقلب المشهد مجدداً منعاً للخضوع لفكرة تحجيم نفوذه، خصوصاً أن الأميركيين لا يزالون يحتفظون بخصمه الأكبر «فتح الله غولن» المتهم بالتخطيط لمحاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز من العام الماضي في تركيا.
الخلاف السعودي القطري المتزامن مع اعلان السعودية رمزاً للإسلام المعتدل ومرجعية للسنة في المنطقة يعزز إمكانية التصعيد بوجه الاخوان المسلمين في المرحلة المقبلة وتعميق الهوة مع قطر باعتبارها غير منسجمة مع هواجس الخليجيين، ليبقى تلقف انقرة للمواقف الأميركية عنوان تطورات المرحلة المقبلة بشقيها الميداني والسياسي.
العين على خطوة تركية بعد القمة الأميركية – الإسلامية.