تركيا والمنطقة العازلة في سورية
حميدي العبدالله
يتخوّف الكثير من المحللين من أن تستغلّ حكومة تركيا الأحداث الجارية على الحدود السورية ـ التركية للقيام بغزو برّي لإقامة منطقة عازلة لإسكان اللاجئين فيها، وربما ضمّها لاحقاً إلى تركيا. ومما زاد من هذه المخاوف التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي إضافةً إلى انتشار الدبابات التركية في مواجهة مدينة عين عرب السورية حيث يحتدم الصراع بين قوات الحماية الكردية وتنظيم «داعش».
فهل تقدم أنقرة على وضع تصريحات الرئيس التركي موضع التطبيق؟
خمسة أسباب تجعل ذلك مستحيلاً، وإذا ما ارتكب أردوغان حماقة على هذا الصعيد فسوف يدفع الثمن غالياً:
السبب الأول، أنّ أيّ تقدّم برّي للقوات التركية سوف يصطدم بمقاومة ضارية من المقاتلين الأكراد الذين ينتشرون على مقاطع واسعة من الحدود السورية التركية، والجيش التركي الذي لم يستطع التغلّب على مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل تركيا بعد حرب استمرّت أكثر من 35 عاماً، لن يكون قادراً على الاستقرار والسيطرة داخل الأراضي السورية في المناطق ذات الغالبية الكردية.
السبب الثاني، مناطق الحدود السورية الأخرى التي لا توجد فيها أغلبية كردية، تسيطر عليها التنظيمات التكفيرية، تحديداً «داعش» و«النصرة»، وهذه التنظيمات سوف تقاتل الجيش التركي الذي يشكل تهديداً لسيطرتها في حال توغله، وهذا من شأنه أن يلحق خسائر فادحة بالقوات الغازية.
السبب الثالث، الدولة السورية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذا الغزو، وإذا كانت غالبية الحدود المشتركة لا تتواجد فيها قوات برّية سورية، إلا أنّ لدى الجيش السوري سلاح الجو والقوة الصاروخية، ولن يتردّد في استخدام هذه القوة، وهذا من شأنه أن يحوّل المواجهة في سورية مع تركيا إلى حرب إقليمية، ستكون لها تداعيات كثيرة، وستكون هذه التداعيات أكبر من قدرة حكم حزب العدالة والتنمية على تحمّلها، فضلاً عن أنّ مثل هذه المغامرة تورّط حلف «الناتو» بحرب إقليمية رفض في السابق الانجرار إليها حتى عندما أسقطت الدفاعات الجوية السورية الطائرة التركية التي اخترقت الأجواء السورية في وقت سابق.
السبب الرابع، إنّ كثيراً من الدول العربية، ولا سيما مصر والعراق، سيكون لها موقف حازم لأنّ هذه الدول تخشى السياسة التركية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية، وحتى السعودية لن تدعم مثل هذا التدخل التركي في سياق التنافس بينها وبين تركيا على تزعّم الوضع في المنطقة في إطار الاستراتيجية الغربية.
السبب الخامس، انّ دول كبرى مثل روسيا والصين وإيران لا توافق على مثل هذا الخرق لميثاق الأمم المتحدة، والاعتداء على دولة ذات سيادة من دون تفويض من مجلس الأمن، وطلب من الحكومة السورية.
هذه العوامل مجتمعة تؤكد أنّ أيّ خطوة طائشة ستكون كارثة على حكم حزب العدالة والتنمية، وستكون عواقبها وخيمة.