الحشد الشعبي يكسر الخطوط الحمر الأميركية ويفاجئ: لقد بتنا على الحدود السورية القانون يترنّح على حبال بعبدا وعين التينة حول الدورة الاستثنائية ونقل المقاعد
كتب المحرّر السياسي
ثلاث مفاجآت من العيار الثقيل حكمت كلاً من المشهد الدولي والإقليمي والمحلي، فعلى المستوى الدولي ظهر الثنائي الروسي الفرنسي كثمرة غير متوقعة لنتائج الانتخابات الفرنسية التي حملت إيمانويل ماكرون إلى الأليزيه، على حساب مرشحين كانوا يجاهرون بالسعي لأفضل العلاقات مع روسيا، وجاء التطوّر في الموقف الفرنسي ظاهراً في الملف الخلافي الرئيسي المتمثل بمستقبل الحلّ السياسي في سورية، حيث جاء إعلان ماكرون بالتعابير المستعملة من الرئيس الروسي، بالسعي لحلّ سياسي يقيم مرحلة انتقالية تحافظ على الدولة السورية ومؤسساتها، وفقاً لأولوية الحرب على الإرهاب، مع أخذ العبر من مشاريع التغيير الفاشلة في المنطقة وتأثيرها السلبي على أمن أوروبا.
المفاجأة الثانية جاءت إقليمياً بحسم الملف الرئيسي في الحرب السورية، بتقديم الجواب حول التوازنات التي ستحكم الحدود السورية العراقية، التي صارت آخر قيمة في الجغرافيا السياسية للحرب في سورية، لاتصالها بمكانة إيران الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، ما جعل واشنطن تجاهر بالسعي لمنع التواصل بين الجيش السوري والحشد الشعبي عبر الحدود السورية العراقية، لتكون المفاجأة إعلان الحشد الشعبي بلوغه نقاط الحدود مع سورية.
المفاجأة الثالثة لبنانية، وجاءت بمقدار ما كان التفاؤل بقرب التوصل لتوافق حول قانون انتخابات جديد مفاجأة أيضاً، لتعيد مناخات التشاؤم مع ظهور شدّ حبال بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي حول قضيتي فتح الدورة الاستثنائية والدعوة لنقل مقاعد نيابية مسيحية من طرابلس وبعلبك الهرمل وسواهما إلى دوائر ذات أغلبية مسيحية، وهو ما وصفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالتقسيم والفدرالية.
بري: جلسة 5 حزيران دستورية
قبل يومين من نهاية العقد العادي للمجلس النيابي وعلى وقع مفاوضات ربع الساعة الأخير على تفاصيل قانون الانتخاب النسبية 15 دائرة الذي حظي بتوافق معظم الكتل النيابية و»بات قاب قوسين»، كما عبر رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، حسم الرئيس نبيه بري الجدل حول دستورية جلسة 5 حزيران المقبل وانعقاد المجلس من دون فتح دورة استثنائية للمجلس، وأعلن بري أن الجلسة دستورية.
وأوضح رئيس المجلس في مؤتمر صحافي عقده أمس في عين التينة، أن «المادة 59 التي تسمح لرئيس الجمهورية تأجيل جلسة المجلس النيابي لمدة شهر لا يوجد في الفقه واللغة والقانون، ولا معنى للتأجيل سوى التأخير وأن المجلس بالتالي ينعقد بعد انتهاء مدة التأجيل لتعويض الفترة التي أجلت، بمعنى أن هذا دين يبقى للمجلس قائماً دائماً بدليل أنه لو أراد المشترع الدستوري تقصير مدة الانعقاد لاستعمل كلمة اختصار أو الانتهاء أو التقصير».
وروى بري القصة الكاملة حول مرسوم فتح الدورة الاستثنائية واتصاله برئيسي الجمهورية والحكومة وأكد أن «لا أحد يستطيع الضغط على مجلس النواب إلا الشعب اللبناني فقط»، مشدداً على رفضه بالشكل والأساس نقل مقاعد مسيحية الى دوائر أخرى، معتبراً ذلك «فرزاً مقلداً لمشاريع التقسيم القائمة في المنطقة وأن هذا الأمر سيصبح إذا ما سرنا به، باباً ومنفذاً لطوائف أخرى من أجل المطالبة به أيضاً».
وفتحت النقاط التي أثارها رئيس المجلس في مؤتمره الصحافي الباب واسعاً على نقاش دستوري جديد حول انعقاد المجلس بعد نهاية عقده العادي في 31 أيار، حيث ترى بعبدا أن دعوة بري لجلسة في حزيران بعد نهاية العقد العادي وقبل توقيع رئيس الجمهورية العقد الاستثنائي غير مبررة وتستند في رأيها الى المادة 31 من الدستور التي تقول إن «كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعد باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون». وبالتالي ترى مصادر بعبدا أن «انعقاد المجلس سيصبح غير دستوري مع نهاية الشهر الحالي ما يعني أن جلسة 5 حزيران غير قانونية»، لكن مصادر قناة الـ»أو تي في» أكدت أن «مرسوم الدورة الاستثنائية لمجلس النواب سيصدر حتماً لكن وفق الأصول الدستورية الدقيقة». بينما تتمسك عين التينة بدستورية الجلسة بعد استخدام رئيس الجمهورية المادة 59 من الدستور التي قضت بتأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر واحد.
«التيار الحر» يحدّد موقفه النهائي اليوم
وفي غضون ذلك تستمرّ المشاورات على بعض النقاط العالقة في قانون النسبية لجهة نقل بعض المقاعد. وأكد الرئيس عون أن الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية و»نأمل أن نبشّر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل.»
ولم يبلغ التيار الوطني الحر بعد رده النهائي على تفاصيل قانون النسبية على أساس 15 دائرة بانتظار اجتماع تكتل التغيير والإصلاح اليوم الذي سيصدر عنه موقف رسمي نهائي، لكن مصادر التيار الوطني الحر أشارت لـ«البناء» أن «جلسة 5 حزيران من دون فتح دورة استثنائية تعتبر باطلة وغير دستورية وبالتالي نواب التكتل سيقاطعون الجلسة»، موضحة أن «التفسيرات الدستورية عن انعقاد المجلس بعد 31 أيار هي انتقاص من صلاحية رئيس الجمهورية الذي يحق له وحده بالاتفاق مع رئيس الحكومة توقيع مرسوم العقد الاستثنائي»، غير أنها لفتت الى «أن دعوة بري الى جلسة في 5 حزيران خارج نطاق الدستور يعني أنه يدرك أن الرئيس عون سيتجه الى فتح الدورة».
وأعربت المصادر العونية عن اعتقادها بأن «جميع الأطراف باتت محكومة بالتوافق على قانون جديد بمعزل عن الجدل الدستوري المستجدّ حول قانونية انعقاد المجلس وسنصل الى خواتيم سعيدة في وقت قريب جداً، لأن التيار يرفض الفراغ التشريعي الذي سيؤدي الى خطر كبير على العهد والبلد».
وكشفت المصادر «الاتفاق بين الجميع على المبادئ الاساسية لقانون الانتخاب كالنسبية الكاملة وعدد الدوائر الذي تثبت على 15 دائرة وتقييد الصوت التفضيلي بالقضاء وليس بالطائفة أو بالمذهب والبحث جارٍ الآن حول التمثيل العددي لكل مقعد نيابي الذي يجب أن يتم على معايير موحدة فضلاً عن نقل بعض المقاعد»، ولفتت الى أن «الأمر ليس عملية تقسيمية كما يُقال، بل نقل المقاعد محصور بمقعدين فقط الأول مقعد الأقليات في بيروت الثانية والمقعد الماروني في طرابلس، وبالتالي لم يطلب التيار نقل المقعد الماروني في بعلبك الهرمل التي يوجد فيها أكثر من 23000 مسيحي، أما المقاعد التي يوجد فيها عدد قليل من طائفة معينة فيجب نقلها الى دوائر أخرى».
وحذّر الرئيس الحريري من ضيق المهل الدستورية، وقال خلال مأدبة إفطار أقامها أمس في السراي الحكومي حضرها الرئيس بري وحشد كبير من الوزاء والنواب وقادة الأجهزة الأمنية، أن «ما بعد منتصف ليل التاسع عشر من حزيران، لن يكون كما قبله والخيار السليم الوحيد المطروح أمامنا هو الاتفاق على قانون انتخاب جديد، عادل وشامل، وخلاف ما يحلّل البعض، بأننا في العلن نريد التغيير ولكننا في الخفاء نماطل بهدف العودة الى قانون الستين أو التمديد، إنني على يقين تامّ، بأن العودة الى قانون الستين أو التمديد، سيشكل هزيمة لنا جميعاً أمام قواعدنا الشعبية، ويعبر عن اهتراء سياسي لا يصبّ في مصلحتنا ومصلحة البلد».
جنبلاط: وافقنا للخروج من المأزق
وفي حين أبلغ رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الرئيس بري والمعنيين موافقته على قانون النسبية الكاملة على 15 دائرة بعد أن اعتمدت الشوف وعاليه دائرة انتخابية واحدة، أوضحت مصادر الحزب الاشتراكي لـ«البناء» أننا «وافقنا على هذا النسبية وفقاً لـ15 دائرة، علماً أننا رفضنا النسبية الكاملة في السابق لأننا نريد الخروج من المأزق الحالي وكي لا نتّهم بالتعطيل، لكن لا زلنا نناقش في بعض النقاط التفصيلية ولم نحصل على أجوبة عليها حتى الآن ولن نكشف عنها في الإعلام».
ولفتت المصادر الى أننا «اعترضنا في السابق على المشروع التأهيلي ولن نقبل به تحت أي ضغوط وظروف ورفضنا عملية نقل المقاعد الذي يمكن تأجيله الآن ومعالجة النقاط الأهم». وأبدت المصادر تأييدها لكلام الرئيس بري أمس، الذي وصفته بالمنطقي والدستوري و»هو مطروح للنقاش وغير ملزم، بل طرحه بري كرئيس للمجلس من منطلق استمرار انعقاد المجلس النيابي حتى آخر يوم من ولايته لإتاحة المجال لغقرار قانون جديد»، موضحة أن «بري يتحاشى الوقوع في الفراغ الذي سيجر معه الفراغ الشامل على صعيد المؤسسات لا سيما في ظل الظروف المحيطة في المنطقة».
وأكدت المصادر أن «نواب اللقاء الديموقراطي سينزلون الى المجلس ويشاركون في الجلسة التي دعا اليها بري في 5 حزيران وإن لم تفتح دورة استثنائية، لكنها أشارت الى أن «الرئيس الحريري وقع المرسوم وبالتالي من الافضل للبلد في هذه المرحلة أن يبادر رئيس الجمهورية الى ذلك وتجنّب مشكلة دستورية حول انعقاد المجلس». لفتت الى أن «قانون الستين لم يعد مطروحاً في ظل التقدّم الحاصل على صعيد القانون النسبي، لكن في حال وصلنا الى نهاية ولاية المجلس دون توافق على قانون جديد، سنذهب مكرهين الى انتخابات على أساس الستين».