بعد قمة الرياض… السعودية مخازن وقطر نتوء في مهبّ الريح!
محمد صادق الحسيني
من بين تداعيات تمثيلية أو احتفالية الرياض الهوليودية الترامبية، اشتعال حرب الأدوار بين آل سعود وآل ثاني، اذا لم نقل «سباق الهجن» على عروش تذروها الرياح…!
ولعل في ثنايا صفقات التسلح التي اجملت بمئات المليارات كان ثمة ما يشي بهذا السباق المجنون بين العائلتين الحاكمتين وإليكم بعض تلك الخفايا…
أولاً: خلافاً لما يبدو للعامة من أنّ الأزمة التي تعصف بالعلاقات السعودية القطرية هي ليست أكثر من عاصفة في فنجان إلا أنّ الحقيقة غير ذلك تماماً…
إذ إنها أزمة ناتجة عن تغيّر قسري في خطط السيد الأميركي في ما يسمّيه الشرق الأوسط. تغيير يعود لسببين أساسيين، ألا وهما:
– فشله الذريع والاستراتيجي في ضرب محور المقاومة بمكوّناته الأربعة، الإيرانية والسورية والعراقية واللبنانية.
– الإفلاس المالي الذي تعاني منه الحكومة الاميركية وهو إرث تركه لترامب ساكن البيت الأبيض الديمقراطي السابق….
ثانياً: أما السبب المباشر لظهور هذه الأزمة السعودية القطرية بهذه الحدة، فليس خلافاً في وجهات النظر بين الطرفين كما يعتقد البعض، وإنما جاء نتيجة خدعة كبرى تعرّض لها السعودي والقطري في آن معاً من قبل السيد الأميركي، الذي خدع السعودي بأن باعه وهم دور الوكيل الأوحد لتسويات المنطقة مقابل تعهّد مملكة آل سعود العملي بتغطية قيمة رزمة المساعدات الأميركية لـ»إسرائيل»، والتي تلامس الأربعين مليار دولار، والتي كان قد تمّ الاتفاق عليها بين «إسرائيل» والولايات المتحدة بالأساس في آخر أيام إدارة أوباما…
ما أوحى للسعودي عملياً بأنّ الولايات المتحدة تريد إنهاء الدور القطري في إدارة أزمات المنطقة بسبب الفشل الذريع الذي تواجهه الحكومة القطرية في ميادين المواجهة كافة من ليبيا الى سورية… وعليه فإنّ الولايات المتحدة تفكر بنقل قواعدها العسكرية من قطر الى السعودية..
تلك الموافقة التي حصلت خلال زيارة الرئيس الأميركي للرياض والتي أثمرت عن توقيع اتفاقية منفصلة وسريعة بين الحكومة السعودية ووزارة الدفاع الأميركية حول قيام الأخيرة بتقديم خدمات صيانة واستشارات وخدمات لوجستية مختلفة للجيش السعودي بقيمة أربعين مليار دولار…
وهي في الحقيقية خدمات وهمية لا تتعدّى كونها غطاء لمشاركة آل سعود مع الجيش «الإسرائيلي» في جرائمه ضدّ الدول العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص…!
في حين تمثلت خديعة السيد الأميركي للعميل القطري بالإيحاء له بأنّ نقل القواعد سيتمّ إرضاء للسعودية في مقابل الصفقات المالية الضخمة التي وقعت عليها مع الطرف الأميركي…!
ثالثاً: في الحقيقة فإنّ الرئيس الأميركي هنا يكون قد مارس خدعة كبرى ضدّ الطرفين السعودي والقطري، بالاضافة الى خداع الأطراف الدولية الكبرى التي تعمل على إنهاء الهيمنة الاحادية الاميركية على ادارة الأزمات الدولية، وذلك عندما تمّ الإعلان عن صفقات تسليح ضخمة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست سوى عملية نصب واحتيال وخداع استراتيجي مكشوف يمارسه سيد البيت الأبيض هدفه الأساسي، التحشيد الاستراتيجي العملياتي ضدّ المحور الصيني الروسي الإيراني…
أي أنّ ما يُسمّى بالجيش السعودي لا علاقة له بما تمّ الاتفاق عليه في تلك الصفقات، وإنما هي صفقات أسلحة لصالح الجيش الأميركي مموّلة سعودياً سيتمّ تخزينها في الأراضي السعودية حتى بعيداً عن أعين الجيش السعودي…
تماماً كما هو الحال في موضوع القواعد العسكرية الأميركية التي سيجري نقلها من العيديد والسيلية الى السعودية توفيراً للنفقات وزيادة أمن هذه القواعد والتي ستكون ضمن مظلة الحماية الصاروخية لمنظومة الدفاع الجوي الأميركية من طراز ثاد THAD والتي وافقت مملكة آل سعود على إقامتها على أراضيها…!
وقد يكون هذا هو بالضبط سبب استدعاء القيصر الروسي لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي سيقابل سيد الكرملين اليوم الثلاثاء، حيث سيقوم الرئيس الروسي بإبلاغه رفض روسيا القاطع لموافقة آل سعود على إقامة قواعد لنظام ثاد الأميركي للدفاع الجوي الصاروخي باعتباره تهديداً مباشراً وخطيراً للأمن القومي الروسي. الأمر الذي لا يمكن لروسيا التساهل معه ولا مع مَن يتآمر على أمنها القومي، ما يعني عملياً أنّ أمام آل سعود في هذا السياق خيارين لا ثالث لهما:
إما التراجع عن الاتفاقية وإما أن تصبح السعودية هدفاً في بنك أهداف سلاح الصواريخ الروسي، وهي الرسالة الحازمة التي سيسمعها بن سلمان ولا غير..
رابعاً: قصارى القول فإنّ سبب الأزمة السعودية القطرية المشتعلة فجأة ليس سوى صناعة أميركية بامتياز اقتضتها المصالح الاميركية العليا ولا غير..! هذا التحوّل المفاجئ في حركة ترامب البهلوانية هو الذي جعل مشيخة قطر تشعر بأنها تُرِكَت في مهبّ الريح، مما أرغم الذي يحكمها، تميم بن حمد، للهروع مرتعداً الى الجار الإيراني القوي الصاعد والمقتدر لعله يجد حماية لعرشه من غدر الأيام، واحتمال ابتلاع عرشه في لحظة التحوّل الأميركية الهوجاء، كما سبق وحصل مع أبيه من قبل…!
هذا الأمر البتة لا يُخفى منه شيء على القيادة الإيرانية، وهي ليست غافلة عن الجرائم التي ارتكبها حاكم قطر، ولا زال، في كلّ من العراق وسورية ولبنان ومصر وليبيا. ولعلّ من المفيد هنا التذكير بأنّ وحدات من المرتزقة المسماة بالجيش القطري لا زالت، وتحت قيادة سعودية، تشارك في ذبح الشعب اليمني كما أنّ مجموعات داعش وغيرها من المسلحين الإرهابيين في ليبيا لا زالت تقاتل بأسلحة مموّلة من الدولة القطرية، بل إنّ بعض هؤلاء المسلحين يرتدون الزّي العسكري القطري ويمكن لأيّ كان مشاهدتهم وتصويرهم في أماكن وجودهم. ومن نافل القول التذكير بالدور القطري الإجرامي الخاص في مشروع تدمير سورية…
من هنا، فإنّ طلب تميم الحماية من الجار الإيراني المقتدر لا بدّ أن يترافق بشهادة حسن سلوك يُصدرها محور المقاومة لهذا الحاكم الطائش الذي قد يتوهّم للحظة بأنه الفارس الذي يمكن الركون إليه متى أراد هو فقط، لأنه شارك يوماً في سباق الخيل الذي نظّمته والدته موزة…!
في حين أنّ شروط إصدار هذه الشهادة فهو يعرفها تماماً ولا داعي لتكرارها عليه، علماً أننا نودّ تذكيره بشرط قد يكون خارج نطاق استيعابه العقلي وقدراته الذهنية ألا وهو انّ وقف تمويله وتسليحه لمجرمي التنظيمات المسلحة التي تحارب الدولة الوطنية في كلّ من العراق وسورية غير كافٍ على الإطلاق، بل عليه أن يتعهّد رسمياً بدفع تعويضات لجميع الشعوب التي تضرّرت من سياسات العصابة التي حكمت وتحكم قطر…
خاصة أنّ مشروع مشغله الصهيو أميركي، والذي هدف الى تدمير الدولة السورية وتوجيه ضربة موجعة الى محور المقاومه، يشارف على الانتهاء بعدما غدت سيطرة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في العراق على قاطع الحدود العراقيه السورية مسألة ساعات…
الفرصة تضيق أكثر فأكثر على النتوء القطري في الجزيرة العربية والتعبير للصحافة السعودية في ظلّ استمرار تقدّم الجيش العربي السوري وحلفائه في البادية السورية تمهيداً لتطوير الهجوم باتجاه دير الزُّور وقاطع التنف وانتهاء بعزل وتطويق قواعد العدوان الأميركية البريطانية الأردنية المقامة هناك تمهيداً لتصفيتها وتطهير الأرض السورية من هذا الرجس الاستعماري المقيت مرة واحدة وإلى الأبد.
سلطانك قائم سيدي حتى ظهور القائم.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…