تحرير الأرض المحظور… وردّ الفعل المقهور!
محمد ح. الحاج
إذا كان من إنجاز لاتفاقية المناطق الأربع، فهي تفرّغ الجيش السوري وحلفائه لقتال داعش وطردها من كامل مساحة الأرض السورية، وكشف التنظيمات التي لم تلتزم بل وقفت إلى جانب النصرة في عمليات الخرق رغم الضمانة التركية، ويبقى أنّ لجبهة النصرة فتح الشام توقيت طردها والقضاء عليها وسيكون أقلّ صعوبة بكثير من القضاء على دولة الإرهاب في العراق والشام داعش ، وهكذا أمكن وضع الخطط والانتقال إلى مرحلة التطبيق قبل فترة ليست بعيدة، الجيش السوري بدأ عملياته ضمن خطة خرق محكمة على شكل رأس حربة تدخل في عمق منطقة ثم تنتشر لتشكيل طوق على ذات المنطقة المستهدفة ليكون الإنجاز الأهمّ هو قطع طرق الإمداد وإغلاق خطوط النجدة ودفع الوحدات المطوّقة إلى نهايتها في عملية استنزاف لا تستمرّ طويلاً وليفرض خيار الموت أو الاستسلام نفسه.
لم يكن صعباً على القيادة دراسة انتشار التنظيم الداعشي وتحديد أماكن تجمّعاته ومعرفة نقاط الضعف وإمكانية الاختراق، وهكذا قامت الوحدات بعمليات سريعة تكللت بالنجاح وأمكن قطع طرق التواصل والإمداد عن وحدات التنظيم بين الشام والعراق، كما أمكن القضاء على الوحدات في أماكن محددة وتطويق وحدات أخرى في عملية تكسير الصخرة، ليسهل تفتيت أجزائها بعد ذلك كما في عمليات قطع الجنوب عن الوسط والشمال، وبدء عمليات طرد التنظيم من آخر أماكن وجوده في ريف حلب الشرقي، وسيكون بعدها الانطلاق لتحرير الرقة في ذات الوقت الذي بدأت فيه عملية كبرى لتحرير دير الزور.
التنسيق والتكامل بين وحدات الجيش في كلّ من الشام والعراق تفرض نفسها لنجاح خطط القضاء على تنظيم داعش، وما كان ذلك غائباً عن أذهان قيادات الدول الداعمة والمشغلة لهذا التنظيم، والمستفيدة من خدماته وعلى رأسها العدو الصهيوني وداعمه الأميركي والمتواطئين معه من أعراب الخليج، العدو الصهيوني عبر عن قلقه مما يحصل في البادية السورية، ومن تواصل الجيشين، ذلك ما نشرته وسائل الإعلام المعادي والمواقع على الشبكة العنكبوتية، ومن المؤكد أنّ قيادة العدو طالبت الأميركي بالتدخل لحماية هذه الأداة التخريبية التي وفرت له الغطاء اللازم ومشاغلة الأنظمة التي ما زالت تشكل خطراً على الكيان الغاصب وتمنع تصفية القضية رغم تآمر جزء كبير من قادة ما يسمّى سلطة فلسطينية أو إدارة أو ما يرغبون من تسميات، قمة الرياض الصهيو ماسونية اسلامية كانت التمهيد لوضع خطط حماية داعش تحت غطاء حماية التنظيمات المعتدلة غير الموجودة أصلاً، فكلّ التنظيمات هي تحت يافطة الإسلام السياسي المزيّف، بما في ذلك الجيش الحر وهو الذراع العسكري لتنظيم خوان الوطن والشعب.
مع بداية تنفيذ خطط تحرير البادية السورية وتحرك القوات العسكرية النظامية السورية ومعها القوات الرديفة رداً على تحركات مشبوهة على الجانب الأردني لقوات خليط، مرتزقة سوريون تمّ تدريبهم في الأردن وبعض الوحدات الأردنية، وقوات بريطانية وأميركية، والتي كان هدف تحركها السيطرة على شريط حدودي عريض لضمان بقاء داعش وحمايته وإعادة تشغيله ثانية وثالثة عند الحاجة بحيث لا يتوقف مخطط التخريب للداخل المحيط بالوطن المحتلّ، وأيضاً لاستكمال مخطط تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ وتسعير الحرب المذهبية التي تبنّتها قمة الرياض على قاعدة استبدال العدو الحقيقي وإدخاله الوسط المشرقي من الباب العريض حليفاً – في أضخم عملية نفاق وتزوير يسجلها تاريخ المنطقة.
قوات عسكرية تتحرك على أرضها، تقوم بواجبها في حماية شعبها وقتال تنظيم تصنّفه القوانين الدولية بأنه إرهابي، وتعلن الإدارة الأميركية محاربته، في ذات الوقت الذي توجه الضربات ليس لهذا التنظيم وإنما إلى القوات التي تلاحقه، ولمّا لم يتوقف الزحف المقدّس وتأكّد التصميم على تنفيذ المهمة، لجأت الطائرات الأميركية إلى توجيه إنذار يذكرنا بإنذار غورو: عليكم التوقف ولا تقتربوا من الحدود… ممنوع تواصل ولقاء القوات العراقية والسورية… مناشير تلقيها الحوامات على جانبي الحدود، الحوامات التي تحلق في سمائنا خرقاً للقوانين الدولية وبطريقة الاستباحة لأنّ أنظمة الدول المجاورة في الأردن والسعودية أباحت أجواءها لهؤلاء فاعتبروا أنفسهم أصحاب الحق في الأجواء والأرض وكأنّ قواتنا العسكرية تخترق حرمة أراض أميركية!
السلوك الأميركي وردود فعله وانخراطه في المواجهة أصالة وليس وكالة يعبّر عن حالة من الخيبة والقهر من التصميم السوري – العراقي على اللقاء والقضاء على أية إمكانية لبقاء جيوب بين ضفتي الحدود لمجموعات إرهابية أياً كان تصنيفها الأميركي أو الأعرابي، الخيبة بسبب سرعة الحسم السوري والحليف للموقف وقطع الطريق على مخطط وضع اليد على تلك الحدود ومنع التواصل وتوفير هامش أرضي لتواجد وحركة المسلحين بكلّ تصنيفاتهم طالما لا يشكلون خطراً على العدو الصهيوني، بالأحرى هم من يوفرون له غطاء مناسباً للتحرك ضمن الأرض المحتلة وتطبيق كلّ الإجراءات الضرورية واللازمة لتهويد الأرض وتصفية القضية دون اعتراض ودون منغصات بعد أن تمّ إشغال المعنيين في الدول الوطنية المجاورة بعمليات العدوان والتخريب من الداخل والخارج معاً، وأيضاً بوضعها تحت الحصار الاقتصادي والتقني واستنزاف مواردها وقدراتها بشكل واسع.
الرسائل الأميركية الساخنة فهمها العالم والتزم الصمت، كما تفهّم أيضاً ردّ الفعل السوري العراقي المشترك، وتصميم الطرفين على رفض هذه الرسائل والانصياع لها، ومتابعة العمليات للقضاء على داعش بعد أن لاحت بوادر هزيمته وتحقيق النصر المشترك، ويمكن متابعة البيانات الصادرة عن الطرفين ومجريات المعارك وسقوط الجيوب الإرهابية واحداً بعد الآخر بعد إحكام الطوق حولها ومن ثم إبادتها وفرار من يستطيع الى ذلك سبيلاً.
التصميم السوري العراقي أجبر الطرف الأميركي أو ما يسمّى التحالف على وقف خطته، والبقاء ضمن مناطق التحشد في الزرقاء أو الأزرق، وهو موقف ساهم في بلورته الموقفان الروسي والإيراني، الروسي بتوفير الغطاء الجوي للوحدات المتحركة، والإيراني بإعلانه عن جاهزية وحدات عديدة التحرك للمشاركة في المعركة، ومن الجانب العراقي إعلان قيادة الحشد الشعبي تصميمها الوصول والتلاقي مع الوحدات السورية والحليفة معها، وإنذارها بعدم السماح لأية قوات أميركية أو حليفة لها العمل على الأرض العراقية أو التواجد عليها والسماح فقط لقوات جوية تعمل على دعم الجيش العراقي، وأرى أنّ هذا السماح يوفر الفرصة للطيران الأميركي والحليف أن يهاجم الوحدات السورية ويضربها ملتزماً الصمت أو يعلن مواربة تحت الضغط أنّ العمليات تقع بالغلط.
النجاحات التي يحققها الجيشان السوري على امتداد البادية والتوجه نحو الرقة بعد تحرير كامل ريف حلب، وجنوباً الوصول إلى التنف والتوسع في بادية السويداء وتدمر، والعراقي الذي ينفذ الضربات الأخيرة لتحرير الموصل، والحشد الشعبي الذي وصل نقاط الحدود قرية أم جريص غرب الموصل ويتجه جنوباً نحو القائم، محوّلاً الحلم إلى حقيقة واقعة تزيد من خيبة المشاريع المعادية وتوفر فرصة النصر لشعب تحمّل الكثير من الآلام نتيجة عدوان كوني شامل، النصر الذي أصبح قاب قوسين أو أشهر قليلة، لنتفرّغ إلى إعادة إعمار الأنفس والحجارة والبنيان الاجتماعي.
ونقولها لشعبنا السوري… لا بدّ أننا ملاقون أعظم نصر لأعظم صبر في التاريخ.