من العيش إلى الحياة
سليمان بختي
كان ميخائيل نعيمة، الأديب الراحل، يحضّ على محبة البلاد. ففي خُطبة ألقاها في بيروت عام 1932 قال: «أحبوا بلادكم لا بشفاهكم، بل بقلوبكم. بلادكم بلاد وحي وجمال، فليكن ما تقدّمونه لأخوانكم الناس حبّاً وجمالاً. وليكن علمكم علم نور، علم هداية، علم محبّة».
غابت المحبة الصافية في بلادنا فغدونا في ما نحن فيه وإليه صائرون. كيف يمكن أن يرتقي التعامل مع أوضاع وأحوال البلاد إلى مرتبة الالتزام الأخلاقي النقي؟ ربما فقد مجتمعنا مادة الإسمنت التي تمكّن البناء وتشدّ أواصره. ربما فقدت السياسة مهمتها النبيلة وهي شرف صناعة المصير الإنساني.
كيف نستردّ الأمل بالغد أنه سيكون أحسن من اليوم والحاضر هو أحسن من الأمس.
يلاحظ الصحافي روبرت فيسك أنّ بيوت الناس في لبنان والعالم العربي نظيفة، عكس الشوارع والمدن. وعزا ذلك إلى أن الناس يملكون بيوتهم، ولكنهم لا يملكون أوطانهم.
لا بدّ إذن من الخروج من العيش إلى الحياة، من الضرورة إلى الحرية، من المصلحة إلى المبدأ، من الطقوس إلى القيم، من الفراغ إلى الذاكرة الجماعية المشتركة. من الصفقة الشخصية أو الطائفية إلى المشروع الوطني القومي. من حصصنا في البلاد إلى مجد البلاد وسؤدد البلاد. وحده أنطون سعاده بين المفكّرين والسياسيين في القرن العشرين في هذه البلاد حاول أن يجعل من الأخلاق والمناقب والمبادئ والقيم سياسة. ولعلّه أيضاً رفع من شأن الجهد والنضال النزيه والمتجرّد لأجل تحقيق الأهداف مستخدماً كلمة «النهضة»، وما أحوجنا اليوم في كل مجال إلى «النهضة».
كاتب وناشر