«الأقصى» في عامها 14 تواجه حصار السلطة والاحتلال

رام الله ــ تغريد سعادة

أكملت كتائب شهداء الأقصى، التابعة لحركة «فتح»، عامها الرابع عشر، وعلى رغم الحصار الذي تتعرض له، والذي فرضه عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خصوصاً في الضفة الغربية، إلا أنها استطاعت أن تؤكد حضورها وتنفّذ عمليات في مقاومة الاحتلال. فقد شاركت في التصدي للعدوان «الإسرائيلي» على غزة، وبادرت إلى تنفيذ عمليات نوعية في مواجهته. وهي تعتبر المقاومة خيارها لتحرير فلسطين، وهو ما آمنت به حركة «فتح» منذ نشأتها قبل أكثر من خمسة عقود. ووفقاً لقيادات الكتائب، لن يكون سلاحها موجهاً إلا للاحتلال، مهما توسعت حدة خلافاتها مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية.

ترى كتائب «شهداء الأقصى» نفسها حامية إرث حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» التي أطلقت الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية، وقد أقسمت أنها لن تترك السلاح، حتى دحر الاحتلال. وإذ تعتبر نفسها الجناح العسكري التابع لحركة «فتح»، وباقية في مواجهة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ انطلاقتها في انتفاضة الأقصى في 28 أيلول عام 2000، فإنها تسعى دائماً إلى إعادة بناء نفسها، وإثبات حضورها، على رغم أن قياداتها الأساسية اعتقلها الاحتلال أو اغتيلت أو استشهدت.

وعلى رغم صدور قرار تفكيكها عام 2008، بمرسوم من عباس، إلا أن بعض ألويتها حافظت على البقاء ورفضت القرار. وتواجه كتائب شهداء الأقصى تحديّاً مع الاحتلال والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، على غير حالها في قطاع غزة، حيث تمتعت بهامش أكبر من التسليح والتدريب.

النظام الداخلي لكتائب شهداء الأقصى هو ذاته برنامج «فتح» الذي وضعه مؤسسو الحركة في الستينات. وكما تعلن في موقعها الإلكتروني، فإنها تعتبر خيار الكفاح المسلح والمقاومة الوحيد، وأن «الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيكاً، والثورة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني عامل حاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني، ولن يتوقف هذا الكفاح إلا بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين».

وتعتبر كتائب شهداء الأقصى أكثر تنظيماً وعتاداً في قطاع غزة، عما هو حالها في الضفة الغربية، بسبب التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لتنفيذ ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو، ما ضيق الخناق عليها، وبسبب قرار حل الأجنحة العسكرية في الضفة الغربية عام 2008، واعتبر أن حملة السلاح مطلوبين لدى السلطة. وقد واجهت قياداتها وعناصرها ملاحقة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.

دفعت كتائب شهداء الأقصى الثمن الأكبر لقرار عباس بحل التشكيلات المسلحة في الضفة الغربية.

عناصر الكتائب موجودة في كل مدن الضفة الغربية، مجموعات متفرقة ولا قيادة مركزية لها، على عكس باقي تشكيلات المجموعات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كالتي تتبع حركتي المقاومة الإسلامية «حماس» والجهاد الإسلامي وللجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وذلك بسبب قرار عباس حل الكتائب وكل التشكيلات المسلحة في الضفة الغربية، عقب تسلّمه رئاسة السلطة، ولقناعته بالمفاوضات خياراً وحيداً، فدفعت كتائب شهداء الأقصى الثمن الأكبر، لأن عباس يترأس الحركة. هذا ما يقوله قيادي سابق لكتائب الأقصى في رام الله، لكنه يضيف: «على رغم كل هذا الحصار، فإنها لا تزال حاضرة».

ولا ينفي أن ثمة أسلحة في حوزة كتائب الأقصى في الضفة الغربية، لكنها غير ثقيلة، بسبب الظروف التي تعيشها في ظل قيادة السلطة الفلسطينية». ويلفت إلى أن كوادرها في الضفة الغربية لا تتلقى التدريبات اللازمة، مثلما كان عليه الوضع أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات.

وبحسب القيادي نفسه، فإن مجموعات كتائب شهداء الأقصى تعمل وحدها، بشكل فردي في كل مدينة أو مخيم، ولا قيادة مركزية تعمل في ظلها، أو حتى تمولها، «إنهم يعملون بطريقتهم وبإمكاناتهم». ولفت إلى أن قرار حل كتائب الأقصى، وانخراط كثيرين من قياداتها في أجهزة أمن السلطة، وفقاً لقرار العفو الذي وقعوه مع سلطات الاحتلال عام 2008 في مقابل عدم اعتقالهم كان له أثر سلبي كبير أضعف حضورها.

ويقول القيادي الفتحاوي: «يبدو أن خيار القيادة الرسمية لحركة «فتح» أن السلام هو الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني مهّد الطريق للأجهزة الأمنية للتعاون مع الجنرال الأميركي كيث دايتون، وتنفيذ تعليماته آنذاك، بخصوص التخلص من كل ما يتعلق بالعمل العسكري في الضفة الغربية، ولذا تمت محاولة تذويب كتائب الأقصى بدمج عناصرها في الأجهزة الأمنية، من دون إعطائهم أي دور تنفيذي، فكانت كل علاقاتهم مع الأجهزة فقط قبض الرواتب».

وتؤمن عناصر كتائب شهداء الأقصى بأدبيات حركة «فتح»، ووفقاً لبرنامجها الأساسي، تعترف بالسلطة الوطنية الفلسطينية وقائدها، خصوصاً أنه من حركة «فتح». لكن، هذا لم يمنع مجموعات من انتقاده، في بعض الحالات، وإصدار بيانات شجب، كما حدث في مناطق مدن الشمال في الضفة الغربية بصدور بيانات ضد عباس، بسبب موقفه في بداية العدوان «الإسرائيلي» على غزة. وفي أثنائه، أعلنت الكتائب النفير العام في الضفة الغربية، وطالبت بمواجهة الاحتلال بكل السبل المتاحة. وكانت قد نفذت عمليات في الضفة الغربية، كان منها محاولة تفجير منصة للقبة الحديدية «الإسرائيلية» في مطار قلنديا شمال القدس المحتلة، في 22 حزيران الماضي، إضافة إلى إطلاق النار على حواجز في رام الله ونابلس.

وتتمركز عناصر كتائب شهداء الأقصى في المخيمات، حيث يتاح تسليح عناصرها. وفي رام الله، يعتبر مخيما قلنديا والأمعري من أكثر المخيمات صداماً مع أجهزة أمن السلطة، فضلاً عن مخيمي بلاطة وجنين.

ويقول قائد سابق وقع على القرار «الإسرائيلي» تسليم السلاح من مخيم جنين: «إن تسليح الكتائب لم يتوقف وإنها مستمرة، وتحافظ على وجودها على الرغم من كل الصعاب. ويضيف: «توجهنا الوطني لا يتعارض مع المبادئ الأساسية لحركة فتح، ونحن جزء من الجسد التنظيمي للحركة، ونعمل وفق برنامجها، ونأتمر ونطبق القرارات التنظيمية الصادرة عن اللجنة المركزية للحركة، ممثلة في الرئيس محمود عباس، كونها الإطار التنظيمي الأعلى في الحركة وكونها منتخبة». ويذكر أن كتائب الأقصى مصنفة كمجموعة إرهابية لدى دول وضعتها على قائمة الإرهاب، مثل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان.

المؤسسون

يعدّ مروان البرغوثي المسؤول المباشر عن كتائب الأقصى، أما ناصر عويس، فهو القائد العام للكتائب في فلسطين.

يعدّ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والمعتقل في سجون الاحتلال منذ 2004 مروان البرغوثي، المسؤول المباشر عن كتائب الأقصى. وفي حينها، كان يشغل موقع رئيس اللجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة الغربية. حكمت المحكمة المركزية للاحتلال عليه بخمسة مؤبدات و40 عاماً، بسبب موقعه، ولتابعية كتائب شهداء الأقصى لفتح، ولأن أي عمل عسكري قامت به يتحمل مسؤوليته.

أما ناصر عويس، فهو القائد العام للكتائب في فلسطين. اعتقلته سلطات الاحتلال في عام 2002 من مخيم بلاطة شرق نابلس. كان المطلوب الأول لقوات الاحتلال إلى حين اعتقاله. واتهمته المحاكم «الإسرائيلية» بقيادة كتائب شهداء الأقصى وتأسيسها، وتخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية، أوقعت عشرات القتلى والجرحى «الإسرائيليين».

وفي غزة، يعتبر نضال حسين العامودي، مؤسس كتائب الأقصى في القطاع، وهو من مخيم الشاطئ. زرع عبوة كبيرة على طريق نتساريم في 14/3/2002 ليفجر ويحطم دبابة المركافا، وليقتل كل من فيها. وكانت الضربة القاسمة لسلاح دبابات الاحتلال ونسف أسطورة هذه الدبابة. استشهد في 13/1/2008، وشُكل لواء لكتائب الاقصى يحمل اسمه في قطاع غزة، لعب دوراً بارزاً في التصدي للعدوان على غزة أخيراً.

أما ثابت أحمد ثابت، فهو مؤسس كتائب الأقصى في الضفة. درس الطب ويتحدر من قرية رامين شرق طولكرم. من مؤسسي تنظيم فتح في محافظة طولكرم، وتتلمذت على يديه كوادر كثيرة. اغتالته قوات خاصة إسرائيلية بالرصاص في 31/12/ 2000، عندما حاول مغادرة منزله بعد سماعه دوي طائرة تحلق فوق منزله.

أسرى واستشهاديات

ولكتائب الأقصى عشرات الأسرى في سجون الاحتلال، منهم المؤسسون. وإلى جانب عويس والبرغوثي، اعتقلت القوات «الإسرائيلية» قائد الكتائب في الخليل، ياسر أبو تركي. كما أن عشرات الأسيرات ينتمين إلى حركة فتح اعتقلن بسبب الانتماء إلى كتائب شهداء الأقصى، منهن آمنة منى التي أفرج عنها في صفقة التبادل مع الجندي جلعاد شاليط، وأبعدت إلى تركيا.

وتميزت كتائب شهداء الأقصى بدور فاعل للعنصر النسائي الذي نشط في الانتفاضة، فقد نفذت منتسبات عمليات استشهادية، منهن: وفاء إدريس والتي نفذت عملية في القدس، عندما فجرت نفسها في تجمع في مطعم 27/01/2002 لتقتل جنديّاً «إسرائيليّاً» وتصيب 140 آخرين بجروح. أما نورا جمال أبو شلهوب، فنفذت عملية حاجز الطيبة العسكري في 25/02/2002، في حين نفذت دارين أبو عيشة هجوماً استشهاديّاً استهدف حاجزاً عسكريّاً «إسرائيليّاً» قرب رام الله في 27/02/2002.

أما آيات محمد الأخرس، فجرت نفسها في مركز تجاري في القدس في 29/03/2002 فقُتل «إسرائيليان» وأصيب 31. وعندليب طقاطقة، نفذت هجوماً استشهاديّاً في القدس في 12/04/2002.

لا رعاية مركزية في غزة

في ظل انعدام دعمها من القيادة المركزية في رام الله، فإن كتائب شهداء الأقصى في غزة، مثل أخواتها في ألويتها في الضفة الغربية، لا تحظى برعاية مركزية، إلّا أن عملها ضمن منطقة جغرافية مثل غزة، عزز مركزية عملها والتنسيق بينها. ويقول قيادي في المجلس الثوري لحركة «فتح»، إن الكتائب في غزة مستاءة من أداء القيادة، وأوضح أن استياءً كبيراً تنقله قيادات الكتائب في ظل عدم وجود قيادة مركزية تدعمهم وتقودهم، وفي ظل أداء قيادة فتح في رام الله، الذي لا يتماشى مع منهجية المقاومة.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أصدرت كتائب شهداء الأقصى بياناً عسكريّاً، أوضح عملياتها في تصديها للعدوان «الإسرائيلي» وشملت: إطلاق 80 قذيفة صاروخية تجاه المستوطنات، منها 35 صاروخاً من نوع 107 و23 صاروخاً من نوع غراد و12 صاروخاً من نوع أقصى 103 المطور و10 قذائف هاون عيار 120. وأكدت في بيانها، استمرارها في الكفاح المسلح ضد العدو «الاسرائيلي» الذي لا يفهم سوى لغة الدم. وأكدت أنها تقف يداً بيد مع رجال المقاومة ضد الاحتلال المجرم. وأعربت عن امتعاضها من عدم نشر الوسائل الإعلامية لعملياتهم العسكرية، ووجه البيان نقداً لتلفزيون حركة «فتح» لعدم عرضه نشاطاتها وفعالياتها. وأعلنت أن من أبنائها وكوادرها من سقطوا شهداء وأصيبوا في التصدي للعدوان على غزة، وجرى اغتيال الكادرين منها، مازن الحربا ومروان اسليم.

وأعلن قياديون في كتائب الأقصى مواصلتها تصنيع صواريخ حتى في أوقات الحرب في أماكن لم تستطع قوات الاحتلال استهدافها، وأن امتلاك الكتائب كماً كبيراً من الأسلحة فاجأ كثيرين لم يكونوا يتوقعون ذلك.

والألوية العاملة في غزة لكتائب شهداء الأقصى، وفقاً لبيانات صدرت من غزة هي لواء غزة، مجموعات الشهيد أيمن جودة، لواء الشهيد نضال العامودي، جيش العاصفة، وحدات الاستشهادي نبيل مسعود. وهناك كتائب الشهيد، عبد القادر الحسيني، والتي انشقت عن كتائب الأقصى.

محاولة أسر جندي «إسرائيلي»

وروت كتائب شهداء الأقصى على لسان أبو عياد، من لواء الشهيد نضال العامودي، أن مقاتلين في الكتائب حاولوا أسر جندي «إسرائيلي» بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مدرسة بيت حانون، منتصف شهر آب الماضي. وقال: «توقعنا أن تأتي قوات الاحتلال إلى مبنى في ساعات الليل، لأنها تنسحب في النهار، وبالفعل وضعنا خطة لمشاغلتها وإطلاق النار على المجموعة التي تعتلي المبنى، على أن يتسلل أفراد مجموعة أُخرى إلى المبنى لاختطاف الجنود». ويضيف: «تمكن المقاتلون من إطلاق النار على أفراد المجموعة، بعد أن نجح أفراد خلية التسلل في الاقتراب من مدخل المبنى الذي كان فيه اثنان من أفراد جيش الاحتلال، وإطلاق النار عليهما، فقتل أحدهما فوراً، وأصيب آخر بجروح خطيرة، وتقدم مقاتلو كتائب الأقصى منه، وانتزعوا منه كل ما يمكن أن يشير إلى هويته، وهرب بها أحد أفراد الخلية، تاركاً مهمة نقل الجندي الى أفراد المجموعة وهما اثنان، وما إن ابتعد المقاتل من المكان، حتى استهدفت المبنى قوات الاحتلال، ودمرته على من فيه، ليرتقي المقاتلان شهيدين، وتفشل عملية الخطف التي كادت تنجح.

بعد العدوان

التزمت كتائب شهداء الأقصى بمطالب المقاومة خلال العدوان على غزة

التزمت كتائب شهداء الأقصى مطالب المقاومة، وأصدرت بياناً خلال المفاوضات التي جرت في القاهرة، لوقف إطلاق النار برعاية مصرية، جاء فيه «لن يرى «الإسرائيلي» وقفاً للنار، قبل أن نرى الطائرات تقلع وتعود إلى مطار غزة، والسفن ترسو وتغادر ميناء غزة، ومن حق شعبنا التواصل بين جناحي فلسطين، الضفة والقطاع». وأضاف: «من حق شعبنا استغلال ثروته البحرية، بجميع أشكالها، بما في ذلك ثروته الطبيعية، كالنفط والغاز الموجود في بحر غزة. فالاحتلال واستخباراته يسعيان إلى حرف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة لجهة، تنظيم شؤون الاحتلال، وتحسين شروطه للهيمنة على قطاع غزة».

وهاجمت كتائب الأقصى ما سمّتهم «الذين نأوا بأنفسهم عن الكفاح المسلح». وقالت إن «الذين يحملون مصطلحات عجيبة أين هم من الشعب الفلسطيني، ومن الثورة ما داموا قد تخلوا عنها؟ أما رجال المقاومة في معركة غزة فقد وحدوا الشعب تحت لهيب النار؟».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى