حزب الله أبعد من «الهيمنة» و«الشاهد الملك» وليد جنبلاط
روزانا رمّال
شكّل وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية لحظة مفصلية في تعاطي الغرب مع الملف اللبناني باستثنائية الفصل بينه وبين الأزمة السورية ونتائجها للمرة الأولى شرق اوسطياً منذ العام 2011، حيث لم تتوضح التموضعات النهائية في كل الملفات والدول التي تأثرت بما عرف بثورات الربيع العربي، التي تنتظر جميعاً فك الاشتباك الأميركي الروسي التاريخي.
خلفيات هذا الحسم أو «الفصل» ارتبطت بديهياً بعامل قوة استطاع أخذ لبنان نحو هذه الفسحة من الاستقلال الاستثنائي أو الظرفي عن باقي الملفات الإقليمية وحجز له مساحة من الوسطية تمكّنت من تحييده عن نيران الخارج وهو عامل «نفوذ» حزب الله التي أسماها خصومه سلطة «الوصاية» الجديدة التي ستحلّ مكان الوصاية السورية في الزمن الآتي. وعلى هذا الأساس وصل مرشح حزب الله الى سدة الرئاسة وهو العماد ميشال عون.
الصحافة الأميركية التي كانت تتابع الانتخابات الرئاسية اللبنانية من منظار القوة الجديدة تلك وصفت المرحلة قبل انتخاب عون بأيام على ما جاء بمجلة «بيزنس انسايدر» بـ«انقلاب إيراني ناعم في لبنان». وهو الامر الذي يُراد منه تكريس سلطة حزب الله في أذهان اللبنانيين كنظام وصاية جديد باعتبار عون حليف إيران وحزب الله أيضاً.
الحديث عن قانون الانتخاب في لبنان ومقارنة الخلافات التي جرت وبعضها الحساس جداً والاستراتيجي بأبعاده لبنانياً يأخذ نحو السؤال نحو الوصاية المزعومة تلك وجدواها، ما إذا كانت غير قادرة على ادارة الامور كما هو مفترض بأحادية تحسم الجدالات وتبعد لبنان عن الهاوية. تلك الهاوية التي كاد يصل إليها لولا إفطار قصر بعبدا الرمضاني أمس الاول. وهي الهاوية التي حذر منها امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله نفسه.
الخلاف الواضح في الاشهر الماضية مع التيار الوطني الحر والقوانين المقترحة من قبل الأخير تُضاف اليها اصطفافات جديدة وتحالفات قد لا تصبّ في خانة المصلحة المباشرة لحزب الله مع الثنائية التي يشكلها وحركة أمل مثل تحالف تيار المستقبل والتيار الوطني الحر «المستجدّ» والذي انسحب خلافات بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل حليفة حزب الله، وصولاً الى اصطفاف مسيحي مسيحي شكّلته القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر حول قانون الانتخاب وصل للتلويح بالنزول إلى الشارع بوجه حزب الله، كما صنفتها الجماهير المؤيدة له والخصمة بتعاطيها مع فكرة الشارع، كل هذا يأخذ نحو السؤال عن تلك الوصاية وعمل حزب الله في اللحظات الأخيرة للتوصّل الى اتفاق قبل فوات الأوان .
الواضح أن انتصار حزب الله في الميدان السوري والذي جيّره انتصاراً واضحاً في النجاح بفرض مرشحه الرئاسي «عون» الذي رفض لمدة سنتين بفيتو سعودي ما لبث أن رُفع عنه بعدما قبل الحزب بصفقة إعادة الحريري رئيساً للحكومة مقابل عون رئيساً للجمهورية، لا يريد أن يستغله محلياً في ما يتعلق بفرض مواقفه كقوة أمر واقع عبر تقييد حركة الأفرقاء جميعاً وفرض خيارات صعبة. وهو الأمر الذي تكشفه المشاكل التي تعرّض لها مع أقرب الحلفاء او الحساسيات التي خرجت إلى العلن مع التيار الوطني الحر بقرار نزوله للشارع من دون أن يصدر عن حزب الله اي موقف على الإطلاق.
هذه الأحداث تؤكد تعاطي حزب الله الذي يشكل القوة المسلحة الأكبر محلياً، ومن أبرز القوى العسكرية ميدانياً وأفعلها في تغيير مجريات الأحداث شرق أوسطياً منذ سنوات حتى اليوم، هو الأكثر ليونة وهدوءاً وحرصاً في ما يتعلق بملفات الداخل والأكثر قدرة على الكشف عن فنون استخدام القوة الناعمة وتجيير انتصارات الخارج لحسابات وطنية جامعة من دون أن يبدو حزب الله المسيطر على المشهد، بل باتت تساؤلات الصحافة اليوم والمتابعين عن غيابه أكبر بكثير من أن ينتقد لتكثيف حضوره والإمعان في إصدار مواقف يتمسك فيها بقانون ما من دون سواه.
حزب الله، وحسب مصادر «البناء» كان منذ اللحظة الأولى الأكثر استعداداً لخوض الخيارات كافة التي يتفق عليها اللبنانيون حتى «أسوأها» في ما لو كانت ستشكل خياراً جامعاً وهو غير معني بالتمسك بقانون لا يحظى بإجماع وطني. والمعروف أن حزب الله تمسّك بالنسبية الشاملة أو الكاملة والاتفاق الحالي هو النسبي مع التفضيلي بدوائر 15 ولا مانع فيما لو كان القانون المتفق عليه «مختلطاً» وحتى أكثرياً عند الحزب إذا كانت ذلك رغبة الأفرقاء كلهم.
يقول نائب امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم امس، إن «الحزب يساهم على طريقته بإنجاح الوصول إلى قانون انتخاب جديد من دون ضوضاء، ومن دون أن يكون في الواجهة وأيضاً من دون أن يعرض عنتريات القوانين» .
ابتعاد حزب الله عن الواجهة والليونة غير المسبوقة وطول المهل الممنوحة والانتظارات الطويلة وتخطّي وابل الاتهامات والانتقادات تدحض مفاهيم الهيمنة الإيرانية على لبنان عبر حزب الله التي برزت عشية فوز عون بالرئاسة والذين عملوا في إنتاج مقترحات وصيغ مشاريع قوانين انتخاب هم أكثر العارفين بـ«زهد» حزب الله في ما كان يتعلق ببحث المقاعد والحصص ساعات وساعات وأولويته في حفظ حقوق الأقليات قبل أي شيء. والشاهد الملك «رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط» خصم سورية حليفة حزب الله وصاحب مقولة أصحاب «سلاح الغدر» ومؤيّد نشاط المحكمة الدولية بوجه الحزب.