كلمة!
سامر منصور
حشودٌ من الشعراء تتدفّق نحو المنابر: بردى، الجوري، النيل، الياسمين، الليمون، الزيتون… ومرادفاتٌ وتفعيلاتٌ مختلفة. فذاك يقول في قصيدتهِ عزّة، وآخر يقول في قصيدتهِ إباء. شاعرٌ يقول اعترش الياسمينُ جدران قلبي، وآخر يقول افترش الياسمين أجفان روحي… لا فريد… لا جديد… يقولون لنا ما نعرفه مسبقاً. أليس هناك مفردات مشهدية مرتبطة بالحالة الإنسانية أجدى بأن تتكرر من تلك الكلمات؟
نحن نعلم أن الوطن أبيّ وغالٍ وعزيز، وأنّ الياسمين منتشرٌ في دمشق، وأنّ الزيتون منتشرٌ في فلسطين… إلى آخره. ولا يكفي أن يكرّر الشاعر كلمات: وطن، ياسمين، أو ليمون، عدّة مرات كي تصبح قصيدته عظيمة، بل يجب أن يشتغل على قصيدته، وألّا يستسهل أثناء نسجها عندما يتحدّث عن الوطن. فالوطن سامٍ وثمين، ويجب أن نتناوله بأدبٍ وفنٍّ عظيمين. لا أن نقرأ شعر غزلٍ للنساء لشاعرٍ ما، فنجده أجاد، وعندما نقرأ شعراً عن الوطن للشاعر ذاته، نجدهُ استسهل فلم يُشخّص، ولم يُعالِج، ولم يُفنّد، بل ذهب إلى العام والمشترك، أي إلى ما يريد الناس سماعه، بُغية منحهِ التصفيق.
نحن نقدّر النصوص الوجدانية، لكن أن تمضي سنواتٌ طويلة على أوطان العرب، وتكون قصائد اليوم تشبه قصائد العام الأول من الأحداث من حيث أنها تمجيدية، غنائية، عاطفية لا أكثر ولا أقلّ… فهذا تقصيرٌ بحقّ الأوطان والإنسان.
وإذا تساءلنا، لماذا كان أفلاطون يوصي بمنع الشعراء من دخول جمهوريته المدينة الفاضلة، على اعتبار أنهم خطرٌ على المجتمع؟
أظنّ أن الجواب في مقولة الأديب جبران خليل جبران: «فكرة أوجدت الأهرامات، وعاطفة هدمت طروادة».
الخيال سيفٌ ذو حدّين، فإما أن ينقلنا إلى واقعٍ أفضل أو أن يحملنا إلى المأساة. ولعلّ الأدب الهادف الذي يحمل رؤية واستشرافاً والمعني بالنقد الاجتماعي وبالتالي الارتقاء بالوعي الجمعي، هو ما تحتاجه الإنسانية اليوم حتى اكثر من العلم. فالعلم يسخّر اليوم أكثر ما يسخّر لصناعة وتطوير الأسلحة التي يريد الإنسان من خلالها أن يقتل أخاه الإنسان. فمصانع الأسلحة هي أكثر أشكال الصناعة التي يُنفق عليها الجنس البشري مالاً وجهداً من بين كافة ما دخل في مجال العلوم التطبيقية. وكما قال غاندي: «سبعة أمور تدمّر البشرية»، وذكر منها: «العلم بلا إنسانية».
ولذلك، نحن نؤكد في المبادرة الثقافية الوطنية «الوطن لنا» على أهمية الأدب الهادف، ونشر الوعي بين الأجيال الصاعدة، أن ليس كل شاعر أو كاتب هو شخص مهم. فهناك من لا ينتج سواء قصائد وجدانية ترفيهية، هناك من يخاطب بكتاباته الوجدان فقط ويدخل من الباب الضيق للأيديولوجيا السائدة في بلاده. وهناك الأدب الرسولي الذي ينشد كاتبه التأثير بهدف التغيير والتطوير.
كاتب فلسطيني/ سورية