حساب القانون وبواقي المشاورات..
هتاف دهام
لفت نظر أحد النواب إصرارُ البعض على استحضار النقاط الخلافية، حتى في الوقت الذي يدرك فيه هؤلاء أن الفرصة معدومة، لتحقيق مطالبهم الطائفية، إذ إن ما تعذّر تحقيقه إبان الاشتباك الانتخابي لن يكون متيسّراً تحقيقه بعد الاتفاق المبدئي على القانون العتيد. لهذا فإن صيغة النسبية مع 15 دائرة والصوت التفضيلي المقيد بالقضاء في طريقه إلى الإنضاج.
ما يجري من نقاش إنما هو نقاش تقني، ربما ينطوي على أبعاد سياسية يجري التكتم عليها. إن تحرير البحث من عتبة التأهيل والاكتفاء بالحاصل الانتخابي فقط، يعني أن خريطة التمثيل السياسي ستتسع حتى أمام المجموعات الصغيرة التي تمتلك حاصلاً انتخابياً لمقعد واحد أو حتى كسر انتخابي لمقعد واحد. الحاصل الانتخابي هو قسمة عدد المقترعين على عدد المقاعد. والمقترعون هم الذين أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع. أما الناخبون فهم الذين أدرجَت أسماؤهم على لوائح الشطب. فعلى سبيل المثال، لو كان عدد المقترعين 100 ألف وعدد المقاعد خمسة، فإن هذا يعني أن الحاصل الانتخابي هو 20 ألفاً للمقعد الواحد، بحيث إن كل لائحة تنال عشرين ألفاً من الأصوات تتمثل بمقعد واحد. وهكذا تبعاً لعدد الأصوات التي يمكن أن تحصلها. وفي حالات معينة يمكن للائحة تنال 16 ألف صوت أي ما يساوي 0.8 من الحاصل الانتخابي، أن تحوز على المقعد النيابي انطلاقاً من المقارنة بين أعلى الكسور من البقايا.
الاقتصار فقط على الحاصل الانتخابي يعني فتح أبواب المجلس النيابي أمام الجميع. أما اعتماد عتبة التأهيل الانتخابي فإنها تمنع حتى أولئك الذين يحوزون على حاصل انتخابي واحد بالتأهل لأنها تستدعي تركيزاً بالتمثيل النيابي أمام الكتل الكبيرة ومنع الكتل الصغيرة من الوصول بهدف تلافي حالة التشظي التي قد تصيب المجالس في الأنظمة الانتخابية النسبية. لكن فيما لو جنحت العتبة لتكون وطنية شاملة تتجاوز حدود الدائرة الانتخابية فإن الكتل القادرة على التمثل لن تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
مع الإشارة إلى أنه يمكن للحاصل الانتخابي أن يكون عتبة التمثيل إذا كان عدد المقترعين 10 آلاف وعدد المقاعد 10 وعتبة التمثيل 10 في المئة عندها يتوحّد الحاصل الانتخابي مع نصاب الإبعاد.
لا تقتصر المشاورات على عتبة نصاب الإبعاد والحاصل الانتخابي، إنما تتناول آلية احتساب الأصوات، فهل ستعتمد القاعدة الثلاثية وآلية أعلى الكسور؟ أم سيجري اعتماد قاعدة HONDH التي لا تكترث لأعلى البواقي إنما إلى آلية تميل إلى منح مقاعد الكسور إلى الكتل الكبيرة؟ كذلك الأمر في ما يتعلق بقاعدة استيفاء المقاعد، هل سترتكز القاعدة على القائمة الموحّدة أم على الاستيفاء الأفقي، بحسب الأصوات التفضيلية؟ أم ينجح وزير الخارجية جبران باسيل مجدداً بزجّ الاعتبار الطائفي في احتساب الصوت التفضيلي؟ فضلاً عن النقطة الأهم التي تتصل بتحديد موعد إجراء الانتخابات في تشرين الأول المقبل؟ أم في الربيع المقبل؟
هذه النقاط التقنية التباينية بأبعادها السياسية تعالجها لقاءات حركة أمل وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، بواسطة نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان، فيما يحيّد حزب الله نفسه عن هذا الحوار مسلماً زمام الأمور إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
في موازاة ذلك، فإن البنود الإصلاحية الكوتا النسائية، الإعلام والإعلان الانتخابيّيْن، الأوراق المضبوطة سلفاً، والبطاقة الممغنطة ليست على تلك الدرجة من التعقيد ويمكن للقوى أن تتجاوزها أو تتفاهم عليها من دون مشاكل.
يُملي هذا الواقع إنجاز هذه النقاط في غضون أيام قبل جلسة 12 حزيران، لكن يبدو أن هناك من يريد تشبيك الوضع، بطرحه في الكواليس ما يشبه الإعلان السياسي لأخذ توجهات عامة تجاه إقرار مجلس الشيوخ ورئاسته وصلاحياته وتثبيت المناصفة، بالتزامن مع إقرار النسبية مع 15 دائرة. لكن الثابت أن الرئيس بري، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ«البناء» لن يسير بتعديل الدستور لتثبيت المناصفة في مجلس النواب، لأن من شأن ذلك أن يطيح بتوازنات الطائف». وتجزم أن الرئيس سعد الحريري لن يسير بها فهي لا تناسبه على الإطلاق. وموقفه خلال اللقاء الثلاثي في قصر بعبدا لا يتعدّى اللعبة التكتيكية فهو يدرك أن رئيس المجلس لن يوافق عليها.
وعليه، فإن ما يجري اليوم هو عملية تضخيم التفاصيل تمهيداً لتحويلها إلى عائق استراتيجي وجعلها أكثر من ضوابط، وفق المصطلح العوني، بحسب ما أكد قطب سياسي بارز لـ»البناء». فهناك متضررون من تفاهم بعبدا عين التينة. على رأس هؤلاء رئيس الحكومة، حزب القوات وباسيل. فهذا المشهد تظهّر بلعبة المزايدة التي استفزت الرئيس بري لأول مرة خلال الساعات 24 الماضية وإن كان لا يزال محافظاً على سياسة التفاؤل.
يبقى أن حزب الله الراعي الاستراتيجي للتفاهم على قانون الانتخاب، يعتبر أن التفاصيل لن تستطيع أن تعيق التفاهمات. فهو لا يزال متفائلاً ومحافظاً على قوة الدفع لإنجاز القانون في الزمن المرصود.