اقتتال قطر والسعودية يذكّرنا بداحس والغبرا وفي سورية تحرّكت القوة التي ستغيّر التاريخ…

اياد موصللي

انفخت الدف وتفرّق العشاق..

قطعت العلاقات أقفلت الحدود وفتحت السدود وأغلقت السفارات.. وارتفعت رايات داحس وغبرا..

ولمن نسي نذّكره بأنّ سباق الخيل بين عشيرتي داحس وغبرا والذي انتهى بفوز مشبوه لداحس أدّى الى حرب بين القبيلتين استمرت مئة عام وأصبحت مثلاً في التاريخ..

واليوم فازت خيول السعودية على خيول قطر وبدأت الرماح تتطاير.. وبالنسبة لنا فشهاب الدين أسوأ من أخيه، وكما يقول المثل فخّار يكسر بعضه.. ونحن نعرف جيداً انّ الذئب لا يعضّ ذنبه..

ويصحّ هنا القول: «انّ اختلاف الدواب من حظ الركاب…»

فهؤلاء كانوا الثدي السخي الذي أرضع الوحوش التي هاجمت سورية على تنوّع أقطارهم، ومنهم كانت اليد التي رعت قوافل الإرهاب لتأتي برايات الكفر والغدر لتدمّر وتقتل وفق مخططات وضعتها «إسرائيل» وكانوا هم وكلاء التنفيذ.. في كلّ عرس من أعراس التآمر كان لقطر والخليج قرص، في ليبيا واليمن وسورية الشام والعراق. في بلادنا بذل الغالي والرخيص من أجل الهدم والتدمير.. قتل الألوف من أبناء شعبنا ودمّرت الآثار والحضارات والمعابد والقصور.. سخاؤهم بلا حدود، ولكن منذ نشأت المسألة الفلسطينية بكلّ تأسيسها لم يجتز واحد منهم الحدود ليدافع عن أرض قدسها الآباء والجدود وفتحوا خزائنهم لتدمير بلادنا اما بشرائها واما ببيعها.

كانت «إسرائيل» أقرب اليهم فتآمروا معها ضدّ سورية بكافة امتدادها الجغرافي، وحاربوا المقاومة في واقع التخطيط والتدبير فلم يوفروا بلداً او منطقة الا وساهموا في تغذية الحروب ضدّها..

خسئ الأعراب بأحلامهم ونواياهم التي تكشفت تدريجياً لتنبئ بما أضمروه من شرّ للقضية الفلسطينية. بدءاً من السعودية انتهاء بقطر وما حملته القاطرة من فئاة المشيخات والإمارات، فالأعراب الذين كان يهود يثرب يقودونهم مثل الأغنام هم اليوم يحاولون ان يعكسوا الصورة فيجعلوا أهل فلسطين بالنسبة لليهود كأعراب ذلك الوقت والزمان قبل ان تنقذهم الرسالة وسيف النبوة.

فالآخرون ليسوا بمختلفين عن قطر وسلوكها، وسبب هذا الابتعاد هو تغيير في استراتيجيتهم وتوجهات أصحاب الأمر والنهي وهؤلاء ينفذون ما امروا به.. فقطر أظهرت بعض الانحراف عن المخطط وتصرفت بانفراد فنالت العقاب.

عندما نتأمّل تصرفات ومواقف هؤلاء الأعراب بالنسبة لأمتنا او بالنسبة لتحالفاتهم واختلافاتهم نردّد من الشاعر نزار القباني الذي قال:

«يا من يصلي الفجر في حقل الألغام، لا تتنتظر من عرب اليوم سوى الكلام، لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام… سميتك الجنوب»، يا شجر الورد الذي يحترف الغناء يا ثورة الأرض التقت بثورة السماء يا جسداً يطلع من ترابه قمح وأنبياء اسمح لنا بأنّ نبوس السيف بين يديك.

يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب. يا ايها المهر الذي يصهل في برية الغضب، اياك ان تقرأ حرفاً من كتابات العرب، فحربهم إشاعة، وسيفهم خشب، وعشقهم خيانة، ووعدهم كذب.

اياك ان تسمع حرفاً من خطابات العرب فكلها فجور وقلة أدب وكلها أضغاث أحلام ووصلات طرب لا تستغيث بمأرب، او وائل، او تغلب، فليس في معاجم الاقوام قوم اسمهم عرب!

كما نذّكر بما قاله جبران خليل جبران: ويل لأمة تنصرف عن الدين الى المذهب، وعن الحقل الى الزقاق، وعن الحكمة الى المنطق.

ويل لأمة تكره الضيم في منامها وتخنع إليه في يقظتها.

ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا سارت وراء النعش ولا تفاخر إلا اذا وقفت في المقبرة ولا تتمرّد إلا وعنقها بين السيف والنطع.

ويل لأمة سياستها ثعلبة وفلسفتها شعوذة أما صناعتها ففي الترقيع.

ويل لأمة تقابل كلّ فاتح بالتطبيل والتَزمير ثم تشيعه بالفحيح والصفير لتقابل فاتحاً اخر بالتزميز والتطبيل.

ويل لأمة عاقلها أبكم وقويها أعمى ومحتالها ثرثار.

ويل لأمة كل قبيلة فيها أمة».

وتوضح معالم الاحداث التي نشهدها الآن على ارضنا في سورية وبقية الدول العربية النوايا الخبيثة التي يتنازع عليها وحولها القطريون وبقية الاعراب في السعودية والخليج وفق المنهج اليهودي ان معظم قادة كيانات هذه الامة ضالعون بغباء أو عمالة في تنفيذ هذا المخطط، ولعله قدرنا ان تكون الحجاز او السعودية ومثلها قطر مفتاح الاذى والنكبات لأمتنا منذ عهد أشراف مكة الى عهد حماة الحرمين.

ويقول انطون سعاده: «لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.

انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين اعظم من يلائنا باليهود الأجانب».

بعد 69 عاما على النكبة وعلى أجيال الشتات التي ولدت ونمت في المخيمات والمعاناة، ماذا أعددنا لها وماذا هيأنا لعودتها؟ هتافات تذكرنا بهتافاتنا قبل النكبة «فلسطين عربية وستبقى عربية». وها هي اليوم فلسطين يهودية وستبقى يهودية ان بقينا على ما نحن عليه وما دمنا على هذا الحال والوضع والله يستر من الأعظم «لانه لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بانفسهم».

ونسأل عن تاريخ العروبة الذي يتكرّر أمامنا اليوم، متى كنا دولة واحدة في تاريخنا كله؟ اذا ما استثنيـا فترة الخلافة الأولى.

ايّ وحدة كانت لنا؟ أفي داحس والغبرا ام في صفّين او الجمل. ام عندما تنازعنا هاشميين وأمويين، سلاجقة، ومماليك، ام في زمن الملك الظاهر بيبرس، او كافور الاخشيدي، ام في زمن السلطان سليم أو عبد الحميد، ام قبل ذلك عندما كان الحكم فارسياً مُتسترا بوجه المأمون، وابو العباس، ام في زمن الارناووط ومحمد علي باشا وسلالته بتاريخها المعروف.

كنا مشرذمين مقسّمين ولا زلنا، متى كانت لنا وحدتنا؟ فتاريخ سورية غير تاريخ وحاضرها غير ما يرسمون..

معاهدة سايكس بيكو لم تقسّم صحيحا، بل صحّحت المقسوم، ونظمت قسمته في خطة مبرمجة تمهيداً لتحقيق وعد «بلفور» واقامة «الوطن القومي لليهود»، أعطت المعاهدة حق الانتداب لفرنسا، على سورية ولبنان وأقامت ملكية في العراق وإمارة في الاردن تحكم الدولتين أسرة واحدة… وابقت فلسطين تحت الحكم البريطاني المباشر يهيّئ الارض ويمهّد لسيطرة اليهود بشراء العقارات واستملاكها وإقامة المزارع الحديثة التي تحوّلت في ما بعد الى مستعمرات… وعند حلول الموعد المحدّد كان كلّ شيء معداً ومحضراً… فتحقق وعد «بلفور»… ولا نزال نتحدث عن الوحدة العربية فيما الحوثيون يتقاتلون مع اخوانهم من الأطراف الأخرى في اليمن، والبوليساريو مع المغاربة، والسودان يقسّم وترتفع فيه راية «إسرائيل»، ونار الفتنة يوقد حطبها في مصر، ولم تطفأ نارها تماماً في لبنان، وانّ الخطر آت والمدّ مستمرّ والمؤامرات والأطماع بازدياد…

انّ العودة الى ما يؤمن به اليهود وما يعيشون لتحقيقه باعتباره حقاً إلهيّاً نصّت عليه تعاليمهم الدينية يرسم أمامنا صورة المستقبل، ولعبة الأمم مسرحها العالم العربي كله، والمحاولات دؤوب لقلع شوكة الممانعة والصمود في سورية بدعم ومساندة عربية وإقليمية إسلامية…

الخلاف الخليجي القطري ليس من أجل موقف عربي شريف، الخلاف هو تكرار للموقف من إيران العدو الذي استبدلوا «إسرائيل» به.

ليس الخلاف القطري الخليجي نتيجة صحوة ويقظة ضمير، انه نتيجة صفعة تلقاها الجميع من الموقف الشجاع الحازم على الساحتين الشامية والعراقية والذي جسد قول سعاده: «انّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ، وهذه القوة بدأت فعلها… وسنهتف ما أشد اعتزازنا بكم وما أروع النصر الذي تسيرون اليه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى