مهرجان «الكورة أحلى» احتفالية بمواسم الحق والخير والجمال إطلاق للطاقات وزرع الفرح في مواجهة التيئيس والإرهاب

زهرة حمود

هي الكورة الخضراء، أرض الرزق والخير والعلم والعز، أرض الشجرة المباركة، الزيتونة المعمّرة المتشبّثة بالحياة تشبّث أبناء الكورة بأرضهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم.

هي الكورة تليق لها وبها الاحتفالات، فهي المتواضعة تواضع أشجارها المعطاءة، الشامخة بشموخ ما يسيّجها من جبال لبنان، تنبسط بسكينة وهدوء من القمم العالية إلى رمال الشاطئ، ترحّب بالزائر، وتواجه الغازي بحمية الفرسان، تعجّ أرضها بالخير الوفير، ويمتلئ أهلها بالعلم والوعي والثقافة.

مهرجان زيتونها السنوي، أوقفته سنوات الحرب العجاف، وحاول ممزقو الأرض تعويدها على مهرجانات تأخذ طابعهم التشتيتي، لكن أبناء الكورة، هم من طينة الحزب الجامع التوحيدي، وقد تعانقت زيتوناتها مع التحية لسورية، كلّ سورية، وصمّمت الكورة على البقاء في موقعها، لذا أصرّت على استعادة زمن العز، فشهدت مهرجان «الكورة أحلى» LIFE.KOURA على أرض شير مار يوحنا في بلدة أميون عاصمة المنطقة ومنارتها.

ردّد الفضاء الرحب صوت النقر على الطبل، ووقع خطى من عقدوا حلقات الدبكة تأكيداً على أنّ الحياة لا تليق إلا بأبناء الحياة، ومن معرض الزيتون، والزيت والصابون، إلى معارض المونة البيتية على اختلاف أنواعها، والتي تعبق برائحة الأرض المعطاءة، إلى معرض الكتب والشتول.

يأتي معرض «الكورة أحلى» ليؤكد على تبادل الحب والعشق بين الأرض وأبنائها.

المهرجان أقيم برعاية اتحاد بلديات الكورة، وحضر الافتتاح عميدة شؤون البيئة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ميسون قربان، منفذ عام الكورة د. باخوس وهبة وأعضاء هيئة المنفذية، رئيس اتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم، رئيس بلدية أميون غسان كرم، رئيسة مجلس إنماء الكورة عائشة طيسون وأعضاء المجلس، مديرة مدرسة القديسة تيريزا الأم تيريز صقر، رؤساء بلديات وجمعيات وأندية، مختارو البلدة، ومرشدات التربية الوطنية، وحشد من القوميين وأبناء المنطقة والجوار.

رئيس اتحاد بلديات الكورة

وفي كلمته أكد رئيس اتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم أنّ هذا المهرجان هو الأول من نوعه من حيث تسميته بالكورة، ليجمع كلّ أبناء المنطقة. ولم يحمل اسم بلدة بعينها، بعد أن كان مهرجان الزيتون يجمعها في احتفال واحد، ونتمنّى أن يُعاد إحياء ذلك التقليد السنوي، مؤكداً أهمية جمع أهل الكورة بكلّ أطيافهم.

رئيس بلدية أميون

أما رئيس بلدية أميون غسان كرم، فرأى أنّ كلّ من يراهن على التعتيم على الكورة وتشويهها، نقول له إنها ستبقى ساحة للمهرجانات. ولمَن يراهن ويعمل على عرقلة المهرجانات في أميون أو إلغائها، نقول إنه يراهن في المكان الخطأ. وأكد كرم أنّ الكورة ستبقى متنفّساً للفرح، ولكلّ الناس بحلتها البهية التي يعرفها الجميع.

عروض المهرجان

انطلاقة المهرجان بدأت بعرض فني رائع وبالزفة والرقص والدبكة، وتفاعل الحضور الحماسي، فتراقصت مع أنغام الموسيقى، أفراح أميون التي ما اعتادت إلا تجمّعات الفرح ساحاتها، وتألق العرس التراثي. كما شهد معرض الكتاب حشداً من الزوار، وكان للمنتجات البلدية والحرفيات والأشغال اليدوية معرضها، كما أقيمت نشاطات ثقافية وترفيهية ورياضية وبيئية وقدمت عروض فنية وتراثية ومواهب كورانية، ترفل بالفرح، تغني للخلود، لتؤكد الكورة مرة جديدة رمزيتها وتميّزها وفرحها وإرادة الحياة لدى ابنائها، كزيتونها العتيق عتق السنين الممتدّة إلى ما قبل التاريخ الجليّ.

المشاركون في المهرجان رجالاً ونساء… شباباً وشابات.. أطفالاً وزهرات وأشبالاً كان لهم انطباعتاهم الايجابية، من خلال ملامح الفرح التي تسكنهم، وحين تبادر إلى سؤال أحدهم، يردّ بابتسامة ملؤها الفرح والعز، الوقت ليس للكلام، بل للفرح، فهذا يوم فرح مميّز ومهرجان استثنائي، وهذا كان لسان حال المشاركين.

جميعة كشافة النهضة

ولأنّ جميعة كشافة النهضة هي الجهة التي تولّت التنظيم وتوجيه الدعوات كان لا بدّ من لقاء عضو الجمعية نضال ضاهر، وهي من اللجنة المنظمة، فأكدت أنّ الجمعية أرادت من خلال مهرجان koura.life زرع الفرح والتشديد على إرادة الحياة، لافتة إلى أنّ مهرجان koura.life هو امتداد للمهرجانين السابقين shweir.life و makdessi.life اللذين حققا أهدافهما كما مهرجان الكورة اليوم. وقالت: من خلال المهرجان استطعنا جمع الطاقات الشبابية الكورانية بيوم تراثي كوراني شعاره «الكورة خضرا»، وقد أثبت المشاركون أنهم جديرون بتحمّل المسؤولية وبالتحدّي على رغم كلّ الظروف، وأنّ الكورة بعزم وإرادة أبنائها ستظلّ كورة العلم والثقاقة، كورة الحق والخير والجمال.

وأشارت ضاهر إلى أنّ المهرجان تزامن مع خير السماء الذي تمثل بهطول الأمطار الغزيرة، وعلى رغم ذلك اندفع الناس إلى المشاركة في فعاليات المهرجان التي تضمّنت معرضاً للكتاب وآخر للمونة، وعرض حرفيات ومأكولات شعبية، وألعاباً للأطفال ومواهب كورانية، إضافة إلى الفقرات الفنية والتراثية. وقالت: المهرجان نجح وترك أثراً طيباً لدى الجميع، ونحن نعتبر أنّ الفرح يجب أن يلازم حياتنا اليومية في مواجهة الظروف الصعبة التي تحيط بناء.

ولم تنسَ ضاهر أن تتوجه بالشكر إلى كلّ من ساهم في إنجاح المهرجان، من بلديات وجمعيات ونوادٍ ومتبرّعين، وكذلك تلفزيون o.t.v الذي ساهم في التعريف عن أهداف المهرجان وغايته من خلال مقابلة تلفزيونية مع أعضاء اللجنة التنظيمية، وتساءلت عن السبب من وراء غياب بعض وسائل الإعلام عن تغطية هذا الحدث الذي يضجّ بالفرح، وكأنّ الإعلام غير معنيّ بالفرح.

ناظر الإذاعة والإعلام

أما ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية الكورة الدكتور هنيبعل كرم، فتحدث عن الوحدة الاجتماعية، وأهمية العمل المشترك بين مختلف الشرائح، للحفاظ على بلدنا، لا سيما في هذه الظروف الصعبة. والدقيقة التي نواجه فيها أشرس حرب ضدّ أخطر أنواع الإرهاب. وكان معه لقاء سريع أكّد خلاله «أنّ ثقافتنا هي ثقافة الحياة، ولن يتمكن أحد من الضغط علينا لتكبيلنا، أو تجميدنا أو إقصائنا عن الحياة، لنحياها بسعادة، حياة يسودها السلام وتغمرها المحبة».

وعن اختيار توقيت المهرجان في أواخر أيلول، لا سيّما أنّ الكورة معروفة بارتفاع نسبة أعداد المغتربين فيها، وهم يغادرون الكورة أوائل أيلول قال كرم: «إنّ افتتاح هذا النّشاط الذي سنسعى ليكون سنويّاً، يأتي في سياق العلاقة الحميمة بين الكورة والخير المتمثّل بالزيت وبشجرة الزيتون التي ارتبطت تاريخيّاً باسم الكورة. فالمزارعون في قرانا على أعتاب افتتاح مواسم القطاف. أردنا، بالتعاون مع المشاركين في إعداد المهرجان، أن يكون التوقيت، توقيت ملء الخوابي بالزيت المبارك، هو عنوان هذا النشاط الجامع. هذه الأرض هي أرضنا التي توارثناها منذ القدم عن أجدادنا، جيلاً بعد جيل، ومن واجبنا التمسّك بها والعمل على حمايتها، فلا ولن يتمكن أحد من دفعنا إلى تركها أو التنازل عن حبّة واحدة من ترابها».

ورداً على سؤال حول ما إذا كان هناك قلق أو تخوّف من إقامة هذا المهرجان الشعبي في هذه الظروف الحساسة قال كرم: «إنّه أيضاً أمر مقصود، أردنا أن نؤكّد أن لا شيء يخيفنا، ولا شيء يمكنه أن يثني عزيمتنا، نحن قوم جُبلنا بعنفوان أرضنا، بعزّها ومجدها، بكرامتها، بخيرها وبفرحها، بقيامتها بعد كلّ محنة… سنبقى متمسكين بهذه المسلّمات ولن نسمح لبرابرة التاريخ أن يشوّهوا قدرتنا على الفعل، ولا أن يقتلوا فينا الأمل أو الرّغبة بالصّراع من أجل التقدّم. تشهد بلادنا اليوم موجات جنونيّة للفكر الموتور والمتطرّف الذي لا يؤدّي إلا إلى الدّمار. أردنا أن نقدّم من خلال هذا المهرجان شيئاً حقيقياً وإيجابيّاً ينير ظلمة هذا الزّمن الملبّد بالغيوم. أردنا أن نبيّن من خلال هذا المهرجان، بما فيه من نشاطات متنوّعة، الوجهَ الحقيقي للكورة وللوطن، بحيث تتداخل، كما ترون، معارض الكتب المختلفة بالأعمال اليدوية، بأصناف الزيت والزيتون والصابون الكوراني، بأهازيج الفرح المرسوم على وجوه الصبايا والشباب، باللوحات المعبّرة عن حب الحياة، عن التضحية، عن الانفتاح… إنه مهرجان يدعو المكوّنات الثقافية والاجتماعية والأكاديمية والحرفية في الكورة إلى العمل جنباً إلى جنب، ويداً بيد للسير بالوطن إلى المكان الذي يليق به وبأبنائه، وإلى حمايته من كلّ تشوّهٍ أو اعتداء. هذه هي الثقافة الوحيدة التي ستكتب لها الحياة في وطننا، أما ثقافات الحقد والانعزال والتجييش الطائفي، والتحريض المذهبي، والفكر التكفيري المريض، كلّ هذا سيدفن تحت صخور الكورة وتراب الوطن».

عميدة البيئة

أما عميدة شؤون البيئة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ميسون قربان، التي واكبت كلّ الخطوات والتحضيرات لمهرجان الكورة، مثلما واكبت تنظيم مهرجان ضهور الشوير، ومهرجان رأس بيروت، أكدت أنّ مهرجان الكورة حقق الغاية من وراء إقامته، مثلما حصل في المهرجانين الكرنفاليّين في ضهور الشوير وبيروت، فقد كان الحضور والمشاركة الشعبية في المهرجانات الثلاثة، لافتاً واستثنائياً وقد استطعنا من خلال هذه المهرجانات أن نزرع الفرح في نفوس المواطنين، لا سيما الأطفال، وتظهير إرادة الحياة لدى أبناء شعبنا، في مواجهة كلّ أشكال التيئيس المتأتية من الإرهاب والتطرف بكلّ وجوهه ومسمّياته.

وأضافت: إنّ نشاطات ذات طابع كرنفالي تُعّرّف الناس على ما تتميّز به المدن والمناطق، تجارياً وزراعياً وصناعياً وحرفياً واقتصادياً، وتسلّط الضوء على التراث والثقافة والفن، وتكشف عن طاقات زاخرة ومؤهّلات مغمورة، هي نشاطات تساهم في تعزيز إرادة الحياة وتعميق الانتماء، وهذا كله يساهم في نهوض مجتمعنا وتحصينه في مواجهة تحديات التفتيت والتيئيس والإرهاب والتطرف.

وتابعت: إنّ تفاعل الناس ومشاركتهم في مهرجان الكورة كما في مهرجاني بيروت والمتن، هو دليل على النجاح الذي حققته المهرجانات الثلاثة ونحن نطمح إلى تعميم هذه النشاطات في العديد من المناطق، وربما على امتداد بلادنا ودنيا الاغتراب.

وأكدت قربان أنّ المهرجانات الثلاثة كشفت لنا عن طاقات مهمة، يمكن استثمارها والاعتماد عليها في شتى الميادين وعلى المستويات كافة، ونحن أحوج ما نكون إلى استثمار كلّ طاقات شعبنا من أجل تحصين مجتمعنا بالفرح والصمود وإرادة الحياة.

وشدّدت قربان على ضرورة أن ترعى الدولة اللبنانية كلّ نشاط هادف، وأن تضع خططاً من أجل إنماء المناطق، والاهتمام بما تمتاز به كلّ منطقة. فالكورة تمتاز بزيتونها، لكن الدولة لم تقم بأيّ عمل تحفيزي للناس، فماذا لو أقيمت محطات لمعالجة نفايات معاصر زيت الزيتون وأخرى لإنتاج وتخزين زيت الزيتون ضمن مواصفات عالمية، وما هي إيجابياته إنْ لجهة دفع الناس وراء الاهتمام بالزراعة، أو لجهة التقليل من التدهور البيئي ومعالجة نفايات المعاصر والتأثير الإيجابي على البيئة، أو لجهة توفير فرص عمل، هذا نموذج. وأضافت: ماذا يمنع من تحويل ضهور الشوير والمتن الشمالي إلى واحات سياحية، وهذه منطقة سياحية بامتياز؟

وختمت قربان مؤكدة العزم على مواصلة النشاطات الهادفة وتكريسها حتى تصبح أولوية في عملنا وفي حياتنا، لأنّ زرع الفرح وتعميق الثقافة والفن وتظهير مميّزات مناطقنا، هي شكل من أشكال التحدّي ومقاومة الاحتلال والإرهاب والتطرف.

عدنا من أميون ونحن على يقين أنّ مهرجان الكورة نيشان عز على صدر أبنائها: الذين ينتجون «فناً وفكراً وغلالاً»، وهو شكل مع مهرجاني رأس بيروت وضهور الشوير دليلاً على أنّ أبناء الحياة، يتقنون نسج خيوط الفرح، على منوال الحق والخير والجمال، لتبقى هذه الأمة قوية عزيزة بمن يصنع النصر ومن ينشر السعادة في النفوس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى