حنّاوي لـ«البناء»: سرّ البرنامج في شغف الجمهور لملاحقة الجريمة
دمشق -ـ آمنة ملحم
بعمر فنّي تخطّى أربعة عقود مع ثلّة من المخرجين والفنانين السوريين، وببصمة خاصة خطّها المحامي هائل اليوسفي وتابعها بعده ابنه منيب اليوسفي، استطاع برنامج «حكم العدالة» الإذاعي أن يتواجد ويبقى ويستمرّ عبر أثير إذاعة دمشق، يحمل بريقاً لم يأفل يوماً، كشريك أسبوعي للمستمع السوري والعربي بحكبة درامية متكاملة وتشويق مقرون بالواقعية.
وفي لقاء أجرتة «البناء» مع المخرج الحالي للعمل الذي شوّق ملايين الناس، أكد حسن حنّاوي أن رحلته مع «حكم العدالة» كانت على مرحلتين، بدأ بها كمساعد مخرج مع محمد عنقا لمدة ستّ سنوات، ثم استلمه المخرج جمال عقاد ولكن لم يستمرّ معه سوى ثلاثة أشهر. ليتولّى المخرج حنّاوي دفة الإخراج مع الحلقة 1297، ليصل اليوم للحلقة 1558.
حنّاوي يعتبر من مسيرته في هذا العمل الإذاعي الذي يتمّ عقده الرابع من العمر شرفاً له كمخرج، متمنّياً أن يكون قد أضاف بصمة إلى البصمات التي وضعها المخرجون قبله، كمظهر الحكيم وهشام شربتجي وكلّ المخرجين الذين عملوا عليه حيث كانت لكلّ منهم بصمته وموسيقاه الخاصة. وكذلك اتّخذ حنّاوي موسيقى خاصة به لها علاقة بالحذر والترقّب والتشويق والتفاعل مع النصّ، بالتعاون مع المحامي هائل اليوسفي ثمّ منيب ومع الممثلين.
وعن خصوصية العمل الإذاعي يلفت حنّاوي إلى أن ثقافة المخرج تضيف إلى النصّ، والتوزيع هو البطل. فالمخرج كلّما كان قادراً على جلب ممثلين يحوّلون النص إلى حياة، تكون هناك بطولة في الإخراج. وقد عمل حنّاوي على الاجتهاد في التوزيع والبحث عن أصوات جديدة وجعل من البرنامج مفتوحاً للجميع، فمن حقهم العمل في هذا العمل المميّز.
وعن سرّ استمرارية عمل إذاعيّ لأربعين سنة على التوالي من دون انقطاع، يرى حنّاوي من موضوع البرنامج المتمثّل بالجريمة المأخوذة من ملفّات القضاء المتعلّقة بحياة الناس، سبباً أساسياً في الاستمرارية التي يحققها. فالجمهور يحب معرفة أسباب الجرائم وكيف حصلت وأخذ دروس منها كعبرة وموعظة وإرشاد مترافق بمعلومات قانونية. كل ذلك يعتبر عاملاً مهماً وجاذباً في البرنامج.
وعن آلية التعامل مع النصّ يشير حنّاوي إلى أنّ حرّية التصرّف في النصّ تبتعد عن أيّ تبديل بسبب الجريمة والمسبّب أو الحكم القانوني. ولكن كلّ فنان يعيش الحالة للشخصية المؤدّاة. فالنصّ بالتعاون مع المخرج يحدّد نمط تعامل الممثل مع الحالة، مع حرص حنّاوي على ترك مساحة من الحرّية للممثل كي يبدع.
وحول وجود كاتب واحد للعمل ومصير العمل في حال ابتعاده عنه يلفت حنّاوي إلى أنّ العمل ملك لصاحب الفكرة وماركة مسجلة له. وفي حال غيابه سيتم البحث عن كاتب جديد ومن الممكن أخذ اسم جديد.
وفي ما يتعلق باختلاف الجرائم في عمر الأزمة السورية يوجّه حنّاوي شكره للمحامي منيب اليوسفي وإدارة الإذاعة التي سمحت للبرنامج في الحرب أن يتفاعل مع تطوّر الحالة الجرمية والحالة المجتعية، حيث ناقش جرائم الإرهاب من خطف وجرائم شرف واعتداءات على الآخرين وسرقات تحصل بِاسم الأزمة واسم الحرب، وهذا ما جعل المصداقية مستمرّة بين الجمهور والبرنامج.
ونوه حنّاوي إلى أنّ «حكم العدالة» له اسمه العريق، وقد حصد جوائز عدّة، أهمّها جائزة نالها كبرنامج الأكثر جماهيرية في العالم العربي من حيث المتابعة.
ومن أبطال البرنامج الإذاعي المستمرّين مع رحلته القديمة الحديثة: الفنان فاضل وفائي، الذي أدّى عبره شخصية الرقيب فاضل القادم من حلب وبقي فترة طويلة، مؤكداً لـ«البناء» أنّ الفنّ مهنة، ومن المهم تقديم صناعة جيدة تصلّ إلى الناس بشكل جيد وهذا ما يقدّمه «حكم العدالة».
ومع اختلاف طبيعة الناس تغيّرت القصص واختلف عمق المجتمع، إلّا أنّ حكم العدالة جارى تلك الاختلافات وربما خفّ وهجه، لكنه ما زال مستمرّاً.
والفنان أحمد مللي صاحب شخصية «المساعد جميل» أكد تلاصق روحه مع هذا العمل الذي لا يستطيع الانقطاع عنه، فهو عاشق للإذاعة ومعها يعيش حالة الشخصية، لا مجرّد قارئ للحوارات.
وعن تعلّقه ببرنامج «حكم العدالة» يحكي مللي أنه كان يعود من عمله على عدد من المسلسلات في عمان كلّ اثنين إلى الشام كي يسجّل الحلقة الأسبوعية.
ومن أبرز ما قدّمه «حكم العدالة» وفق حديث مللي أنه استطاع في حلقة منه تأخير إعدام شخصين لثلاثة أيام كي يحقّق سبقاً إعلامياً، ويقال في نهايته «وتمّ إعدام الشخصين في صبيحة هذا اليوم»… تلك الحلقة التي شكّلت عامل راحة للجمهور مع جريمتين بشعتين كان الجمهور على موعد مع حكم يحقّق العدالة المرجوّة.
ورغم أنّ وهج الإذاعة خفّ مع تطوّر التكنولوجيا برأي مللي، إلا أنّ «حكم العدالة» ما زال محافظاً على جمهور ينتظره كلّ أسبوع.