هاتوا ملاعب… وخذوا كرة قدم
ابراهيم موسى وزنه
في ظل الهجمة العمرانية التي أدّت تدريجياً إلى محو الملاعب الشعبية الموزّعة بين الأحياء عن الخريطة، وبعدما أصبحت ممارسة كرة القدم تشكّل عبئاً مادياً على أبناء الفقراء ومتوسطي الحال نتيجة البدل المادي المتوجب دفعه لاستعمال الملاعب المعشّبة صناعياً أو لقاء الانتساب إلى إحدى الأكاديميات الموزّعة على مجمل المحافظات اللبنانية، ناهيكم عن انعدام وجود معلمي التربية الرياضية والملاعب اللازمة في معظم المدارس الرسمية والخاصة… وهذه المعطيات مجتمعة أسفرت عن تواضع عمليتي تفريخ وصقل المواهب الواعدة.
بناء على ما أسلفناه، كان من الطبيعي أن تصاب كرتنا المحلية بالتراجع على أكثر من صعيد، وما يزيد في أوجاعها حالياً وجود ملاعب ذات مواصفات دولية خارج نطاق الخدمة أو الاستثمار، والمقصود فيما نشير إليه ملعبا طرابلس الأولمبي والمدينة الرياضية في بيروت، فالأول أنشئ في سياق الاستعداد لاستضافة «آسيا 2000» بكلفة 20 مليون دولار ولم يستضف على أرضه سوى 20 مباراة دولية 10 منها في لعبة الركبي، مع التذكير بالخلافات التي وقعت بين أطياف المجتمع الطرابلسي لجهة تحديد مكان إنشائه إلى أن استقر الرأي عند شاطئ البحر، ومنذ سنوات تعاني موجوداته وتجهيزاته ومنشآته من الصدأ والتصدّع والانهيار وأخيراً تهاوت منصته الرئيسية. وبالانتقال إلى ملعب العاصمة الذي أعيد بناؤه في منتصف التسعينات بعد تدميره خلال الاجتياح «الإسرائيلي» الغاشم على لبنان عام 1982، فهو غارق في بحر من الإهمال، ولا تتحمّل أرضيته سوى استضافة مباراة واحدة أسبوعياً من الدوري المحلي، وفي كل عام يصفرُّ عشبه الأخضر ما يوجب إراحته لشهرين أو ثلاثة بغية إعادة تعشيبه. وفي إطلالة ميدانية عليه نسجّل الآتي: مرافقه الداخلية مهملة بشكلٍ لافت، المياه المالحة أكلت معظم تمديداته، الصدأ يلف حديده، المياه الآسنة راكدة تحت مدرجاته والكلاب الشاردة وجدت فيه الملاذ الآمن، ونتيجة لواقعه المزري يطل رئيس مجلس إدارة المدينة الرياضية الأستاذ رياض الشيخة من حين إلى آخر مستنجداً بأهل الحل والربط آملاً إنقاذ ما تبقى من المنشأة الرياضية الجميلة من الخارج السيئة من الداخل، أصلاً لا يعمل فيها سوى 13 موظفاً! وفي المعلومات حول الملعبين، وصلنا أن تكاليف صيانتهما بشكلٍ لائق تصل إلى 15 مليون دولار، وفي السياق عينه لا يجوز القفز فوق ما هو لاحق بملعب صيدا المتجدد تحت مظلة آسيا 2000 من تآكل لأسواره المواجهة للبحر… وأمام هذا الواقع المرير لملاعبنا المحرومة من نِعم التأهيل والاهتمام والصيانة الدورية، يضطر الاتحاد اللبناني لكرة القدم إلى اعتماد ملاعب أندية العهد والصفاء وصور والنبي شيت أرضيتهم عشب صناعي مع الإشارة إلى أن العشب الصناعي يزيد في إصابات اللاعبين ويعيق مسيرة الارتقاء والتطوّر الفني، إضافة إلى ملعبي البلدي وبرج حمود المتخمان باستضافة البطولات والمناسبات.
في المحصّلة، أكثر من 145 نادياً كروياً في لبنان يشاركون في بطولات متفرقة على ملاعب ذات أرضية سيئة، ومع ذلك تدور كرتنا على رغم الصعاب والعوائق بفضل جهود وتضحيات بعض الإداريين والفنيين واللاعبين الساعين إلى إثبات الذات، فما بالكم لو كانت ملاعبنا خضراء وموزّعة في كل الاتجاهات، حتماً سيختلف الحال من حسن إلى أحسن وصولاً إلى الجيد فالممتاز. فيا أيّها المعنيون والغيارى، يا أهل القرار، الأجيال الواعدة تنتظر علو همّتكم وزيادة اهتمامكم، هاتوا ملاعب وخذوا كرة قدم متطوّرة… الكرة في ملعبكم.
صحافي وناقد رياضي