«الرسّام صليبا الدويهي»… ندوة في بلدية زغرتا ـ إهدن
أقامت اللجنة الثقافية في بلدية زغرتا ـ إهدن ضمن سلسلة النشاطات المقرّرة بعد إطلاق «سنة صليبا الدويهي»، ندوة عن «صليبا الدويهي الفنان العالمي»، في المسرح البلدي زغرتا ـ قاعة بيار فرشخ، بحضور ماريا يمين ممثّلة النائب سليمان فرنجية، جورج الدويهي ممثّلاً النائب أسطفان الدويهي، رئيس بلدية زغرتا ـ إهدن سيزار باسيم، ممثل التيار الوطني الحرّ في زغرتا بول المكاري، المطران بولس إميل سعادة، وشخصيات اجتماعية وفنية وأدبية.
قدّم للمنتدين الفنان التشكيلي بولس خوام، وكانت مداخلة للدكتور في الانتروبولوجيا الشاعر والروائي أنطوان الدويهي قال فيها: لولا صليبا الدويهي الإهدني، المسكون بطبيعة وأديه وجبله، لما كان من صليبا الدويهي المشرقي، ولا من صليبا الدويهي العالمي. قيمة الدويهي في أصالته، وأنه، من خلال التعبير عن ذاته، الغنية، الوسيعة، استطاع الوصول، في أعماله، إلى التعبير عن روح شعبه وعن روح أرضه. هنا تكمن أهميته. وهذا التداخل لديه، بين الذات الفردية والذات الجماعية وروح الأرض، يأتي في صورة طبيعية، تلقائية، شبه غير واعية. المبدع الخلاق يكون هكذا، من دون ان يقصد ان يكون. هذا هو سرّ الإبداع.
وأضاف: ثمّ أن صليبا، مثله مثل جبران، أحدهما من جهة قزحيا والآخر من جهة قنوبين، ذهب بعيداً في حمله الطبيعة اللبنانية داخل نفسه. ثمة أمر لافت عند هذين الشخصين، مع أن جبران وصليبا أمضيا عمرهما في الغرب، في الولايات المتحدة الأميركية أساساً، مع إقامة أحدهما في فرنسا والآخر في فرنسا وبريطانيا، فإننا لا نجد شيئاً من طبيعة الغرب ومشهدياته في أعمالهما قط. وهو أمر غريب. لا شيء في رسوم صليبا الدويهي، ولا في أدب جبران خليل جبران ورسومه، إلا طبيعة وحيدة واحدة: وادي قاديشا وجبل لبنان. كأنهما أدخلا هذا الجبل إلى نفسيهما، وأغلقا الباب والنوافذ. ما عاد رأياً أي شيء آخر، على مدى عمرهما. كأنه بالنسبة إليهما، الطبيعة الوحيدة التي تستحق دخول عالم الأدب وعالم الفن، هي الطبيعة اللبنانية.
ثمّ تحدث مؤسّس متحف «مقام» للفن الحديث الناقد الفني سيزار نمور عن العلاقة الشخصية التي تربطه بالفنان، وقال: صليبا رجل جمع في حياته الكثير من التناقضات، كان قامة شامخة، منتصبة كالرمح، جهوري الصوت يدل على ثقة كبيرة بالنفس وحضور مميز، وراء ذلك روح طفولية وطيبة قلب تظهر أحياناً في روح الدعابة التي لم تكن تبارحه.
أضاف: غالباً ما يفوتنا أن صليبا الدويهي يعتبر أحد الكبار في رعيل مؤسّسي الرسم في لبنان منذ العقد الثالث من القرن الماضي، كما ننساه عندما نذكر مجايليه الكبار الثلاثة: قيصر الجميل، عمر أنسي ومصطفى فروخ.
وقال مؤسّس غاليري «دامو» الناقد الفني ابرهيم زود: «انتقل من رسم الطبيعة التسجيلية إلى طبيعة تجريدية لاغيا الظل، متمسكا بالمنظر المجرد بألوان تلاقي العمل الأيقوني وكأنها ببعدين، هذه كانت مرحلته الثانية، تجربة فريدة سجلت له نجاحاً كبيراً، لم يتوقف عندها بل تخطاها إلى مرحلته الأخيرة في التجريد المطلق بخطوط وألوان زاهية مبتكرة.
أما الدكتور في الانتروبولوجيا الشاعر عيسى مخلوف الذي أتى خصيصاً من فرنسا للمشاركة في الندوة، فتحدث عن معرفته الشخصية بالدويهي التي تعمقت خلال إقامتهما في باريس، وأضاء على فرادة الدويهي في مزاولة اللون وميزة الحرف السرياني في لوحة التجريد.
وقال الكاتب المؤرّخ محسن يمّين في شهادة مصوّرة: عاش صليبا للرسم ومن الرسم تاركاً بعد غيابه تراثاً ضخماً من الأعمال الفنية الموزعة في لبنان والخارج، لا شك في أنه بعد انتقاله إلى الغرب صار جزءاً من حركة الفنون العالمية وحجز لنفسه مقعداً بعداد المبدعين الخالدين. نذر عينيه وفكره وأنامله للمشهد اللبناني الذي بدأ يذوب فيه عند رسمه الطبيعة في جبالها ووديانها بسمائها وشجرها، بثيابها وفصولها، وعند رسم حياة الضيعة بوجوه الفلاحين والمزارعين وبيوت التراث وبيوت القرميد والساحات والسهرات والكنائس والأديرة.
وختم: عرف صليبا كيف يفتش عن خصوصية ووجدها بطريقة تصاعدية عند تجاوزه المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلة الانطباعية والمرحلة المخضرمة، وتأكدت بقوة أكثر لما ارتمى بأحضان التجريد الشاسع مثل الضوء. وعرف كيف يعانق التراث بجدرانياته وبزجاجياته التي مدت جسراً بين الأنا والجماعة، بين الغابر والحاضر، بين الكنيسة وشعبها، بين الأرض والروح.
وختم الدويهي الندوة طارحاً ثلاث توصيات هي: إقامة متحف دائم في مسقط رأس الفنان، الطلب من متحف سرسق وهو المرجع الصالح تنظيم معرض استعادة شاملة لأعمال الدويهي ووضع ألبوم وببليوغرافيا لها، وأيضاً العمل على حماية جدرانيات كاتدرائية مار يوحنا المعمدان من تأثير تبدل الحرارة ومرور الزمن.
وكان رئيس البلدية قد أزاح الستارة عن جدارية للفنان صليبا الدويهي منقولة عن ليتوغرافيا من المرحلة التجريدية للفنان عرضها ستة أمتار وطولها خمسة أمتار عند نزلة المخاضة الشارع العام في زغرتا، بحضور القيادي في «تيار المردة» طوني فرنجية وأعضاء اللجنة الثقافية في البلدية، والفنان الياس الرحباني والشاعر شوقي أبي شقرا والمنتدين ومهتمين.
وألقى باسيم كلمة قال فيها: هذه الجدارية وهذا العمل يأتي في سياق خطة بلدية هادفة إلى تنشيط الحركة الثقافية واخترنا السنة، سنة صليبا الدويهي متعاونين مع المجتمع الأهلي، وكلّنا أمل بمشاركة واسعة يستحقها فناننا بهدف أن نعطي الدويهي حقه في أرضه وبين ناسه وأهله.