أخطر من «سلاح» حزب الله؟!
روزانا رمّال
فلتتعطّل السياسة للحظات، وليقف الكل أمام مسؤولياته شعباً وحكومة وسياسيين ومسؤولين وضباطاً وعناصر أمن متبعثرين هنا وهناك، عند مَن يدفع ويموّل بأسماء وشركات وهمية، بعضها يعمل لخدمة «كبار القوم» في هذا البلد. فلتتعطل السياسة نزولاً عند دمعة أمهات فوجئن بالغدر، الغدر هذا طالهن مرتين، غدر الدولة وغدر الجاني.
سبع جرائم في غضون أسبوع راح ضحاياها بسبب السلاح المتفلّت في لبنان، أي بمعدل جريمة يومية. يختلف اللبنانيون والإعلاميون والناقدون في جدالاتهم على تسمية الضحايا «شهداء» أو «قتلى» في ما يشتبك آخرون حول فكرة ضرورة تطبيق حكم الإعدام كي لا تتكرر الجريمة، كل هذا الجدل لا يعني الامهات، وكل هذا لا يحصّن الأمن الداخلي. وبين سلاح الغدر وسلاح الفتنة والسلاح المتفلت تحضر مشاهد الفوضى الأمنية وإمكانية العبث السريع في الاستقرار الداخلي من أي جهة كانت، وتحضر معها فوضى المساحات التي تغطي المجرمين من أقصى لبنان الى أقصاه. فبينما مجرم اعتاد التخفي في عين الحلوة، مجرم آخر اعتاد التخفي في البقاع في ساحة ما، ومجرم آخر متوارٍ عن الأنظار في الضاحية، وغيرهم مجرمون يسرحون ويمرحون في قلب بيروت من دون حسب او رقيب لقربه من هذا النافذ أو غيره من النافذين.
السؤال عن خطر السلاح ضروري، لكن الحديث عن سلاح حزب الله قد يفيد هنا. هذا السلاح الذي حرر جنوب لبنان باعتراف الجميع وتصدّى لـ«إسرائيل» في حروبها، حكم عليه بالإعدام من فئة لبنانية معروفة، وقد اصطفت البلاد من أجل هذا الخيار اصطفافاً عمودياً، فيما لم تثبت التجربة خطورة هذا السلاح على الداخل اللبناني ولا حتى في حادثة 7 أيار 2008 التي لم تكن عشوائية، بل واقعة ضمن الحدث السياسي الساخن والمدروس.
أنفقت مئات الملايين من الولايات المتحدة الأميركية من أجل تشويه صورة سلاح حزب الله وكل من له علاقة فيه. وهذا الأمر لم يكن يخجل منه السفير الأميركي الأسبق في بيروت جيفري فيلتمان الذي كرّس مهمته في لبنان من اجل هذا، فصرف المال الوفير واستقدم الدعم العربي والسعودي الحريص على لبنان وأمنه «بالمبدأ» وافتتحت وسائل إعلام ودعمت قنوات ومحطات فضائية ومحلية وصحف وموّلت من أجل تثقيف الناس حول أخطار سلاح حزب الله وضرورة انتفاضة الناس من أجل التخلص منه والأهم وضعه ضمن تصنيف السلاح غير الشرعي وهنا الطامة الكبرى.
الأطراف والشخصيات والاحزاب السياسية التي سارعت لتكون جزءاً من المهمة التي تقتضي استهداف سلاح حزب الله منذ عام 2005 حتى اليوم، جزء كبير منها حمى مجرمين و«ستّر» على خوض بعض المحسوبين عليهم غمار اللعب بالنار مع شبكات إرهابية، كل هؤلاء اليوم ممتعضون من تفلت السلاح. الجميع في لبنان يستنكر الذي يجري وأولهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، لكن هذا الاستنكار لا يكفي، فلبنان يطالب بالعدالة وإلا فكل أبنائه واقعون لا محالة تحت رحمة حبل المشنقة! مشنقة الغدر والرصاص الطائش والسلاح المتفلّت.
وبين السلاحَيْن وحرص الأشقاء الغيارى على لبنان لسنوات وتوعيتهم من أخطار سلاح حزب الله واستخدامه داخلياً على حين غفلة واختلاق مفردات وتعابير تثير الفتنة والرهبة مثل «هيبة السلاح» وضرورة انضوائه تحت السلطة الرسمية، حبذا لو أنفقت هذه الدول الأموال من اجل تخليص لبنان من ذيول الحرب الأهلية والفوضى وسحب السلاح من الناس وتثقيفهم بالقنوات والمؤسسات والصحف تلك على ضرورة تخليهم عن السلاح في بيوتهم وابتعادهم عن ثقافة القوة، واحترام «هيبة» الدولة. حبذا لو سارعت الدولة اللبنانية بدورها لتخصيص وزارة متخصصة في طوارئ الأزمات وما بعدها من اجل ملاحقة المخالفين وسحب الرخص الموزعة كهدايا وقوالب حلوى على كل من طلب أو تمنّى. حبذا لو أنفق كل هذا المال للتوعية من مخاطر سلاح الغدر الحقيقي وهو «الجهل»، بدلاً من التركيز على التوعية من مخاطر سلاح حمى ما تبقى من سيادة أمام «الإسرائيليين».
السلاح المتفلت مسؤولية وزارتي الداخلية والإعلام والقنوات والصحف والعائلات، وكل من له قدرة تثقيفية وسلطة دينية وأمنية. فلتعمل كل جهة ضمن اطار قدرتها وتأثيرها. والأهم من هذا كله تحرير القضاء وتركه يحكم بالعدل ويحاسب المجرم وجعله عبرة أمام الناس. الشباب الطائش وأي جانٍ يشبه هذه الرصاصات الطائشة، لكنه يشبه قادته ايضاً جميعاً، الذين عوّدوه «هم» على ثقافة السلاح والقوة والانتقاص من قيمة الدولة والسخرية من السلطات الأمنية بـ «سلطان الواسطة». أولئك الذين اهدروا دم الشعب وأسقطوا سيادة الدولة الحقيقية والتفوا من اجل تشكيل «الدولة» وتشكيل حكومات والتخطيط لشكل قانون الانتخابات وحماية الطوائف و…!
نعم، هناك سلاح أخطر من سلاح حزب الله «المشرّع» حكومياً يهدّد الداخل.
لا تكفي اجتماعات مجلس الأمن المركزي الدورية ولا استنكارات وزير الداخلية ولا حزن الناس على المصيبة، فالمسألة باتت «تثقيفية» بامتياز.
الدولة الفاقدة هيبتها، لا يحترمها شبابها ولا مواطنوها ويسهل التعدّي فيها على أبرياء. فهي تحكمها شريعة الغاب. الدولة التي لا تضرب بيد من حديد ولا ترفع الغطاء عن المحسوبين هي المتهم الأول والأخير وقاتل الشعب اللبناني.