قطر وتركيا في عين العاصفة برعاية أميركية

د. هدى رزق

لم يكن الإجراء الدبلوماسي الذي اتخذته المملكة العربية السعودية ضد قطر جديداً على الإطلاق، بعد عدد من المؤشرات خلال الأشهر القليلة الماضية. لكن إعلان قطع العلاقات تخطّى التوقعات، لأنه لم يكن فقط من المملكة العربية السعودية بل من الإمارات ومصر التي تبعتها اليمن وليبيا، فأتى الإجراء بشكل تهديد يهدف إلى العزلة الاقتصادية والدبلوماسية للدولة الخليجية.

اتخذ المحور السعودي المصري، وهو الأقوى موقفا ضد قطر من أجل وضع حد لدورها الطموح في المنطقة العربية والخليج الفارسي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحركة الدبلوماسية بين السعودية ومصر والولايات المتحدة تشبه تلك التي سادت في صيف عام 2013 قبل الإطاحة بالرئيس الاخواني محمد مرسي، بواسطة الانقلاب العسكري بقيادة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. بعد ان أجبر الأمير القطري الشيخ حمد آل تاني على التنحي في 25 حزيران أي قبل هذا الانقلاب وأخذ مكانه ابنه تميم، والذي اعتبر انقلاباً ناعماً في ذلك الوقت.

واحدة من الشكاوى الرئيسية التي قادها السعوديون، هو دعم قطر المفتوح لجماعة الإخوان المسلمين، في ذلك الوقت، لكن قطر أصبحت في عام 2015 قاعدة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. وهذا يعني أن الوجود العسكري الكثيف للولايات المتحدة يجعل الصورة اليوم أكثر قتامة. فالإجراءات السعودية وقعت مباشرة بعد صفقة أسلحة كبيرة بقيمة 110 مليارات دولار بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ومباشرة بعد إطلاق عملية الرقة على داعش. يقول السعوديون إنه لا يوجد مكان للقطريين في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين الموالين لإيران في اليمن. ولكن هل يمكن أن يُقال الشيء نفسه بالنسبة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في الرقة وما بعدها. ضيّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخيارات أمام أمير قطر بعد دعمه الموقف السعودي المصري.

لم تستطع تركيا أن تنأى بنفسها بعد تعرّض حليفتها قطر للضغوط من السعودية ومصر والإمارات. ليس سراً أن هناك تعاطفاً تركياً مع الإخوان المسلمين في حزب العدالة والتنمية، ويرى رجب طيب اردوغان أنها حركة ايديولوجية كذلك تعتقد مراكز الابحاث المؤثرة في الولايات المتحدة الاميركية. معضلة تركيا الأولى هي أنّها تتمتّع بعلاقات سياسيّة واقتصاديّة ممتازة مع قطر، التي تشاركها وجهات النظر في مسائل مثل الأزمة السوريّة ودعم الإخوان المسلمين، لكنها تحاول في الوقت نفسه إقامة علاقات استراتيجيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة والدول الخليجيّة الأخرى، لكن التحالف الذي تقوده المملكة العربيّة السعوديّة ضدّ قطر لا يشمل مصر فحسب، بل أيضاً البحرين والإمارات العربيّة المتّحدة واليمن وليبيا والمالديف، التي تشكّل جميعها كتلة سنيّة مناهضة لإيران. التي تختلف مع تركيا حول سورية والعراق، لكنهما يشاركان في عمليّة أستانة التي تقودها روسيا والتي تهدف إلى حلّ الأزمة السوريّة.

كذلك تُعتبر إيران شريكة تجاريّة مهمّة لتركيا ومصدراً مهمّاً للطاقة بالنسبة إليها. أما التحالف ضد قطر فهو أيضاً تحالف ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الرياض والقاهرة منظّمة إرهابيّ،ة والقاعدة الإسلاميّة التابعة لحزب العدالة والتنمية تعتبر جماعة الإخوان المسلمين منظّمة مماثلة لهم، أما الإمارات العربيّة المتّحدة فهي ضد الإخوان وتتهم تركيا بدعم المجموعات الإسلاميّة المتشدّدة، أما تركيا فترى أنها دعمت جماعة غولن في محاولة الانقلاب عبر إرسال الأموال مع أنّ الطرفين يحاولان تخطّي خلافاتهما..

برزت قطر مؤخّراً كواحدة من أهمّ الدّول بالنّسبة إلى حزب العدالة والتّنمية الحاكم في تركيا. بعد زيارة قام بها الرّئيس رجب طيب أردوغان إلى قطر في شهر شباط، لخّص نظرة أنقرة إلى القيمة الاقتصاديّة للعلاقات الثّنائية. وهناك مشاريع استثمارية في تركيا تقوم بها قطر يمتلك القطريّون أيضًا مصرفين في تركيا هما «فينانس بنك وألترنتيف بنك»وبالإضافة إلى ذلك، ستنفّذ في العام 2017 مشاريع بقيمة ملياري دولار في مجال صناعة الدّفاع». تشير بيانات وزارة الاقتصاد التركية إلى أنّ الاستثمارات القطريّة في تركيا آخذة في الارتفاع منذ العام 2013. فمن الاستثمارات الإجماليّة بقيمة 1.5 مليار دولار، أتى 1.2 مليار دولار من استثمارات السّنوات الأربع الماضية. لكن نظرًا إلى أنّ أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا تبلغ 141 مليار دولار، تبقى الحصّة القطريّة ضئيلة جدًا. يكمن هدف نظام حزب العدالة والتّنمية على المدى القصير في جذب المزيد من الاستثمارات المباشرة من قطر، كما في زيادة حصّة تركيا في مشاريع البنية التّحتية الكبرى التي أطلقتها الإمارة استعدادًا لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في العام 2022. تعهّد المقاولون الأتراك مشاريع بقيمة 13.7 مليارات دولار في قطر. تخصّ قطر تركيا بتمييز إيجابي لا يقتصر على الكلام فحسب، بل يُترجَم بالأفعال أيضًا، فتقدّم دعمًا قويًا للشّركات التركيّة العاملة في قطر. وتأتي قطر في المرتبة السّابعة على قائمة البلدان التي يتولّى فيها المقاولون الأتراك أكبر عدد من المشاريع. لقد تحوّلت الرّوابط والعلاقات القويّة تعاوناً قوياً.

لكن التطوّرات الحاصلة في قطر تصعب الأمور على مؤيّدي أردوغان السنّة، الذين يعارضون بشكل عامّ إيران ذات الأكثريّة الشيعيّة ويرغبون في تطوّر العلاقات التركيّة السعوديّة، لكن ليس على حساب قطر أو جماعات مثل الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الرياض والقاهرة منظّمة إرهابيّة.

لم تنل صورة ترامب مع الملك السعوديّ والرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي وهم يضعون أيديهم على كرة مضيئة تمثّل العالم أثناء حفل افتتاح المركز العالميّ لمحاربة الإيديولوجيا المتطرّفة في الرياض استحسان أنقرة.

تنتهج تركيا وقطر مقاربتَين شبه متطابقتين للأزمات في الشّرق الأوسط. فهما تتشاركان الموقف نفسه في دعم المعارضة السوريّة، وفي ما يحصل من اتفاقات مع إيران وروسيا وكذلك في ما يتعلّق بالأزمات في العراق واليمن. ولا ترى الحكومة القطريّة في الجنود الأميركيّين المتمركزين في البلاد رادعًا عسكريًا مناسبًا، ومن هنا جاء قرارها معالجة هذا النّقص عبر التّعاون مع تركيا. فاتّفاقيات التّعاون العسكري التي توصّلت إليها تركيا مع قطر تعكس الجانب الاقتصادي للصّفقات، وأهميّتها أيضًا في أنه من أجل إيجاد أسواق جديدة للصّناعة الدّفاعيّة التركيّة.

لكن الأحداث الأخيرة حملت تركيا على مساندة قطر عبر إقرار البرلمان إرسال 5000 آلاف جندي تركي من أجل تعزيز القاعدة الموجودة أصلاً في قطر وهي قاعدة للتدريب. هل هذا يعني أنها ستخوض معارك؟ لا يبدو الأمر كذلك. هي تبدي تضامناً مع حليفتها، وتعلم أن الحل خليجي أميركي، لكنها تلوّح بوجودها السياسي وترى أن أي تنازل كبير من قطر سيتضمّن إبعاد أميرها عن حزب العدالة والتنمية الذي يرى أنها حرب تطاله هو ايضاً، ومهما حاول العلمانيون انتقاد قراراته يرى أردوغان أنها حرب على الإسلام السياسي تخوضها الدول الخليجية ومصر مع الأميركيين ضده، حتى وإن جرى الإيحاء عبر الإعلان أنها ضد إيران فقط، لقد كبر حجم تركيا داخل البلدان العربية سنياً لا سيما في سورية والعراق وتضاءل تأثير العربية السعودية مما يتيح لقطر شريكة تركيا استثمار طموحاتها لذلك تعتبر تركيا العدالة والتنمية ان الضربة موجهة ضدها. يتحسب الرئيس التركي بعرض خدمات تجارية إنسانية. مع أنها ترى أن السعودية ناقمة على اتفاقات أستانة التي همّشت المعارضة التي تدعمها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى