مُكرَّمو الدكتوراه الفخرية ومكرِّموهم في عيون الحارس!
فيينا ـ طلال مرتضى
الدكتوارة الفخرية وعلائقها بعد أكثر من مقال، لعل الحكاية خرجت من مداركها نحو أقصية أبعد من حدود الكلام «الممجوج» حدّ التذمّر والقرف وذلك لا لسخافة الموضوع أو سفاهته، بل لأنّ الطرف الآخر والمعنيّ في الأمر يعمل ضمن مبدأ «ما دمت حاضراً… فأنا موجود وحقيقيّ»، وهي القصة المفتعلة التي يتّكئ عليها في حضوره، قصة التطنيش وكأن الكلام لا يعنيه.
لم تعد الحكاية خافية على أحد، القريب والبعيد معاً، وهذا ما أوصلني إلى مرحلة الحنق بعدما انحدرنا إلى درجة عميقة في هوة عدم الاكتراث، وبالمناسبة هذا مقالي الرابع في هذا السياق بالتحديد.
لنقرأ معاً بعين العارف وبمنظار أبعد «كواليس» الدكتوارة الفخرية، إذ إنّ اسمي صار مؤرّقاً لمن يوسِمون تلك الشهادات الموفتشبة، والبعض قالها علانية: يبدو أنّ لا عمل لديك غيرها، صارت شغلك الشاغل؟!
وبما أن الحكي انفتح على مصاريعه، آن لنا وضع النقاط على الحروف، لنجلوا غمام العاصفة معاً، لا أنكر أنني تحدثت في الموضوع عبر مقالاتي السالفة من زوايا ضيقة، وكان هذا مقصوداً، لتمرير بعض النكزات الخفيفة لمن يقدّمونها، علّهم يتوقفون أو يرتدعون حياءً ليس إلا، لكن، وعلى ما يبدو، وبحسب مقولة القائل: «ناديت إذ ناديت حيّا». وكانت محاولة أولى، عندما رميت كرة اللعب في ملعب المكرَّمين بتلك الشهادات وتحدّثت بصوت عال من دون مواراة، بأنكم أدباء وتزدان بكم الساحة الثقافية والأدبية من دون تلك الشهادات الفخرية التي لا تسمن ولا تشبع من غواية، فبعد اتصالات مكثفة مع بعض من طالتهن يد التكريم والتوسيم خلال المدة الماضية، وبما إن معظمهن صديقات لي بحكم هالة «فايسبوك» الزرقاء أو ممن أعرفهن على الواقع، استطعت الحصول على إفادت شخصية منهن، مفادها، أن لا علاقة لهن بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، إذ إنّ الجهة المكرِّمة دخلت إلى صفحاتهن ـ بحكم الصداقة «الفايسبوكية»، وأخذت بعض كتاباتهن المنثورة، وبحسب قولهن، إن تلك الكتابات تعرّضت للنقد من قبل هذه الجهة التي ارتأت أن المبدعة الفلانية، تستحقّ اللقب الفخري بجدارة، وبالطبع هناك شيء من الصحة في هذا، فالبعض منهن بالفعل تم كتابة تقارير عنهن من قبل المانح تشيد بحضورهن في الساحة، والمفارقة هنا أنني تتبّعت عدداً من تلك التقارير، فلم أجد أيّ حالة نقدية لمادة ما، أيّاً يكن نوعها، بل أن جلّ التقارير أتت متناسخة مع فارق تغيير الاسم، والأهمّ في الأمر تبيّن أن معظمهن عروبيات وبنات بلد… إلخ. بمعنى النقد على شخصهن لا على منتجهن، حتى أن زميلة «كردية» سقط تعريفها سهواً في تقريرها، بأنها «عروبية حتى النخاع». ثم بعد ذلك يشار للمكرّمين عبر إشارات «فايسبوك» بأن المقهى أو المنتدى أو الرابطة أو الحانوت أو الجامعة المرخصة فقط على الورق، قرّرت منح فلان شهادة الدكتوارة. لن أتطرّق هذه المرة وأعيد السؤال السالف حول معاييرها وحول دوافع الجهة المانحة، سأمرّ من حيث يصير المكرّمين بهذا الوسم، جواري تجدهم ينامون ويسهرون ويأكلوا ويشربون في صفحة الجهة المكرمة «وهات ثناءات وتحيات وشكر»، يعني على قول الشاعر أيمن رزوق: «يا طلال القصة صارت توزيع خمسميات وهزّ خصر».
لكن، وكما أسلفت في المطالع وما يفلج روحي حدّ البكاء، أن بعض الصديقات «الزرقاوات» قمن بحظري من صفحاتهن بعد قصص و«شوشرات» مقالاتي السابقة، وذلك بعد إيعازي بأنني سوف أصفّق وأبارك وأكتب عمّن نالها بجدارة، أي الدكتوراه، مقابل أن أسأل بصوت عالٍ لمن نالها زيفاً، عن الثمن الذي دفعه لنيل تلك المكرمة العظيمة، وقد وعدت بأنني سأنشر عبر الصحف المتاحة صور الشهادات مع عيّنة من منتج أيّ واحد منهم، ليكون الجمهور هو الحكم المقرّر في الأمر، وبالتأكيد لم أكن أنوي هذا جدّياً لخصوصية الأمر حرصاً من إحراج البعض، لكنه كلام قلته علّني أصل إلى ما أريد ويتوقف هذا السيل الكاذب عن السيلان في أوديتنا.
لا أنكر أيضاً أنني أشرت إلى جهات بعينها وقد قال البعض إن هذه ليست أخلاقاً صحافية، وإنّ هذا يصبّ في مجاري التشهير ليس إلا، وكان هذا سبباً وجيهاً ليخلق لي الكثير الكثير من «الأعدقاء». وها أنا أعلنها عبر هذا المنبر أن كل هذا لا يضيرني، وسأبقى على هذا الخطّ ما حييت شاء من شاء «واللي مش عاجبه يشرب بحر غزّة»، لكن ما يؤرّقني تلك الأسئلة والانتقادت ممّن قالوا إنهم متوقفون في الحياد، بمعنى هل عيّنك أحد حارساً لتتحدّث في الأمر في الصباح والعشية؟
كان السؤال حقاً يراد به إثارة البلبلة أكثر من ماهية الوصول إلى حلّ معقول، لذلك انبريت اليوم لأقولها بتخفّف: نعم أنا حارس وسأبقى حارساً ما دمت أحمل هويتي السورية وجوازي الموسوم بنسر.
لن أوجّه العتب واللوم على مشغّلي الثقافة في البلد، والممثلين في وزارتَي إعلامنا وثقافتنا الموقرتين واتحاد كتّابنا الذي نعتزّ به، لأنني سبق وأشرت إليهم بالبنان، وصرخت حتى جفّ صراخي في حلقي، أيها الزملاء والأصدقاء، اُصحوا، استفيقوا، أقسم بالله أيها القوم وبكل ما تعتقدون من أديان ومرجعيات وأحزاب وملل: إن الحرب القائمة على سورية ليست حرباً لأجل كرسيّ الرئاسة، أبداً. الحرب قامت لأجل تهويد الهوية الثقافية السورية تحديداً، أرجوكم استفيقوا. لكن لا مجيب. فعدد من الإعلاميين وركّاب وزارة الثقافة وأعضاء اتحاد الكتّاب يعملون سماسرة ومريدين عند هؤلاء الذين يكرّمون الناس بشهادات لا قيمة لها، ولا يخجل كثيرون منهم، بنشر أنه صار وكيلاً أو مريداً لماخور ما.
ما أودّ الرد به على من سألوا ونقدوا وحرّضوا إلى درجة التخوين. يا أصدقائي سأسلّم أن خروجي من البلد خيانة كما قالها بعض «المسئفين»: «هجرتوا البلد وتركتونا لوحدنا». ربما في الاتهام وجهة نظر أحترمها.
سأترك هنا إشارة أخيرة علّ البعض يصحون من غفلتهم. بحكم وجودي في المغترب، أقول، وعلى رغم سنوات الحرب التي مرّت بها البلد ولم تزل، ما زالت الشهادة الجامعية السورية وبكامل فئاتها مقبولة ومعترف بها، في كل الجامعات الرسمية الغربية، وكل حامل شهادة دراسية عليا، تقوم الجامعات الغربية بمعادلتها مع شهادتها مقابل كسرها سنة إلى الوراء وبحسب الاختصاصات والمجالات وهذا ليس خافياً على أحد، لكن ما لا تعرفونه أيها المرضى، جلّ الشهادات الجامعية العربية يتم كسرها لسنتين أو أكثر كي تتم معادلتها، ممن يعتقد أن الغرب لا يراقب السوية التعليمية في بلداننا وبكثب، فهو قارئ غير جيد.
ما يحصل الآن على الأرض هو ضخّ أكبر عدد ممكن من شهادات الدكتواره المزيّفة لتعويم الشهادات الوطنية وكسرها، بحيث تصبح شهادة جامعة دمشق مثلها مثل شهادة أيّ جامعة يتم كسرها لأكثر من سنة وهذه نوايا مبيّته لا يعلم إلا الله من وراءها. نعم، أنا أوّل خائن خرج من البلد أسلّم بها كما أسلفت، وطبعاً هذا المقال موجّه حصرياً إلى أبناء جلدتي السوريين ولست معنيّاً بغيرهم حتى لا تنفتح بوجهي أشداق جديدة. أقول لكلّ «المسئفين» السوريين الذين كرَّموا أو سيُكرَّمون، أنتم أخطر من «داعش». «داعش» نعرف مكامنه وهناك من يقارعه ولم يبدّلوا تبديلاً. أما أنتم فتنامون في الأحضان وتطعنون في الظهور. ولا أريد أن أتّهم أيّاً ممّن يضخّون تلك الشهادات بأيّ كلمة لا تليق بهم، فهم أدباء ونعتزّ بـ«عروبيتهم»، لكنّني أطالبهم بكفّ أيديهم عن المبدع السوريّ أيّا تكن صفته ومرجعيته، لسنا بحاجة إلى شهاداتكم، من كان به خير فخيره لأهله، بناتنا لا تحتاج إلى هداياكم عبر «الماسنجر» و«فايسبوك»، لأن الكيل طفح حدّ التخمة، فخلال الشهور الخمسة المنصرمة، ما أحصيناه من شهادات الدكتوارة الفخرية التي اندلقت على السوريات، تجاوز عدد الشهادات التي تصدرها جامعة دمشق في عام دراسيّ، وهنا لا بدّ من أن أهيب بكلّ تلك المؤسسات التي نجلّ مشغّليها أن يدعوا سورية والسوريين بحالهم ونحن بغنى عن هذه الشهادات. وأخصّ بالتحديد صاحب ترخيص الجامعة العربية البريطانية، مؤسّسة الأديب الفلسطيني غازي أبو كشك، مؤسّسة الفرات للسلام، البيت الثقافي العربي في الهند العراقي ، وعدد من الراوبط المصرية لم أسميها لكثرة أعدادها.. جزاكم الله كل خير، لدينا ما يكفينا بأزمتنا. كما أهيب بمعالي وزير إعلامنا ووزير ثقافتنا ورئيس اتحاد الكتّاب العرب ووزير التعليم العالي بأن ينظروا بعين السوريّ حول ظاهرة «المريدين» لهذه الخلايا في وزاراتهم ودوائرهم. ووعد سوريّ لا أواربه بتاتاً، أنني سأجعل ـ في مقالي المقبل ـ كل مكرَّم أو مكرَّمة سورية والمكرِّم الذي منح الشهادة، على لسان كلّ وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المتاحة، ولديّ في جعبتي الكثير. اتقوا ضميركم في سورية التي كانت وما زالت ملاذ الفقير، لا تحاولوا كسرها لأنها لن تكسر، لكن ندوب الطعنات ستبقى، مؤكداً أنها ستبقى للذكرى.