أن تكون قطرياً الآن!

هاني الحلبي

أن تكون قطرياً، ويأخذك جنون عظمة أن «الجزيرة» أقامت الدنيا ودحرجت عروشاً وأسقطت رؤساء وخلعت قادة وفضحت عرباً. وأنها أول قناة عربية في دولة غير موقعة معاهدة استسلام علني للعدو، كمصر والأردن، رقّ قلبها على رأي آخر في الصراع، ففتحت مصاريع أثيرها لقادة العدو، إنصافاً بين الضحية والجلاد، لئلا يكون الضحية قد قتل الجلاد وسامه العذاب وألحق به أوجاعاً مبرحة قبل أن يموت خجلاً ويتوارى بفعلته المستنكرة!

أن تكون قطرياً، وتسمع صحف العالم ومحطاته الفضائية، عرباً وعجماً، كيف تتحدّث عن إمبراطوريتك الافتراضية، تلك التي ضاقت بها الأرض فاكتفت بإمارة أصغر من أن تُقسَّم بضعة أحياء في مدينة، لكنها بَنَتْ عالمها المتقاطع مع أنابيب نفط وخطوط إبحار الناقلات ومحطات التكرير وأسواق التصريف وشبكات المصارف الدولية ومعسكرات التدريب الإرهابي في القارات.

أن تكون قطرياً، ويتنافح أمراؤك وأثرياؤك في حفلات الدعم والزكاة لنصرة «ثوار الدم». ويقال لك إن ما تدفعه من العشر هو زكاة رزق لنصرة الإسلام وعودة الخلافة وإقامة الحدود الشرعية، فتقدِّم بحماس من مالك وعرقك لتعرف أن غداً ستكون الراية خفاقة فوق دار الجهاد لتكون فسطاط الإيمان.

أن تكون قطرياً، ولا تتسع إمارتك لقواعد العسكر بين العديد والسيلية وما بعدها من أميركيين وأتراك، وما سيحتشد فيها من قواعد جديدة، ربما تركية وباكتسانية وغيرها كيبرق العريش في طنجرة ضغط. كرمى لعينيك تتناكب العسكر من أجل أن تنام قرير العين مطمئناً، أن هذا العالم المسلوب الأمان بفضل سكوتك عن سياسة الإمارة يأتي بجحافل الفقراء مدجّجين تحت بيارق الدول لتهنأ دولتك بالسلام. يا لهذا السلام كم يراق حول شرفه الرفيع دمٌ ملوّنٌ في كرنفال الجينات والألسنة، فلا يفهم الحدّاثَ إلا تراجمُ فطاحلُ!

أن تكون قطرياً، والعالم لديك قيد ضغطة زر. فيتم إفراغ مكوك فضائي ليترفّه جنابك الوثير وحيداً. وحيداً مع بضع شياه لم تستشر خاطرهن في رحلة فلكية. تركت حريمك واصطحبتهن برحلة العمر يا رعاك! وقبل أن يُهندس فريق بحث مبدع حلماً تكون قد ابتعت منه حبّات معدودات، تزيّن بها مداك لئلا نسيتك الحضارة في غضون كثبانك وتاه عنها أن توقّع تسارعها على تثاقل خطاك وخببها!

أن تكون قطرياً، وتعرف أن أميرك تميم بن حمد لم يحسَن استقباله في قمة الملوك والرؤساء، فتمّ استقباله بوقفة نصفية للملك السعودي، وبمصافحة رؤوس أصابع من ولي عهده!

أن تكون قطرياً، وبين ليلة وضحاها ترى عالمك حدود مدينة مداها دقائق بطائرة من أقصاها القاري إلى أقصاها القاري حقل متوسط الصغر من حقول الحسكة بجانب الفرات السوري!

أن تكون قطرياً، ويُخترق أمانُ وكالة أخبارك الرسمية إثر قمّة قمم، ويُفبرك عن لسان أميرك، ورغم أنه نفاه، وأقنع الكافة بصدق نفيه، لكن الراعي المتلاعب بمشاعر عزوته، سرعان ما لا يصدقونه عند استحقاق الذبيحة. قمة صُمّمت لتكون برزخاً بين عالمين، وللصدفة المؤسفة تتوضع الإمارة على الحدود بينهما، حيث تفوح رائحة الغاز ويعبق حريق الدماء وصراخ الشعوب بك: ماذا فعلتَ يا بروتوس! لا يمكن المتذاكي دائماً أن يدفع كلفة القتل ويذهب للعزاء، ولا أن يقتل ويداه بقفازين ذهبيين، ويشيّع القتيل باكياً في رابعة النهار!

أن تكون قطرياً، وعندما يُغلق الفضاء عليك، لا تجد مسارب هواء إلا إلى الشرق منك، حيث لم تتوقع منها أملاً، فتجد أية عروبة تلك التي تستكثر فيك محطة رحلة وشحنة غذاء وصهريج ماء.. واعرباه!

أن تكون قطرياً، وإذ تستشعر إحكام الحصار، تفرغ في ليلة واحدة مخزونات مجمّعات السلع كلها، وكأن المجاعة قد فغرت جوفها لتبتلع الجميع. وما إن يستكمل سيناريو الحصار حتى يتحرك أمير غيور يبحث في كومة التبن الخليجية عن إبرة حوار يخيط بها ما تفتق من عرى الجوار. لكن ما أن تراه وتسمعه لتعرف إلى أين مقبلون: المواجهة!

أن تكون قطرياً، وضميرك مكدود لمّا استسلهت حياض أهلك في بلاد العراق والشام والمغرب ومصر، بفتات وفرتك دمّرت أمنها، وصرتَ تنتظر توزيع أنفال غزوتك لتكون الآن مهدور الحياض ويرغب جوارك أن يعوّض إفلاسه بوفرتك. في قانون السمك دائماً الأضعف هو قوتُ الأقوى! أحياناً الضعف قوة، لكن بجوار سعودي عبثاً يقبل طوز الرمل ثبات القانون!

أن تكون قطرياً حقاً، يستفيق وجدانك فتقول: أنا سوري أيضاً يوم سورية. أنا عراقي أيضاً يوم العراق. أنا فلسطيني يوم فلسطين. أنا مصري يوم مصر، انا ليبي يوم ليبيا..

فادفع كفارة فطرتك بالدم لتستعيد ما فقدت ولتعطي من فقدوا ثمن الانتصار وعبرة الغفران: كي لا يُقال انعدمت شهامة الاعتراف بين العرب!

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى