لماذا هذا العداء الأميركيّ لسورية؟

علي البقاعي

ما تقوم به الولايات المتحدة من إجراءات أحادية ضدّ سورية منذ بدء الأزمة السورية، يزيدني يقيناً بأن هذه الدولة العظمى هي المحرّك والآمر الناهي لكلّ حراك ومؤامرة وحرب على سورية وفي سورية.

هذا العداء الأميركيّ لسورية ليس وليد الساعة، بل هو نتيجة مواقف سورية القومية على مدى سنوات الصراع مع «إسرائيل». فسورية هي التي آوت المقاومة الفلسطينية وحضنتها منذ تأسيسها عام 1965 ولا تزال تحتضنها وتقدم إليها كل دعم ممكن، رغم قيام بعض قادة منظمات آوتهم سورية يوماً بمحاولة تغييب أو إنكار دورها في تسليح أهل غزة ومقاوميها. وسورية هي التي تبنت جبهة الممانعة في وجه المبادرات الأميركية في المنطقة، وسورية هي التي أوقفت الحرب الأهلية عام 1976 والتي كادت تنهي وجود الدولة اللبنانية، وسورية هي التي ساهمت في وضع اتفاق الطائف…

العداء الأميركي لسورية سببه احتضان سورية المقاومة اللبنانية سياسياً وأمنياً وعسكرياً بعد الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982 إذ كان لها الدور الفاعل في دحر هذا الاحتلال عام 2000 وفي هزيمته في حرب تموز 2006، ولأن سورية هي التي رفضت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وآوت الملايين من أبناء العراق ودعمت مقاومته وعملت على إعادة اللحمة إلى هذا البلد العظيم تاريخاً.

سورية هي العدو أعلنها الأول لـ»إسرائيل» وللولايات المتحدة، وهي التي تقف في وجه مشاريعهما في المنطقة، بحسب ما صرّح جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ الأميركي. سورية هي العدو الأول لـ»إسرائيل» قال أيضاً أعضاء مجلس العلاقات «الإسرائيلية»- الأميركية «أيباك»، المنظمة اليهودية الأقوى في أميركا والتي تحدد سياسة الإدارات الأميركية حيال المنطقة خلال الحملات الرئاسية في أميركا. سورية هي العائق الأول في وجه السلم «الإسرائيلي» في المنطقة قالت كذلك هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أميركا السابقة. سورية هي التي تؤخر قيام علاقات عربية-»إسرائيلية» مباشرة تبعاً لقول بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء العدو «الإسرائيلي»، وسورية هي العائق الأكبر لإنجاز السلام بين العرب و»إسرائيل» قال أكثر من مسؤول خليجي سرّاً، إذ لا يجرؤون على قولها جهاراً.

قرار الخلاص من سورية أعدت له الولايات المتحدة منذ سنوات، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تتحيّن الفرصة والتي أتتهم على طبق من دم مع بدء كذبة ما سمي بـ»الربيع العربي» مطلع عام 2011 ولم يكن إلا زمهريراً عربياً يحمل في طياته كل شيء إلا الديمقراطية والحرية للشعوب العربية.

اعتقد الأميركيون وأتباعهم أن الفرصة حانت للخلاص من سورية عبر الخلاص من رئيسها الدكتور بشار الأسد، الذي أثبت باعتراف الكثير من المراقبين أنه قائد فذ وصاحب رؤية وقادر على اتخاذ القرارات المصيرية، ولكنهم خُذلوا امام إرادة الشعب السوري الذي نصره يوم تخلى أعراب الجامعة عنه وبفضل عقيدة الانتماء التي يؤمن بها جيش سورية الذي أثبت أن القوة هي القول الفصل في إحقاق الحق القومي والحفاظ عليه.

قد يكون أعداء سورية نجحوا من خلال دعمهم الإرهابيين في تدمير بعض المرافق الاقتصادية وسرقة المصانع والمعامل واستباحة البيوت وانتهاك الحرمات، لكنهم لم ينجحوا في كسر الإرادة السورية وفي هزيمة الإنسان السوري، فقضيّة السوريين هي قضية حق، وملايين السوريين بجميع مكوناتهم لم يتنازلوا عن حقهم في الدفاع عن أرضهم وتراثهم وتاريخهم وعنفوانهم وحضارتهم في وجه الغزاة القادمين تحت رايات الموت السوداء، ولا يمكن للشر أن ينتصر على الحق والخير والجمال، صفات النفس السورية الأبية.

ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن توقف الحرب على سورية لأنها و»إسرائيل» المستفيدان الرئيسيان من ذلك. فالحرب هذه في نظرها تنهك سورية اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وبشرياً وتمنعها من ممارسة دورها القومي والإقليمي وتفرض عليها حصاراً جائراً في سائر المجالات وتساهم في تهجير الكثير من السوريين وهجرتهم وتريح «إسرائيل» التي يعبّر قادتها يومياً عن مدى سرورهم لما يحصل في سورية ويتمنون إستمرار الحرب إلى ما لا نهاية.

لو كانت الولايات المتحدة تريد الوصول إلى إتفاق سياسي للأزمة في سورية لوجهت منذ سنتين وأكثر قبل أن تخلق «داعش» تعليماتها وأوامرها لمن يهمه الأمر من أتباع وأعوان مثل السعودية وقطر وتركيا بأن يكفوا أيديهم عن سورية ويوقفوا تمويل ودعم وتدريب وإيواء عشرات المنظمات الإرهابية التي تأتمر بأوامرهم، وأن يوقفوا تدميرهم الممنهج لاقتصاد سورية وتراثها مؤسساتها ونهب آثارها وتدمير مدارسها وجامعاتها التي كانت تضاهي أفضل جامعات الغرب.

لو كانت الولايات المتحدة ومن والاها يريدون السلام في سورية لاعترفوا بما أنجزته سورية من إصلاحات دستورية تضاهي أحدث الدساتير المعتمدة عالمياً في الاستفتاء الذي أجري في شباط 2012 وينص على أن سورية دولة ديموقراطية ذات سيادة ويكون الحكم فيها للشعب عن طريق الانتخابات، بحيث يتساوى الجميع أمام القانون، فالحرية حق مقدس لكلّ مواطن سوري مع حرية الرأي والاعتقاد والتظاهر والاجتماع وتكوين الأحزاب والتعددية السياسيّة والاقتصاديّة وتحريم الاعتقال التعسفي واحترام الحقوق الثقافية لمختلف مكوّنات الشعب السوري.

لو كانت الولايات المتحدة تريد حقاً إنهاء الحرب على سورية لقبلت بأن تكون الحرب على الإرهاب في سورية والعراق التي اقرها مجلس الأمن حرباً شاملة تحت راية الأمم المتحدة، وبقوات تختارها الأمم المتحدة وتحدد مدتها وأهدافها ونتائجها الأمم المتحدة، وتشارك فيها على نحو رئيسي الدولتان اللتان تعانيان جرائم الإرهابيين وهما سورية والعراق، ولا تنتهي إلا بعد سحق الإرهاب، وعندئذ يمكن العودة إلى الحل السياسي الذي كانت القيادة السورية تدعو دوماً إليه تحت سماء سورية وعلى أرض سورية وبقرار سوري.

ختاماً، يكفي الرئيس بشار الأسد فخراً أنه الرئيس العربي الوحيد الذي لم تطأ قدماه أرض البيت الأبيض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى