هل تملك هونغ كونغ أدوات العصيان المدنيّ؟

عامر نعيم الياس

شهدت هونغ كونغ، المستعمرة البريطانية السابقة، والتي انتقلت إلى السيادة الصينية عام 1997، أكبر حركة احتجاجات، ردّاً على قرار الحكومة الصينية السماح بانتخاب الحاكم «رئيس المجلس التنفيذي» للمقاطعة عبر الاقتراع المباشر، لكن بشرط انتقاء المرشحين من جانب الصين. وبالتوازي مع ردّ فعل الحكومة التنفيذية في الإقليم، والذي لم يتجاوب مع مطالب المحتجين حتى الآن، تحاول الحركة الاحتجاجية تحت شعار «احتلوا الوسط التجاري» تطوير حركتها لتشمل غالبية شوارع هونغ كونغ. فهل تملك الأدوات لذلك؟ أم أنّ الحركة الحالية مدفوعة من قبل الغرب وتحديداً واشنطن لممارسة الضغط السياسي على الصين؟

دعمت واشنطن هذه الاحتجاجات واضعةً إياها في إطار الحرية والتعبير عن الرأي. إذ قال جوس أرنست المتحدث بِاسم البيت الأبيض: «الولايات المتحدة تدعم حق الشعب في هونغ كونغ بالتصويت وفق القوانين، وتدعم حقه في التعبير عن مطالبه»، وهو ما ردّت عليه بكين فوراً بالتحذير من خطورة التدخل في أحداث هونغ كونغ، في مؤشّر إضافي على مخاوف الحكومة الصينية من استغلال الغرب ملف هونغ كونغ لاستنزاف الصين، كما حصل مع روسيا في أوكرانيا، فهل يمكن حدوث ذلك؟

سياسياً، وعلى مستوى الحركة الاحتجاجية، يمكن إرباك الحكومة الصينية قليلاً، لكن على مستوى الأدوات السياسية والاقتصادية، فإن الحالة في هذه المقاطعة الصينية تختلف عن أوكرانيا في ثلاثة مستويات:

ـ الأول: هونغ كونغ مقاطعة تحت الإدارة الصينية، وبالتالي هي جزء لا يتجزّأ من السيادة الصينية، ولا يمكن بأيّ شكل من الأشكال اعتبارها دولة مستقلة، فهي تاريخياً انتقلت من الوصاية البريطانية إلى الحكم الصيني.

ـ الثاني: النموذج القائم للحكم في هونغ كونغ يستند أساساً إلى نموذج «بلد واحد بنظامين»، فالدستور الخاص بالمقاطعة الصينية والذي يسمّى القانون الأساسي، يقول في أحد بنوده: «إن وحدة أراضي هونغ كونغ ونظامها الرأسمالي، أمران سيبقيان من دون تغيير للسنوات الخمسين المقبلة».

ـ الثالث: العامل الاقتصادي والارتباط العضوي بين الاقتصادين في بكين وهونغ كونغ. فمن جهة لا تملك هونغ كونغ أدوات لمحاربة الصين اقتصادياً، وبحسب دراسة أجرتها الجامعة الصينية في هونغ كونغ، ونشرتها صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإنه «في عام 1997 كان الاقتصاد الصيني أقوى بست مرات فقط من نظيره في هونغ كونغ، لكن اليوم وبعد عقدين من الزمن، نما الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من المتوقع، ففي عام 2013 صار إجمالي الناتج القومي للصين أكبر بـ 33.7 مرة من إجمالي ناتج هونغ كونغ، بمعنى آخر في عام1997، لحظة ضمّ هونغ كونغ إلى الصين، كان اقتصاد المقاطعة يشكل ما نسبته 18 في المئة من الاقتصاد الصيني. واليوم صار يشكّل ما نسبته 3 في المئة فقط». لكن في المقابل، فإن الصين لا يمكن أن تتخلّى عن هذه المقاطعة التي يتجاوز دورها الاقتصادي جغرافيتها المتواضعة، فالمدينة «احتلت المركز السابع في التصنيف الدولي للقدرة التنافسية على مستوى العالم بينما حلّت الصين في المرتبة 28» وذلك بحسب اللائحة التي يضعها المنتدى الاقتصادي العالمي، فضلاً عن كون هونغ كونغ مركزاً للخدمات التجارية الدولية من الدرجة الأولى، إذ يقدّر أن «30 في المئة من التجارة الخارجية بين الصين ودول العالم تدار بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق هونغ كونغ».

استناداً إلى ما سبق، لا تملك هونغ كونغ أدوات تؤهلها للاستمرار في عصيانها المدني على المارد الآسيوي، فالحركة لا تعدو عن كونها محاولة من محاولات الإرباك المستمرة للحكم في الصين والتي ستفشل.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى