هل لمشروع قانون الانتخاب من حسنات؟

د. وفيق إبراهيم

مشروع القانون الجديد للانتخاب الذي حوّلته الحكومة إلى مجلس النوّاب لإقراره، يتضمّن التزاماً كبيراً بمعايير النظام الطائفي التقليدي الذي يسيطر على العلاقات السياسية بين الجماعات اللبنانية من 1948.

لكنّ شكله الخارجي يتضمّن التزاماً بمفهوم «النسبيّة السطحيّة» للانتخاب، بمعنى أنّ المضمون طائفي والشكل «جميل» ينتسب إلى الحداثة… بدليل أنّ هناك اختياراً طائفياً ومذهبياً للدوائر المنتقاة لا تؤدّي إلا إلى نجاح القوى التقليدية بسهولة، لكنّ طبيعة النظام النسبي تسمح بتمرير عدد لا بأس به من مرشّحين ينتمون بدورهم إلى النظام الطائفي أو متحالفين مع بعض زواياه وتكاياه. ميزتهم أنّهم مضطرّون لمعاداة التقليد الطائفي لأنّه لا يسمح لهم بتسلّم سلطات، لذلك فهم مرغمون على التكتّل فيما بينهم للتحضير للانتخابات الجديدة على أمل حدوث تغيير في الأوضاع الانتخابية المرتقبة. وهنا تتباين الآراء، قسم من الخبراء يرى أنّ القوى الأساسية في النظام السياسي لن تعدم وسيلة لاستعمالها من أجل الهيمنة المطلقة على مجلس النوّاب. ما يؤدّي إلى إنتاج مجلس نيابي ليس فيه معارضات فعليّة كالمجلس الحالي، فحزب الكتائب مثلاً هو من قوى النظام الطائفي ويعارض للدخول إلى ملكوته فقط، وكذلك حال حزب الوطنيين الأحرار والنوّاب المستقلّين، فهؤلاء باحثون عن مواقع في المؤسسات «المطيّفة» للحفاظ على المقاعد النيابيّة، ومعارضتهم لا أثر لها لأنّهم أقليّة لا يُحسَب حسابها.

لكنّ الرأي الثاني يرى إمكانية أن يحدث اختراق كبير في الانتخابات المرتقبة لمصلحة قوى من النظام الطائفي، تمتلك أهميّة «نصب» حياة سياسية، لقدرتها على التشكّل وأداء دور مراقبة لعمل المؤسسات الدستورية بطريقة نظامية، الأمر الذي يخفّف من حجم الفساد السياسي، وبالتالي الإداري والقضائي. فالمراقبة المترابطة على وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الجمعي، لا تسمح بالتمادي في نهب المال العام وتحويل لبنان إلى كسارات ومزابل وساحات للقتل والانتقام وترك الإرهاب يعبث من دون محاسبة فعلية.

والمعتقد أنّ هذه القوى المعارضة قد تتمكّن من حيازة نحو ثلاثين في المئة من المقاعد، أي نحو تسعة وثلاثين نائباً، بوسعهم دفع الحياة السياسية إلى أقصى مفاعيلها على الطريقة الغربية. فالأحزاب في العالم الغربي متشابهة بولائها للنظام الليبرالي والقطاعات الاقتصادية الكبرى، لكنّها تتنافس عبر وسائل الإعلام على كلّ شيء تقريباً، وتقدّم صورة ملأى بالحيوية للحياة السياسية في مجتمعاتها.

وإذا ما استثنينا قوى السلطة في التيار الوطني الحر وحزب المستقبل وحركة أمل والحزب التقدّمي الاشتراكي والقوّات اللبنانية وحزب الله، فإنّ كلّ القوى السياسية الأخرى لن تكون بالتالي في جنبات المؤسسات الدستورية، ولا يتبقّى لها إلا إنشاء معارضة دقيقة ترصد كلّ حركة للاتفاق العام بأدقّ تفاصيلها، فتحدّ من الهدر وتكسب جمهوراً من الطوائف كلّها.

فهل هذا ممكن؟ هناك رأي ثالث يعتقد أنّ بعض القوى الأساسية اشترى صمت الناس بالإعلان عن قانون انتخابي، وأرجأ الانتخابات 11 شهراً لأنّه غير مهيّأ لإجرائها حالياً، وقد يرجئها لأوقات بعيدة إذا كانت ظروفه لا تسمح له بالاستئثار بالانتخابات. فهناك مَن يقول إنّ هذا التأجيل متّفق عليه في المفاوضات بين رئيس الحكومة الحريري والوزير جبران باسيل، التي سبقت نجاح العماد عون لرئاسة الجمهورية وأدّت إليها، والذريعة تذهب إلى أنّ حالة حزب المستقبل في البقاع والشمال مضطربة نتيجة بروز قيادات جديدة أكثر سعودية وتطرّفاً، وأوضاعه في العاصمة متراجعة بسبب التقصير في حركة توزيع الأموال.

لذلك، يعبّر هذا الإرجاء عن حاجات حزب المستقبل أكثر من تلك الضرورات التقنية التي لا ينفكّ وزير الداخلية يتذرّع بها للهروب إلى الأمام.

تدفع هذه المعلومات نحو الاعتقاد بقدرة القوى السياسية على تأجيل الانتخابات إلى مرحلة تكون قد استعدّت لها بمختلف الإمكانات المادية والتحشيد المذهبي والطائفي، وتدمير مراكز القوى المضادّة وإعادة نصب علاقات عميقة مع قوى الإقليم والمواقع الدولية. أيّ على العكس ممّا ادّعاه الوزير باسيل حول رفضه الإجابة على سفير دولة غربية يسأله عن قانون الانتخاب، ولن نصدّق إلا إذا كان هذا السفير ممثّلاً لإمارة موناكو أو دولة ألبانيا؟

لبنان، إذاً أمام هذه الاحتمالات الثلاثة، وإذا ما جرى استبعاد أي تأجيل مستقبلي بعد الإرجاء الحالي إلى منتصف أيار المقبل، فإنّ احتمال تشكّل حياة سياسية ضمن النظام الطائفي ليست ببعيدة، لأنّ أكثر من ثلاثين مرشّحاً قد يتسلّلون من خلال النظام النسبي في الانتخابات إلى الندوة البرلمانية، ويتعاملون مع أحزاب من القوى السياسية الأساسية لم تجد بدورها ما يؤمّن كامل مصالحها في لعبة التحاصص، فتستاء على طريقة حزب الكتائب، على سبيل المثال، وتذهب نحو المعارضة التي تصبح وازنة وقادرة على المجابهة من دون خوف.

وميزة هذه المعارضة أنّها تتمّ من خلال النظام الطائفي وليس من خارجه، إلا أنّ لها أدواراً في التأسيس المستقبلي لانتخابات خارج القيد الطائفي، وذلك من خلال دورها المراقب لحركة النظام الطائفي وفضح فساده، ما يؤدّي إلى تشكّل «الرأي العام». هذه القوة المغيّبة نتيجة تضافر القوى الأساسية مع الإعلام والدين في قارب واحد في ظلّ غياب كامل للمعارضة.

فعندما تتشكّل معارضة داخل النظام الطائفي، فإنّها تساهم بشكل تدريجي في فضح ما يجري على مستوى مؤسسات النظام السياسي، فتسهّل الطرق لتشكيل الرأي العام أو قوى المراقبة الأساسية المؤسسة عادة لحياة سياسية فيها موالاة ومعارضة وإعلام، تسمح للأحزاب بالتحوّل وسائط للدفاع عن مصالح الناس عن طريق كبح تحويل الدولة مصالح للسياسيين.

إنّ معظم هذه الآراء تؤكّد الحاجة لانتخابات سريعة، قد لا تسمح بالحدّ من الطغيان، لكنّها قد تؤدّي إلى التقليل من كوارثه والتأسيس المستقبلي للبنان المدني الحديث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى