أزمة الخليج وملامح تغيّر الثوابت الأميركية في المنطقة

د. سمير الخطيب

لقد خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية محتفظة ببنيتها التحتية سليمة معافاة وقفزت مع انهيار المنظومة الاشتراكية إلى المركز الأول في العالم إلا أنها كانت وما زالت أكثر خطراً على السلام من الإرهاب لأنها استخدمت العنف بمختلف الوسائل الإجرامية التي اخترعها الإنسان، وعبّرت بذلك عن أكثر الجوانب السلبية غير المتحضّرة في تاريخ البشرية واستخدمت كلّ ما توصّلت إليه من تكنولوجيا في قتل البشر، وخير دليل على ذلك أنها العدو الأول لكثير من الشعوب والأمم والدول، وتاريخ هذه الدولة منذ نشأتها عام 1776 إلى الآن هو تاريخ حروب حيث أمضت أكثر من 224 عاماً، أيّ ما يعادل 93 من عمرها، في الصراعات والحروب، ولم يحكم رئيس في تاريخ أميركا إلا وكان رئيس حرب، في المقابل 93 من تاريخ الملوك والأمراء والمشيخات العربية هو خيانة ومهانة وما يجري في فلسطين والعراق وسورية وليبيا شواهد على ذلك.

لقد غيّرت الولايات المتحدة الصراع بين اليمين المتطرف الأميركي واليمين المتطرف الإسلامي إلى دعم معارضي الأنظمة لخلق حالة من الإرباك في هذه الدول، وبالتالي سهولة التحكم بها دون الحاجة إلى أيّ تدخل عسكري مباشر، فهل نحن أمام سياسة جديدة في الشرق الأوسط؟ وهل تغيّر أسلوب تفكير الولايات المتحدة في المنطقة؟ وهو الأسلوب الذي قام خلال عشرات السنين على ثوابت أساسية…

أولاً : منع نشوب أيّ حرب إقليمية شرق أوسطية وذلك بالاعتماد على التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني على أن تبقى القوة الغالبة دائماً هي أميركا وحليفتها «إسرائيل»، كلّ الدلائل تشير إلى انقلاب في هذه السياسة من خلال التحالف «الإسرائيلي» الخليجي الأميركي لمواجهة إيران وربما إشعال فتيل حرب في المنطقة لا أحد قادر على التنبّؤ بنتائجها.

ثانياً: لقد استخدمت الولايات المتحدة من سمّتهم «عرب الاعتدال» لطرح مبادرات وعقد مؤتمرات وتقديم أفكار لتسويات حول عملية السلام، إلا أننا نشهد اليوم بداية انقسام وخلافات ضمن هذه الدول، وبالتالي سيشهد موضوع القضية الفلسطينية مرحلة انهيار وتصفية جديدة حتى لأفكار «عرب الاعتدال» رغم أنها تصبّ في خدمة الكيان الصهيوني بالأساس.

ثالثاً: الإصرار من قبل أميركا على عدم السماح للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التدخل بعملية التفاوض المباشرة في منطقة الشرط الأوسط فلسطين واقتصار دورها على استعادة الهدوء فقط.

رابعاً: فصل القضية الفلسطينية عن نطاق الخليج لأنّ التعامل الاستراتيجي مع الخليج من اختصاص البيت الأبيض وزيارة ترامب الأخيرة للخليج وجمعه للغلة الأضخم في تاريخ العلاقات السعودية الأميركية على هيئة جزية، يؤكد استمرار أميركا بهذا النهج بينما القضية الفلسطينية هي من اختصاص الخارجية الاميركية و»سي أي آي» حسب ما تقتضيه الظروف.

أما التوصيات التي كانت تقدّم لكلّ رؤساء أميركا بخصوص «إسرائيل» هي عليكَ أن تعرف أنّ «إسرائيل» هي الركيزة الأولى لضمان أمن المنطقة، وعليكَ أن تضمن لها تفوّقاً نوعياً على كلّ الأطراف العربية المجتمعة .

إنّ ارتفاع منسوب التوتر بين مختلف الأطراف على مستوى المنطقه بكلّ تعقيداته التركية الخليجية الإيرانية المصرية السورية ودخول الأصيل بدل الوكيل بشكل مباشر في الصراع يبدو أنه سيأخذ المنطقة إلى زلزال ومرحله جديدة ومختلفة وأخطر ما في الموضوع سقوط الخطوط الحمر ومن الواضح أنَّ أهمّ أسباب تفاقم الأزمة في الخليج هو وقوف قطر إلى جانب إيران ومحاولتها إجهاض ما تخطط له السعودية وزيارة وزير خارجية قطر إلى إيران قبل زيارة ترامب بأسبوع ولقائه قاسم سليماني سرياً والتعاون القطري الإيراني اقتصادياً بموضوع الغاز، وربما هذا التعاون ساهم أيضاً في التأثير على المسلحين المحسوبين على السعودية في سورية كلها أمور صعّدت من الخلاف الخليجي وطوّرته.

ما أريد قوله إنّ أيّ دوله تجرؤ على معارضة الرغبة الأميركية ستكون الغرف السوداء بانتظار الردّ عليها، فكلّ الأدوات المطلوبة لهذا الردّ جاهزة، فهل بدأت مرحلة الربيع الدموي في الخليج وصدق المثل القائل طابخ السم ذائقه .

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى