دراماهم و رمضان
نعيم ابراهيم
كالعادة، تحفل الأعمال الدرامية التي تعرض خلال الموسم الرمضاني بكثير من المتناقضات في النصوص والأخراج وحضور الممثلين. يضاف إلى ذلك سيطرة الجرأة في مشاهد العري والحركات الإباحية في عدد من هذه الأعمال، وكأنّ رمضان أضحى موسماً لكشف خرائط الأجساد البشرية في الفراش والشوارع وأماكن العمل والأخرى المخصصة للّهو والعبث، تحت عناوين الانبساط والتسالي والابتعاد عمّا تتركه الحروب والأزمات العربية والاقليمية والدولية من أجواء الحرمان والخوف والقلق.
المهم، أنّ «الربيع العربي» زاد الطين بلّة، وراح كثيرون من أصحاب الدراما يتوهّمون أنهم يقدّمون كل ما هو نفيس في عالمهم خدمة لقضايا الإنسان العربي متشعبة المضامين السطحية منها والتافهة نظراً إلى أن العقل العربي توقف عن العمل إلا في ما ندر، ومن نفد بجلده نراه اليوم في المغتربات بين الضياع، وآخرون أبدعوا فأثروا الحضارة الغربية بكنوز علمية وأدبية وطبية ربما لم تعهدها من قبل.
بالعودة إلى واقع الدراما العربية في رمضان الحالي ومتابعتها، نلمس حقيقة أزمة الحدث والصورة في معظمها، وكأنها تحرث في الماء حيث كل ما فيها أصبح نمطياً، ويكرّس العري الفكري والجسدي لدى الذكر والأنثى معاً، كاشفاً المستور في كلّ شيء.
إذن، هي دراما لتكريس الخلاف العربي ـ العربي ونشر الفساد والانحلال الخلقي، إلا من رحم ربي. دراما صنعت على الأسرّة في غرف النوم والبارات وأماكن الدعارة واللهو وحمّامات السباحة والشواطئ. وإلا، ماذا يعني أن تعرض مشاهد العناق والتقبيل وممارسة العلاقة الحميمية بين ممثل وممثلة على السرير؟ والأنكى من ذلك أن بعضهن يصرّحن أنهن قاسين كثيراً في تصوير مثل هذه المشاهد.
ولا ننسى كيف تسلّط الكاميرا بأمر من المخرج والمنتج على الأماكن الساسة في جسد المرأة داخل غرف النوم وأماكن العمل والشارع، لا لشيء، إلا لأنها العنصر الأبرز في تحقيق تسويق أكثر للحصول على أرباح مادية جمّة. هذا عدا عن السطحية في تناول المواضيع، ومحاكاة هموم الانسان وكل ذلك تحت شعار الجمهور عايز كدا ، ولا يدري هؤلاء سواء عن قصد أو حسن نيّة أنهم يخرّبون الذائقة لدى المتلقّي ويدمّرون إنسانيته في كلّ مراحل العمر.
في المحصلة، إن غزو الدراما العربية الموسمي في كل رمضان وإعادة عرض الاعمال الدرامية على مدار السنة، يمكن تشبيهه بغزو الاعداء دول وأحزاب وفصائل وميليشيات ضد الارض والانسان العربيين مستهدفاً كل القيم الانسانية الراقية. ومن لديه أدنى شك في ذلك، أدعوه إلى جولة في الشوارع والاماكن العربية ليلمس حقيقة الدراما العربية وعموم جبهات الفنّ الهابط والسفيه. وما أحوجنا اليوم لإدراك حقيقة ما قاله شاعر عربي ذات يوم:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا