العبرة في الخواتيم…
علي بدر الدين
بعد مخاضٍ عسير، وتجاذبات سياسية امتدّت لسنوات أنجبت الطبقة السياسية الحاكمة قانوناً انتخابياً دستورياً يرضي مكوّناتها، ويخدم مصالحها، ويعيد إنتاجها، ما يتيح استمرارها في الإمساك بالمواقع السلطوية والإدارية والخدماتية في طول البلاد وعرضها. هذه الطبقة تعلم جيداً أنّ مولودها الجديد هو من صناعتها وفبركتها ويعاني تشوّهات نتيجة ولادته القيصرية في الربع الساعة الأخيرة وفق التقاليد السياسية اللبنانية المعهودة للحؤول دون الوقوع في الفراغ التشريعي.
ولأنّ وجوده أقلّ ضرراً وأكثر فائدة من عدمه، وخاصة أنه بوابة الولوج الوحيدة المتبقية للتمديد للمجلس النيابي الذي حصل فعلاً.
ولكن، قبل أن يجفّ حبر التواقيع الرسمية على القانون وإعطائه الصبغة الدستورية والقانونية والشرعية، ونشره في الجريدة الرسمية، يحاول البعض التبرّؤ منه ويرفض أبوّته في حين يعتبر البعض الآخر بأنه ليس القانون الأفضل، وقد يخضع لغربلة وتعديلات إضافية، والغريب في الأمر أنّ قوىً سياسية مشاركة في السلطة وفي القانون، تدّعي بأنها لم تطلع على مضمونه، بل أكثر من ذلك هي غير قادرة على فهم واستيعاب آلية تطبيقه وشرحه لبيئاتها الحاضنة والأنصار، وبأنّ موافقتها عليه كانت تلبية لإدارة الزعماء والمرجعيات، لأنّ مصلحتها تكمن في هذا القانون رغم شوائبه الكثيرة وافتقارها إلى وحدة المعايير، وتمييزه الفاضح والواضح بين الدوائر والأقضية خاصة في ما يتعلق بالصوت التفضيلي، هذه البدعة الطائفية والمذهبية، كما بدأت تثار الشكوك حول المهلة الزمنية الممنوحة لإنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة. إضافة إلى بروز عوائق وإنْ كانت تفاصيل صغيرة والشيطان يكمن عادة في التفاصيل قد تعرقل الاندفاع باتجاه إجراء الإنتخابات في الزمن المحدّد في أيار من العام 2018. من دون الرهان عليه رغم إيحاء الطبقة السياسية السلطلوية بالجدية والمسؤولية في تعاطيها مع الملف الانتخابي، والتي لا تخفي أنّ القانون الجديد بالنسبة لها هو النموذجي والأنسب والأفضل، لأنّ أيّ قانون آخر تفوح منه رائحة الحرية والديمقراطية والتمثيل الصحيح لن يكون لصالحها، وقد يسلبها الامتيازات والمكتسبات التي جنتها وراكمتها على مدى عقود. وهي بالتالي لن تفتح المجال لأحد أن يصادرها ويقتحم ملكوتها وأبراجها المشيّدة والمتخمة بالثروات والتي من خلالها تتحكّم بمفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والمالية والإدارية، ويكفي أنها بقوة السيطرة تمارس هوايتها المفضلة في التمديد للمجلس النيابي المرة تلو الأخرى، والحبل على الجرار.
الولادة القيصرية للقانون وما أعقبها من مواقف متناقضة لقوى سياسية وحزبية فاعلة في إنجازه تطالب بتعديلات وإصلاحات إضافية تؤشر للوهلة الأولى بأنه لن يكون مؤهلاً لإجراء الانتخابات، وقد لا تكتب له الحياة في ظلّ تطوّرات قائمة وداهمة قد تطيح به، خاصة أنه واقف على شفير هاوية، ويفتقد إلى الشرعبة الشعبية لأنه ليس هو القانون الذي يلبّي طموح اللبنانيين في الوحدة والاستقرار، بل على العكس قد يعيدهم إلى المربع الأول للأزمة، وإلى البحث من جديد عن قانون آخر.
وهذا يعني أنّ التمديد للمجلس سيبقى خياراً بديلاً وسيفاً مسلطاً على الحياة السياسية، بانتظار القضاء والقدر.
قد يرى البعض أنّ هذه القراءة الموجزة، مبالغ فيها وتنضح بالتشاؤم والسوداوية، أو مجرد أوهام لا صلة لها الواقع والمستجدات، وكما يقال «المكتوب يُعرف من عنوانه» «ومن جرّب المجرّب كان عقله مخرّب»، مع أنه من حق اللبنانيين أن ينعموا بالاستقرار الشامل والدائم، وأن يعيشوا في ظلّ دولة قوية قادرة وعادلة، تحافظ عليهم وتحميهم وتصون حقهوقهم المكتسبة وحرياتهم، ولا تصادر قرارهم، وأن يكونوا شركاء في بنائها على قاعدة المواطنة الصحيحة، لهم حقوق وعليهم واجبات، وأن يظلوا بمنأى عن الصراعات الطائفية والمذهبية والمصلحية لهذا الزعيم أو ذاك، وان يتمتعوا بحقوقهم كاملة على أسس العدالة والنزاهة والكفاءة.
إنّ ما يقلق اللبنانيين هو المسار السياسي للطبقة السياسية الذي أدّى إلى حروب وضحايا ودمار وانقسامات طائفية ومذهبية، وأوضاع اقتصادية سيئة وديون مالية متراكمة فاقت المائة مليار دولار وتعميم ثقافة الفساد والصفقات والسمسرات ووضع اليد والسيطرة على كثير من مرافق الدولة.
والذي زاد من قلقهم وخوفهم من المستقبل الآتي إنتاج قانون انتخابي ملغوم لا يبشر بقيامة الوطن الذي يحلمون فيه مع أنهم تفاءلوا كثيراً بإنجازات دستورية تحققت ومنها انتخاب رئيس جديد للجمهوية وتشكيل حكومة جديدة، وقانون انتخاب حظي برضى المكونات السياسية، غير أنّ التمديد للمجلس نغَّص عليهم فرحة الإنجاز.
ومن «الإيجابيات» التي قد يعوّل عليها اللقاء الذي استضافه القصر الجمهوري أمس والذي اقتصر حضوره على القوى والأحزاب المشاركة في السلطة والممثلة في الحكومة ومجلس النواب… وتبقى العبرة في الخواتيم وفي تنفيذ المقرّرات.