الإرهاب وإيران والإسلام السياسي: عناوين أميركية جديدة للصراع

د. رائد المصري

دعونا لا نبالغ كثيراً في الحديث عن التشقُّق الخليجي، بما حصل منذ قرابة الشهر بين قطر من جهة، وكلٍّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، حيث حُبِّرت أقلام كثيرة ودُبِّجت كتابات وأوراق وتحليلات في انهيار هذه المنظومة الخليجية وفقدانها أوراقها المالية والسياسية في إدارة الصراع في المنطقة في سورية والعراق ولبنان واليمن، وهو الأمر الذي يُمكن أن نجد بعض أوجُهه من خلال التراجُع عن سقوف التصعيد والمطالب بالتدخُّل لتغيير النظام في سورية، أو التسليم بالواقع والانتصارات التي حصدتها الدولتان العربيتان السورية والعراقية في حربهما التي شنَّها الاستعمار الغربي علناً، والمغلَّفة بستار الإرهاب والتكفير وأدواته القاتلة.

الحاجة الاستراتيجية الأميركية لدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية كبيرة. وهذه الحاجة تجعلها ساعية حثيثاً لمنع هذا التصدُّع بين دول مجلس التعاون، بل ومن الصعب أن تترك المجال الحيوي في منطقة الشرق الأوسط مفتوحاً لإيران ولروسيا بشكل كامل، خصوصاً بعد الانتصارات الكبيرة التي حقَّقها هذا التحالف في رسم معادلات الخطوط الحمر من طهران الى بيروت. وأبرز تجلياته وأوضحها تمثَّل في وصل الحدود البرية بين العراق وسورية والتسليم الأميركي بذلك، وتتوَّج بإطلاق الصواريخ الإيرانية ناحية منطقة دير الزور لضرب المجاميع الإرهابية. وهو ما يعني فعلياً بأنَّ هذا المسار مغطَّى جوياً ومحمياًّ بشكل كبير، وأخيراً كان خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السور الواقي لكلِّ مفاعيل هذه الانتصارات الاستراتيجية، وحديثه بأنَّ أيَّ حرب مع الكيان الصهيوني سيدفع بمئات آلاف المقاتلين الى الجنوب السوري والحدود الفلسطينية وتوسيع المواجهة مع أكثر من دولة وتحالف، وهو ما أقْلق الكيان بالطبع وجعله يقوم بالاعتداءات وبالرد بشكل هستيري في الجولان المحتل وقصفه مواقع عائدة للجيش العربي السوري التي تقاتل التنظيمات المتطرفة المدعومة والمطبَّبة إسرائيلياً والمموَّلة أميركياً وخليجياً.

بالعودة الى الحديث عن السياسات السعودية ومسار الأزمة الداخلية فيها من انتقال سلس للسلطة بتولِّي محمد بن سلمان كلَّ مقاليد الحكم الفعلية والمقرِّرة في الدولة، وإقصاء محمد بن نايف رجل أميركا الأول فيها. ورأينا كيف أنَّ الحديث عن حراك سعودي داخلي رافض لهذا الانتقال سرعان ما تبخَّر واندثر، لا سيما أنَّ العقل الجمعِي للمجتمع السعودي لا يزال رافضاً لأيِّ متغيِّرات تُخضِعُ مستقبله للمجهول، وهو يراقب ما يجري حوله في دول المنطقة من عدم استقرار وتصدُّعات للمجتمعات وتخريب فيها، ناهيك عن العقلية والموروث الديني المُستحكِم في البيت والعوائل السعودية، والذي يمنع أيَّ تفكير في الخروج بما يسمونه الخروج عن الطاعة لولي الأمر. وهو أمر لن نتحدث عنه كثيراً لأنه متشعِّب وطويل.

إذن هي مرحلة من الانتقال والتسليم السلس تمَّ وانتهت للعودة بالحديث عن الأزمة مع قطر ومفاعيلها والشروط الصعبة والمجحفة بحقِّ هذه الدولة الصغيرة التي يُراد لها الخضوع التام للإرادة السعودية الإماراتية. فهذا الأمر سيبقى ضمن ستاتيكو جامد نسبياً بانتظار بلورة رؤية أميركية بدأت تتشكَل لإنهاء مفاعيل هذا التوتُّر بالبحث عن تلبية بعض الطلبات السعودية، بعناوين قطع الصِّلات القطرية بعمليات تمويل الإرهاب وقطع علاقاتها مع إيران ومكافحة مشروع الإسلام السياسي التي تبنَّته منذ الأيام الأولى لما يُسمَّى بالربيع العربي.

هي عناوين لمرحلة صراع جديدة أخذتها على عاتقها الإدارة السياسية الجديدة في أميركا لتنفيذها بأيادٍ سعودية إماراتية، وذلك تحت الغطاء والستار القطري أو من خلفه، وهنا نستطيع أن نفهم لبَّ وجوهر الأزمة في الخليج وعدم السَّماح الأميركي بالخروج عن الإطار المرسوم لهذه المواجهة، بل المسموح هو إعادة التموضع السياسي وهيكلة وتنظيم التحالف في مواجهة الثالوث نعني به بحسب الرؤية الأميركية الإرهاب وإيران والإسلام السياسي .

وفي مجمل القول نخلص لنقول بأنَّ القضاء على الإرهاب في المنطقة تتكفَّل به قوى محور المقاومة في سورية وإيران وروسيا، وأثبتت كلُّ المعارك جدوى هذه المواجهة وفعاليتها في العراق وسورية خاصة بعد الهجوم الإرهابي التي طاول إيران مؤخراً، وهو ما يعني أنَّ الحديث عن تلازم الإرهاب وإيران من وُجهة النظر الأميركية السعودية تصبح فاقدة معناها وهو ما حصل بالفعل.

أما بالحديث عن مكافحة مشروع الإسلام السياسي والتي تطالب هذه الدول مجتمعة قطر بطرد كوادرها من الدوحة وتقويض عملها، فإن الإسلام السياسي أو مشروع الإخوان المسلمين غالباً ما تعرَّض تاريخياً لمثل هذه المضايقات والطرد والملاحقات والاغتيالات. وهو الأمر الذي خضعت له الدوحة، وبدأت بتنفيذ مفاعيله بترحيل القيادات الإخوانية، لكن الهدف الباطني الأميركي من هذه المطالب عبر الواجهة السعودية هو ضرب ما تبقَّى من مشروع المقاومة الفلسطينية تمهيداً للتصفية، ونزع أوراق القوة التي تمتلكها إيران في صراعٍ تعتبره وجودياً وفي صلب عقيدتها وإيديولوجيتها الإسلامية، وطمس معالم إحياء يوم القدس في كلِّ عام على امتداد الساحتين العربية والإسلامية، لكون الغرب الاستعماري بمجرَّد فشله ومشروعه وشعوره بأنَّ مشروع الإسلام السياسي هو امتداد للصراع الإيديولوجي بحوامل الثورة الإسلامية في إيران، وتحقيق منجزات سياسية وميدانية تظهَّرت مفاعليها على الأرض السورية والعراقية، وبما يهدِّد الكيان الصهيوني وبدء فرض الحصار عليه أوروبياً وعربياً، شرعت الولايات المتحدة لاتخاذ شعار الإسلام السياسي كمُنبِتٍ للإرهاب وإلصاقه بإيران واتهامها بزعزعة الاستقرار في المنطقة..

هي أهداف باتتْ مكشوفة بكلِّ الأحوال، فالانتصارات آخذة طريقها في سورية وتثبيتِ دعائم الدولة الوطنية الكاملة، وفي العراق كذلك، لكن تبقى بعض المنغِّصات موجودة والخشية من إعادة التراكم المالي وفوائضها المتأتية من جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز لاستخدامه مجدَّداً في تنفيذ المشاريع الغربية والإقليمية، وفي إعادة إعمار ما هدَّمته حروبهم في المفاوضات والاستثمارات والبناء، والدخول من شبَّاك التسويات لفرض حلول مركبة ومحمَّلة على إطاراتٍ طائفية ومذهبية وإثنية، تُضعِف مفاعيل قرارات دول المشرق، وتهدِّد في كلِّ مرة بفرط نسيجها الوطني والمجتمعي.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى