واشنطن تدخل على الخط بتهديد دمشق بذريعة هجوم كيميائي… وموسكو تحذر جنبلاط ينصح قطر ويُحرج الحريري… وحملة على كلام نصرالله في حال الحرب
كتب المحرّر السياسي
فيما تترسّم حدود القدرات الإقليمية والدولية للحروب الدائرة وتقترب من خط النهايات، تبدو السعودية تقترب من استنفاد مهلة الأيام العشرة التي منحتها لقطر لقبول الشروط التي تتضمّن إغلاق القاعدة العسكرية التركية وإقفال قناة «الجزيرة» وقطع العلاقة بكلّ من إيران وحركة حماس، من دون أن يبدو أنّ شروط الحرب على قطر متاحة، ويصير سقف الممكن هو ما هدّدت به الإمارات ومضمونه إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي، وقد استعدّت قطر للأمر، بتحالفات إقليمية من طهران إلى انقرة، ما يفتح الباب على انتقال التجاذبات الكبرى إلى داخل الخليج ودوله ومجتمعاته بعدما بقي بعيداً عنها لسنوات، كما قرأت «الفايناينشل تايمز»، في المقابل استنفدت «إسرائيل» حدود الرهان على قدرتها تغيير معادلات المعارك جنوب سورية، وبدأ القلق يساورها مما ينتظرها مع اقتراب نهاية داعش في سورية والعراق، وما عليها أن تتوقّعه في المواجهات المقبلة مع تقدّم حزب الله وتنامي قوته وتوسّع دائرة تحالفاته، وتلويحه بفتح الأجواء لآلاف المقاتلين في أي حرب مقبلة.
وحدها تركيا بقيت تحاول تثبيت مكانتها الإقليمية من بين قوى حلف الحرب على سورية، عبر تموضع في منتصف الطريق أتاح لها الشراكة في مسار أستانة كراع مشارك مع روسيا وإيران من جهة، وبنشر قوات لها في الخليج في قاعدة عسكرية في قطر من جهة ثانية، بينما يتزايد هاجسها من الخصوصية الكردية المتنامية على حدودها برعاية أميركية وسط علاقة متوترة بواشنطن، مع الإعلان عن إنشاء قاعدة اميركية في تل أبيض على الحدود السورية التركية ليظهر تهديد تركي بالمواجهة، باعتبار القاعدة حماية للخصوصية الكردية العسكرية، بينما فشلت واشنطن في محاولات التقدّم على محاور عسكرية تحول دون بلوغ الجيش السوري لخط الحدود مع العراق وملاقاة الحشد الشعبي، خصوصاً في نقطة البوكمال جنوب دير الزور، فلجأت إلى تركيز قواتها على الحدود التركية بدلاً من الجماعات الكردية وحماية ظهرها من الأتراك الذين حرّكوا درع الفرات التابع لهم نحو المواقع الكردية. وهدف واشنطن طمأنة الأكراد من الخطر التركي لزجّهم من محاور الحسكة نحو جنوب دير الزور بأمل قطع طريق الجيش السوري نحو البوكمال.
انسداد الطرق أمام تغيير المعادلات أظهر على السطح تهديداً أميركياً لسورية بذريعة اتهامها بالتحضير لضربة كيميائية، وهبّت فرنسا وبريطانيا لإعلان الاستعداد للمشاركة، والقصد كما تقرأه موسكو هو التحضير لضربة لسورية تعدّل الموازين التي فشلت واشنطن بتعديلها، خصوصاً في مستقبل الحرب على داعش والدور السوري المستقبلي المحوري فيها في دير الزور من جهة، ومستقبل الحدود السورية العراقية من جهة مقابلة. وفيما حذّرت موسكو واشنطن من المغامرة مجدداً بفبركة حادثة على طريقة خان شيخون لتبرير ضربة قالت إنها جاهزة للاطلاع على أي معطيات جدية تدعيها واشنطن للعمل معاً في التحقيق بمضمونها، نافية أن تكون قد تلقت اي إيضاحات أميركية لإثبات مزاعمها.
في هذا المناخ المتوتر دخل لبنان هدوءاً نسبياً مع توافقات بعبدا واستعداد المجلس النيابي والحكومة لجداول اعمال مالية، بينما بقي التوتر في ملفين حاضرين، الأول مدى بقاء لبنان محايداً عن الصراع السعودي القطري في ضوء كلام النائب وليد جنبلاط الذي بدا واقفاً مع السعودية ناصحاً قطر بالابتعاد عن إيران، مسبباً الإحراج لرئيس الحكومة سعد الحريري الموجود في السعودية، والثاني الحملة التي بدأت طلائعها بتصريحات ومواقف تناولت كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن الاستعداد لاستقبال آلاف المتطوعين عبر الحدود والأجواء في حال وقوع حرب جديدة، وتجاهلت الأصوات المنددة باسم السيادة بكلام السيد نصرالله أنه مشروط بعدوان إسرائيلي يفترض أن يكون منع حدوثه وردعه ومن ثم صدّه وإفشاله في حال وقوعه، هما الهمّ الأول لكل دعاة السيادة وأدعيائها.
مجلس الوزراء إلى الأسبوع المقبل
تراجع النشاط السياسي في فرصة عيد الفطر التي انتهت أمس، ومن المتوقع أن تعود الحركة السياسية الى نشاطها وزخمها في المقبل من الأيام بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من المملكة العربية السعودية التي يقضي فيها إجازته، بينما يترقب الوسطان السياسي والشعبي نتائج لقاء بعبدا على صعيد تنفيذ بنود الوثيقة التي وُقِعت بإجماع الحاضرين في اللقاء للانطلاق الى الورشة الحكومية والتشريعية لمعالجة الملفات العالقة، وأبرزها إقرار مشروع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب في المجلس النيابي وإقرار خطة الكهرباء والتعيينات في بعض المواقع الأمنية والإدارية والتشكيلات القضائية في مجلس الوزراء.
وإذ لم يدعُ رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، بسبب سفر الحريري الى الخارج، أوضحت مصادر وزارية لـ«البناء» أنّ «سبب عدم عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم ليس وجود خلافات سياسية، بل لوجود رئيس الحكومة في الخارج ومصادفة عطلة عيد الفطر، حيث لم يتسنّ لرئيس الحكومة ولا للوزراء تحضير الملفات وجدول أعمال الجلسة».
وتوقعت المصادر أن يبتّ مجلس الوزراء بملف استئجار بواخر الكهرباء بعد إنهاء هيئة إدارة المناقصات تقريرها بهذا الشأن، كما توقّعت إدراج ملف التعيينات الأمنية في قوى الأمن الداخلي وفي وزارتي العدل والخارجية على رأس جدول أعمال الجلسة المقبلة على أن تكون من أبرز الملفات الخلافية بين مكوّنات الحكومة، لكنها أوضحت أن «لقاء بعبدا والتوافق الرئاسي والسياسي على الورشة الحكومية والتشريعية سيذلّل العقد، خصوصاً أن العنوان الوفاقي في بعبدا هو احترام الدستور والحفاظ على المناصفة في وظائف الفئة الأولى فقط واعتماد الكفاءة والاختصاص في وظائف الفئة الثانية».
.. و«التشريعية» منتصف تموز
على الصعيد التشريعي، رجّح رئيس المجلس النيابي نبيه بري انعقاد الجلسة التشريعية الأولى في ظل العقد الاستثنائي الجديد بين العاشر والخامس عشر من تموز، للبحث في جملة من البنود وفي مقدمها سلسلة الرتب والرواتب.
وأشارت مصادر كتلة التنمية والتحرير الى أن جدول الأعمال الذي كان مطروحاً وتعطل العمل به بسبب القانون الانتخابي هو سلسلة الرتب والرواتب وهناك كم هائل من المواضيع.
وتوقعت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن يقر المجلس النيابي مشروع الموازنة خلال 15 يوماً وإذا لم يتم ذلك، فقد يتحوّل ملفاً خلافياً طويلاً في مجلس الوزراء لوجود تعقيدات عدة في المشروع، مشيرة الى ضرورة إنجاز الموازنة بأسرع وقت ممكن لتحديد السياسة المالية للحكومة للشروع بتنفيذ المشاريع الإنمائية والتنموية والاقتصادية المطروحة، وأوضحت أن «سلسلة الرتب والرواتب ستكون أولوية في الجلسة التشريعية المقبلة وبالتالي ستقر من ضمن الموازنة ولن تكون منفصلة عنها». وأكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أنه لا يجوز ولا يُقبل بعدم إنصاف المتقاعدين في مشروع زيادة سلسلة الرتب والرواتب ضمن السقف المقترح.
لا تعديلات على قانون الانتخاب
واستبعدت المصادر الوزارية إدخال أي تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب رغم دعوات ومطالبات البعض، ولفتت الى أن «إدخال النسبية لأول مرة في قانون الانتخاب نقلة نوعية في الحياة السياسية، رغم أن الصوت التفضيلي وتصغير حجم الدوائر قد قلّلا من فعالية وأهمية النسبية الكاملة، لكن الذي تغيّر هو أن القانون النسبي حال دون طغيان الأكثريات وتهميش الأقليات السياسية والحزبية وأتاح المجال أمام الجميع للتمثيل في الندوة البرلمانية». وأشار الرئيس بري الى أنه «من المبكر الحديث منذ الآن عن التحالفات وأن هناك متسعاً من الوقت كي تتضح الصورة والحسابات عند الأفرقاء كلهم»، معتبراً أن «الانتقال إلى النظام النسبي من القانون الجديد سيفرض على هؤلاء الفرقاء معطيات جديدة».
ارتياح في بعبدا
ونقلت مصادر مقربة من بعبدا عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ارتياحه لمسار الأوضاع في البلاد، وطمأنته أمام زواره أن «البلد بات محصناً سياسياً وأمنياً ووزارياً وإدارياً الى حدٍ كبير، وأننا نعيش مرحلة جديدة من الوفاق، وتأكيده أن «بنود وثيقة بعبدا وضعت على قطار التنفيذ والتوافق السياسي مستمرّ والتنسيق بين الرؤساء والقيادات السياسية بشكل متواصل». وأكد أن «المرحلة الفاصلة عن إجراء الاستحقاق النيابي ستكون للعمل على معالجة الملفات والأزمات المالية والمعيشية».
ودعا رئيس الجمهورية خلال استقبالاته في بعبدا أمس، الى التضامن والوحدة بين مختلف الطوائف في المشرق العربي لمواجهة التحديات التي تعصف بدوله ومجتمعاته، والتي لا تفرّق بين أبناء هذه المجتمعات وطوائفهم.
حزب الله: الإنجازات تؤسّس لمرحلة جديدة
وفي سياق ذلك، رأى عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق خلال احتفال تأبيني، أنّ «الإنجازات السياسيّة التي حصلت أخيراً، تؤسّس لمرحلة جديدة من شأنها أن تفتح الأبواب أمام الإصلاح السياسي، ومعالجة القضايا المعيشيّة والاقتصاديّة»، معتبراً أنّ «اللقاء التشاوري الذي عُقد في بعبدا يشكّل فرصة حقيقيّة أمام جميع اللبنانيين لتعزيز الوحدة الوطنية وأخذ البلد إلى الاستقرار السياسي بعيداً عن المناكفات وافتعال المشاكل».
وفي الإطار نفسه، برز موقف عالي النبرة لعضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوّاف الموسوي الذي سأل: «إذا كان لخصومنا أن يتحالفوا ويتجمّعوا في تحالفات تمزج جيوشهم بعضهم ببعض، أليسَ من حقّ المقاومة وهي تواجه هذا الحلف أن تواجهه هي وحلفاؤها، ولذلك كما قاتلنا في سورية معاً من الحرس الثوري الإيراني إلى الحشد الشعبي العراقي إلى القوى السورية الشعبية إلى كلّ مناضل عربي وقف إلى جانب القيادة السورية، سنقاتل معاً في لبنان صفّاً وحلفاً واحداً إذا أقدم العدو على العدوان على لبنان».
وقال: «نحن لم نعُد وحدنا، فهذه المعركة إذا ابتدأها «الإسرائيلي»، سنكون بكلّ وضوح مع حلفائنا جميعاً في مواجهتها، والذي لديه أيّ إشكال بشأن السيادة وما إليها، عليه أن يخبرنا لماذا تحطّ الطائرات الأميركيّة في لبنان وهي في طريقها إلى القواعد الأميركيّة، وبالتالي انتهى الزمان الذي يرفع علينا البعض شعارات هو اخترقها واستباحها واستعان بالعدو ليغيِّر الواقع في لبنان عام 1982، ونحن مَن قاومناه».
عرسال: مقتل الجراجيري بعبوة ناسفة
على صعيد آخر، عاد الوضع الأمني في الجرود المتاخمة للحدود اللبنانية السورية الى الواجهة في ظل انفجار الخلاف بين الجماعات الإرهابية في جرود عرسال وخاصة بين ما يُسمّى «جماعة سرايا أهل الشام» وبين جبهة «النصرة»، والسبب وفق مصادر أمنية مطلعة لـ«البناء»، «رفض النصرة عودة النازحين السوريين إلى القلمون الغربي»، معتبرين ذلك ووفق المصادر نفسها «شكلاً من أشكال كشفهم أمنياً وبالتالي الإطباق عليهم بسهولة من قبل قوات حزب الله والجيشين اللبناني والسوري، وبالتالي القضاء عليهم».
وفي تطور أمني غير منفصل عن مجريات الأحداث تلك، فقد قامت مجموعة من «النصرة» بزرع عبوة ناسفة كبيرة على «طريق قرب مدينة الملاهي في وادي عطا بجرود بلدة عرسال إلى الشرق من وادي البقاع اللبناني»، يسلكه عادة قياديو «سراي أهل الشام» ولحظة مرور المدعو «أبو الرسم الجراجيري» وهو أبرز قيادي في تلك الجماعة «فجرت العبوة عن بعد أدى إلى قذف السيارة نحو 50 متراً وإصابة الجراجيري بجروح بالغة»، وفق مصادر خاصة لـ«البناء». ورجحت المعلومات نفسها «مقتل الجراجيري نظراً لقوة الانفجار وشدة عصف العبوة الذي أصاب السيارة مباشرة»، بينما أفادت مصادر أخرى أن الأخير لم يُصب في الانفجار.
والجدير بالذكر أنه في الآونة الأخيرة ظهرت خلافات حادة بين «سرايا أهل الشام» و«جبهة النصرة» على خلفية تصدّر «سرايا أهل الشام» للمفاوضات لعودة النازحين السوريين من جرود عرسال الى قراهم السورية في القلمون الغربي.
… ومقتل أخطر المطلوبين في مخيم صبرا
وعلى صعيد أمني آخر، أسفرت الاشتباكات العنيفة التي اندلعت أمس، في مخيم صبرا بين مجموعة بلال عكر ومجموعة محمد بدران عن مقتل أخطر المطلوبين في المخيم بلال عكر المطلوب بعشرات مذكرات التوقيف بتهمة الاتجار بالمخدرات والخوات وتنفيذ أعمال جرمية وإصابة أخيه بلال مطلوب ايضاً إصابة خطرة جداً. في المقابل قتل ايضاً المدعو سمير بدران من مجموعة بدران برصاص القنص فيما أدّت الاشتباكات الى مقتل طفلة تدعى هيلانة 8 سنوات ، وشهد المخيم الاسبوع الماضي اشتباكات عنيفة بين المجموعتين على خلفية سعي بلال عكر للسيطرة على مناطق من المخيم.