حكومة أردوغان تساند الإرهاب ولا تحاربه نار التاريخ والجغرافيا تحرق المتلاعبين بها

د. فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية

منذ بداية الأزمة في سورية، وقبل أن تتخذ الأبعاد التي تتخذها اليوم، وحكومة رجب طيب أردوغان تشكل أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم هذه الأزمة، والنفخ بنار تحويلها إلى فرصة للعبث وبتاريخ وجغرافيا المنطقة.

لم يخف أردوغان وحكومته مرة الأحلام العثمانية، التي لا يحمل تجاهها السوريون إلا ذكريات الدماء، ولم تكن تلك الأحلام إلا نموذجاً من نماذج الخلافة التي شهدناها مع ولادة إمارة «داعش»، على جزء من جغرافيا سورية والعراق.

كل التنظيمات التي تشكلت في تركيا، تحت عناوين المعارضة السورية صارت جزءاً من تشكيلات عسكرية جرى تدريبها وإيوائها وتسليحها برعاية حكومة أردوغان، وصارت في ما بعد جزءاً من تشكيلات «داعش» و»النصرة».

الأسلحة الكيماوية التي استهدف بها السوريون، سلمت وأعدت وجهزت في ظلال وحمى حكومة أردوغان، والسلاح الوافد لتخريب سورية، كان يخزن ويجمع في مستودعات أردوغان وحكومته، والمرتزقة والقتلة الآتون من كل حدب وصوب لسفك دماء السوريين، كانوا يجدون لدى حكومة أردوغان المأوى والملاذ.

إذا كان يمكن القول إن دولاً غربية وعربية عدة تورطت حكوماتها بدماء السوريين، فيمكن القول بضمير مرتاح إن هذا التورط ما كان ليتم لولا الدور المشبوه للحكومة التركية، بل إن بعضه جاء بتحريض من هذه الحكومة وبعض آخر بضغوط منها.

إذا كان السبب الرئيسي لقلق العالم اليوم من نمو وتجذر الإرهاب، بسبب تبنيه وتدعميه واستخدامه من قبل المتورطين في الحرب على سورية، والذين بدأت النار التي أشعلوها لإحراق سورية تطاولهم فبدأوا يستدركون، ولو متأخرين، فإن حكومة أردوغان تخطت ذلك باستجلاب كل إرهابيّي العالم ومرتزقته وهي تعلم ماذا تفعل، حتى صار هذا الإرهاب على ما هو عليه، ليكون الميليشيا التي تستخدمها حكومة أردوغان لترهب العالم وتبتزه بها.

ليس في «داعش» و»النصرة» وسواهما من مفردات «القاعدة»، من يتنفس ويتمول ويتسلح ويأوي عائلته ويمضي إجازاته، إلا وللحكومة التركية في ذلك نصيب.

لم يخطف أحد على يد العصابات الإرهابية، ولم تكن حكومة أردوغان إلا وسيطاً وقادراً وناجحاً بعد قبض الثمن لإنهاء العملية، فصار الخطف والإفراج وبينهما مرحلة الوساطة عملية متكاملة يتقاسمها الإرهابيون والحكومة التي ترعاهم، ولم يخطف من رعايا هذه الحكومة أحد إلا وأفرج عنه بصفقة تعزز هذه الرعاية.

حكومة أردوغان وأوغلو مطعون بصدقية إدعائها المشاركة في محاربة الإرهاب، وهي كي تحاربه يكفي أن تكف عن دعمه، وتقفل سوق النفط المنهوب من سورية والعراق أمام الإرهابيين وتتقيّد بقرارات مجلس الأمن الصادرة بهذا الخصوص.

مزاعم حكومة أردوغان عن المشاركة في الحرب على داعش، خديعة كبرى تستند إلى الخداع البصري الناجم عن تجمع عناصر الجوار الجغرافي والعضوية في الأطلسي وامتلاك جيش قوي، ليتوهم العالم أن مصير «داعش» والإرهاب بات محتوماً، وتمسك حكومة أردوغان بناصية الحرب وتقودها، لكن نحو حماية إمارة الإرهاب، ولو أقتضى الأمر معارك وهمية مصنعة.

حكومة أردوغان كشفت حقيقة مشروعها بالحديث عن ربط الحرب على «داعش» بالعدوان على سورية، تحت مسمى تغيير نظام الحكم فيها، وهو أمر يعرف العالم وتعرف حكومة أردوغان أنه عدوان موصوف، مناف لكل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية.

تسعى حكومة أردوغان لخداع العالم والحصول على تفويضها بالحرب على «داعش»، لخوض حربها هي على سورية وتعميم نموذج «داعش»، فإمارة خلافة «داعش» ليست إلا مصغراً لإمبراطورية خلافة أردوغان، الخليفة الحقيقي الذي يجلس أبي بكر البغدادي وإرهابييه في كرسيه موقتاً.

سورية التي قاتلت الإرهاب والعدوان مجتمعين معاً، لن يرهبها أردوغان بتهديداته، وكما عرفت أن تدافع عن سيادتها، وأمن شعبها منفردة ستواصل ذلك، وهي تدرك أن العبث بالجيرة التاريخية للشعبين التركي والسوري سيرتب الويلات على المنطقة، كما أن جعل جغرافيا المنطقة ودماء مستقبل شعوبها رهن لحلم خرافي على طريقة الحلم الصهيوني في فلسطين، سيحمل الدمار والخراب لكل شعوب المنطقة بلا استثناء، وخصوصاً للشعبين والجيشين التركي والسوري.

على العالم أن ينتبه أنّ سورية عندما تتوجه لفتح العين على خطورة ما يجري فهي لا تنتظر من يدافع عنها، بل هي كما نبّهت من قبل ولم ينتبه العالم إلا متأخراً لخطر نمو وتجذر الإرهاب، وبقيت تقاتل ولا تنتظر أحداً ليقاتل معها وليس عنها فقط، تنبّه هذه المرة أنّ الأب الحقيقي للإرهاب في المنطقة الذي يمثله أردوغان وحكومته يستعد للخديعة الكبرى والضربة الأخطر في جنون العظمة، وتقول سورية للعالم، إذا كنتم تتحدثون عن حرب طويلة المدى على إمارة الخلافة الإرهابية، فلا تتسامحوا مع ولادة إمبراطورية الخلافة الأصلية والأصيلة في الإرهاب، وتقول سورية إن فاشية جديدة وهتلر جديداً قيد الولادة، عنوانهما التطرف العنصري الديني وليس العرقي هذه المرة، وسيجد العالم إذا تهاون معهما أنه يذهب لحرب عالمية جديدة، الخصم فيها ليس دولة فقط، بل دولة لديها جيش من الإرهابيين ينتشر على مساحة العالم، تهدد به الدول والحكومات وتبتزها سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

سقطت الفاشية في الحرب العالمية الثانية لأن ستالينغراد غيرت مجراها، وكل بلدة ومدينة في سورية أكثر من ستالينغراد.

سورية تعرف ما تملك من مصادر قوة معنوية وأخلاقية، وتعرف قدرات جيشها وشعبها وتثق بهما، لكنها تقول ما تقول حرصاً على عدم وقوع الأسوأ، عسى قادة العالم يتنبهون، وحرصاً على علاقات الأخوة التركية – السورية، عسى عقلاء تركيا يقدرون.

من يعبث بالتاريخ والجغرافيا يلعب بالنار، والنار تحرق اللاعبين بها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى