خوري: الإعدام انتقام وليس عقاباً منصوري: الإعدام للقاتل عن سابق إصرار وترصّد
تحقيق: ديانا شويخ
قرابة الساعة الثانية من فجر الأربعاء بتاريخ 7 حزيران 2017، حدث ما لم يكن متوقّعاً. أنهى الشاب الضحية حفل عيد ميلاده الذي لم يكن أحد يعلم أنه سيكون الاحتفال الأخير، بعد أن صوّب المجرمون الثلاثة رصاصاتهم إلى رأسه.
البداية كانت حادث اصطدام سيارتهم بسيارة الضحية، وبعدئذٍ مطاردة وتلاسن، ثمّ إشهار السلاح، لينتهي المشهد بمقتل الضحية روي حاموش.
روي حاموش اسم جديد يضاف إلى لائحة أسماء تطول لضحايا السلاح المتفلّت، منها: خليل القطان، طلال عميد العوض، سارة سليمان، أمل خشفي، وحسين علاء الدين.
كلّهم قضوا لأتفه الأسباب، فهل سينتهي سيناريو القتل، أم علينا انتظار نشرات الأخبار يومياً لنرى أسماء جديدة وأسباباً خالية من مبرّرات؟
على رغم تشدّد وزارة الدفاع في منح تراخيص السلاح، إلى أن الأخير بات سهل المنال لدى الكبار والصغار مهما تنوّعت الطبقات التي ينتمون إليها. فَجُلّ ما عليك فعله، أن تحصل على «واسطة» لاقتناء سلاح، بدءاً من بندقية الصيد ووصولاً إلى المسدّسات الحربية والأسلحة الرشّاشة. والسؤال: هل سيخفّف القرار الذي صدر عن وزارة الدفاع مؤخّراً من كمّية السلاح المتفلّت؟
لكن مهلاً، المشكلة لا تكمن فقط في السلاح، إنما في ثقافة القتل التي أضيفت كقيمة جديدة من «قيم المجتمع» والتي تعزى لعوامل عدّة. وهذه العوامل فيها ما هو اجتماعي، وما هو نفسي، وفيها ما هو اجتماعي ـ نفسي.
خوري
يرى الاختصاصيّ في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أنّ الشقّ النفسيّ يتمثّل بحالة اليأس التي وصل إليها الشعب اللبناني نتيجة تراكمات متعدّدة من الخيبات، إضافة إلى حالة التمازج بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية، ما خلا بعض النزوات العابرة التي تتماشى مع الموجات الأوروبية والأميركية التي تأتينا، والتي غالباً لا تنسجم مع الحضارة الشرقية.
الشحن الطائفي والمذهبي الذي بلغ حدوداً كبيرة جداً تكاد تفوق بأشواط الحدود التي وصل إليها في الحرب الأهلية عام 1975، وصولاً إلى عام 1990، يشكل سبباً مضافاً. أما في الشقّ الاجتماعي، ففي الواقع إن الدولة اللبنانية فقدت مصداقيتها وكلّ طاقة إقناعية لديها عند الفئات الشبابية اللبنانية، بكونها مرجعاً صالحاً، ما أطلق العنان للشباب للتصرّف من دون خوف وقلق من جهة القانون، وسيطرة بعض السياسيين على القضاء.
فاجتماع العوامل التالية: استسهال القتل بالثقافة الرائجة، سهولة اقتناء أدوات القتل، التفلّت من العقاب، سقوط مهابة الدولة، تراجع احترام القانون، يكفي لنصير مجتمعَ جريمة.
إضافة إلى ذلك، يعتبر الدكتور خوري أنّ هناك نقصاً في العتاد الفكري والتوجيهي والتأهيلي. ففئات الشعب اللبناني كلها، غالبا ما تمارس أدواراً تختلف عن قناعاتها فقط للتباهي وجذب الانتباه. فبعض الجرائم نتاج لمرض حبّ الظهور والنرجسية المتمادية، ما يجعل المصاب بهما عرضة لكلّ الإغراءات ومنها إغراء القتل. إذ إنّ القاتل الذي يعلم أنه لن يعاقَب لأن غيره لم يعاقَب، لن يتردّد في اقتراف جريمته.
ويعتبر الدكتور خوري أنّ جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق مَن هو مقصّر في إعطاء المواطن أبسط حقوقه، وخصوصاً الفئات المهمّشة والمنبوذة التي تقطن مناطق معزولة، وليس هناك من يلتفت إليها. وهذا ما يولّد حالة من الحرمان والنقمة التي تنمّي الغضب، ثمّ الانفجار الذي غالباً ما يكون مدوّياً.
في قلب هذا النقاش عن الأسباب لا تغيب الأسئلة: هل أنّ تفسير الأسباب تبرير للجريمة أم محاولة لفهمها؟ وهل العلاج يكون في بترك الجرائم تتفشّى والتفرّغ لمعالجة طويلة وجذرية قد تطول وقد لا تأتي؟
هنا، يتطرّق المعنيون بالمعالجات في التوجّه إلى الرأي العام في انقساماتهم واجتهاداتهم حول عقوبة الإعدام. والسؤال: هل لعقوبة الإعدام التي تطالب بها نسبة كبيرة من الرأي العام، القدرة على تخفيف أو ردع كلّ من تسوّل له نفسه قتل غيره من دون وجه حق؟
من وجهة نظر الدكتور نبيل خوري، يعتبر أن الإعدام ليس وسيلة للعقاب، إنّما هو وسيلة للانتقام. إذ يجب ألا نكون متوحّشين كالمتوحّشين الذين يقتلون على قارعة الطريق عن سابق تصوّر وتصميم. يجب أن نعطي للأجيال الآتية مدلولات على أننا أذكى وأكثر اقتناعاً بجدوى المعادلة الخلقية والمعادلة القانونية. فلمجرد أن نصبح انفعاليين نخسر جدوى وجودنا في مجتمع يدّعي أنه متطوّر.
أما الحل برأيه، فهو حكم مؤبد وأشغال شاقة، وتحويل السجون إلى مؤسّسات للتأهيل، لا فنادق لتجّار المخدرات والدعارة ومروّجيها حتى ينفتحوا على العالم الخارجي ويصبح البقاء في السجن نزهة لهم، في وقت يحرّكون مجرميهم على الساحة اللبنانية.
منصوري
أما من الناحية القانونية، فنسأل الخبير الدستوري المحامي وسيم منصوري، الذي يوضح أبرز المواد التي تتعلّق بعقوبة الإعدام ويقول: الإعدام يدخل في إطار القتل القصد، والتي تتعلق بالفصل الأول الذي يعتبر أن الإنسان قتل شخصاً آخر عمداً. والقتل القصدي يتدرّج في عدّة مراحل، قد يكون بفورة غضب، أو عمداً أي بنيّة مسبقة للقتل. إنما عقوبة القتل القصدي من دون تخطيط سابق، من حيث المبدأ العقوبة ليست إعداماً، بل أشغال شاقة موقتة، وهذا ما تنصّ عليه المادة 548 من قانون العقوبات. لنلاحظ أنه يعاقب بالأشغال الشاقة وليس بالإعدام. والسبب الرئيس والفارق مع المادة 549 التي تنصّ على الإعدام إذا كان القتل عمداً ومخطّطاً له مسبقاً.
وفي ما يتعلق بإعادة النظر بتنفيذ عقوبة الإعدام، يكمل موضحاً ان قانون الإعدام في لبنان نافذ، ولا شيء يمنع من العودة إلى تطبيقه.
ثمة أحكام إعدام نُفّذت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي مراراً، إلا أنّ التنفيذ توقّف في عهد الرئيس إميل لحود بسبب رفض الرئيس سليم الحص توقيع مراسيم عقوبة الإعدام، وذلك بناءً على معارضته شخصياً لهذه العقوبة. أما السبب في التوقف عن تنفيذ هذه العقوبة منذ عهد الرئيس لحود فيعود إلى أسباب أخلاقية شخصية، لا إلى أسباب قانونية.
السؤال هنا يُطرح مجدّداً: هل تطبيق عقوبة الإعدام يُعدّ رادعاً لارتكاب الجرائم؟ يعتبر منصوري أنّ الرادع الفعلي في ارتكاب الجرائم في دولة معيّنة ليست العقوبة بحدّ ذاتها، بل هو النظام القانوني العام للدولة. كي يشعر المواطن الذي يعتدي على غيره أنّه في ظلّ دولة قانون وفي حال مخالفته ستطاله العقوبة مباشرة. وبالتالي سيرتدع من جرّاء العقوبة التي ستُنفّذ بحقّه. وأبرز مثال في لبنان يكمن في قانون التدخين، إذ إن تطبيق هذا القانون نسبيّ، والسبب أنّ العقوبة موجودة ولكن لا آلية لتطبيقها، لذا القانون لم يَعُد يُطبَّق.
ويضيف منصوري: بالعودة إلى عقوبة الإعدام، نرى أنّ من تسوّل له نفسه أن يقتل شخصاً آخر، لا يعير لقانون الدولة أهمية في ردعه. وعندما يرى أنّ المجرم الذي يرتكب جريمته لم يُقبَض عليه ولم يُحاسَب أيضاً، يتمادى في هذا الأمر.
الأمر إذاً يتعلّق بالنظام القانوني العام، أي بوضع نظام متكامل لتطبيق القاعدة القانونية واحترامها. وهنا يشير منصوري إلى أنّ الأمر يبدأ في المدارس بالتربية المدنية وباحترام الدولة والقانون، وإلا سنبقى فقط في ردّ فعل كما حصل في الفترات الأخيرة.
غانم
لكن، هل سيُدقّ ناقوس الخطر ويوقّع وزير العدل قانون عقوبة الإعدام وينتهي مسلسل القتل العشوائي؟
رئيس لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب النائب روبير غانم أشار في حديث إلى «البناء»، إلى أنه لا يؤيّد تطبيق عقوبة الإعدام. لكن لا بدّ من تطبيق هذه العقوبة في ظلّ الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان، ولفترة زمنية محدّدة نظراً إلى التفلّت الأمني وانتشار ظاهرة القتل العشوائي.