«الإنسان بعزلته وأزماته عبر العصور»… محور طروحات التشكيليّ سعد يكن

ياسمين كرّوم

وجد الفنان التشكيليّ سعد يكن في مشاركته بملتقى السلام والمحبة في اللاذقية الذي اختتم مؤخراً، فرصة للقاء تجارب فنية من سويات مختلفة لتعمل معاً في فضاء يُغني بعضها، ويعزّز فكرة استمرار السوريين في العطاء خلال أصعب الظروف.

يكن الذي التحق بركب المشاركين في الملتقى كضيف شرف للفعالية أنجز جدارية ركّز فيها على الانتقال من الأزمة الإنسانية والدراما إلى حالة الفرح والخلاص التي تمثلها الفراشات، وتظهر الخلاص بمساحات بيضاء نقية تتجاوز الخط الأحمر الذي يجسد الخطر المداهم لمنطقتنا والبلاد العربية بشكل عام، لتقترب الجدارية من خطه المعتمد على الواقعية التعبيرية الحديثة التي تتناول إنسانية الإنسان ومشكلاته في العصور الحديثة.

وفي هذا السياق قال يكن: أحرص على تناول مواضيع إنسانية نعيشها جميعاً، وأخصّص مساحة في كل مرحلة لموضوع معين بحيث يتناسب مع عنوان التجربة وأبعادها سواء ميثولوجيا وفكر وأدب وموسيقى. معتبراً أن تنوّع مواضيع لوحاته عبر مشواره الطويل منح خطّه الفنّي بصمة مميزة أغناها بالتنوع والاختلاف وطوّر أدواته إلى حدّ بعيد.

اهتم يكن خلال مسيرته بالعمل على مواضيع مختلفة خصّص لها معارض منفردة تحت عناوين منوّعة كملحمة جلجامش وألف ليلة وليلة وفكرة الموسيقى والتحرر والعائلة الفلسطينية، مع تخصيص معرض للنساء والطوفان إلى جانب معرض أيقونة حلبية حديثة في عام 2000 وآخر عن الطرب في حلب.

ويرى يكن أنّ التركيز على موضوع واحد في معرض فنّي متخصّص يعطي الفكرة حقها ونصيبها من العمل. ومن هذا المنطلق يحفّز نفسه على التنويع في مواضيعه وتقنياته الفنية لترجمة وجهة نظره حول الإنسان الذي يراه معزولاً في هذه الحياة رغم وجوده في مجتمع يضجّ بالحياة.

خلال سنوات الأزمة أصرّ يكن على البقاء في مدينة حلب لمقاومة الإرهاب فيها من خلال الاستمرار في عمله وفنّه، لكنّ تعرّضه للاختطاف مرّتين على يد التنظيمات الإرهابية واستهدافه بإطلاق النار عليه إضافة إلى حرق أعماله الفنية بعد الاستيلاء على مرسمه من قبل الإرهابيين، عوامل مجتمعة دفعته إلى مغادرة المدينة مُكرهاُ منذ سنتين، قاصداً بيروت ليتابع فيها نتاجه الفنّي.

ويفضّل يكن التعاطي مع الأزمة السورية في أعماله بأسلوب غير مباشر، لأنّ الكاميرا الفوتوغرافية هي الأقدر على تصويرها بشكل مباشر. وهذا ما نجح فيه المصوّرون نجاحاً هائلاً. لذلك لا يمكن للفنان التشكيلي أن يعمل كمصوّر فوتوغرافي لنقل تفاصيل الأزمة حرفياً، سواء بتصوير الشهداء أو الأمّ الثكلى أو الخراب والدمار الحاصلَين.

وقال: يجب على الفنان تقديم الأزمة بأسلوب وصفي تعجز عنه كاميرا الفوتوغراف. لذا، عليه الابتعاد عن المباشرة وتقديم مقولة تحمل الفكر والمشاعر بطريقة مختلفة يحدّدها الفنان نفسه.

الشخوص والأماكن السورية والحلبية بشكل خاص لم تغب عن أعمال يكن قبل الأزمة وبعدها، مثل قلعة حلب التي تجلّت في لوحاتٍ كثيرة له، مجسّدة معاناة أهالي مدينة حلب قبل تخليصها من الإرهاب، فصوّرها في أحيان كثيرة مع شخوص إنسانية متأملة تنظر في عينَي المشاهد بحثاً عن الخلاص، وهو موضوع يراه يكن ضرورياً ليعبّر عن موقفه من الأرض التي يعيش عليها وإبراز تأثيرها عليه في الثقافة والحضارة والتراث حتى تنقل اللوحة قراءته في أي مكان تعرض فيه حول العالم.

لا يحبّذ يكن فكرة نقل تجربته وتعليمها للجيل الشاب الراغب بالاقتداء به من خلال ورش تعليمية وفنية، معتبراً أن هذه المسؤوليات ملقاة على المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تأخذ على عاتقها تكريس الأسماء السورية الكبيرة في مجال التشكيل. وعن هذا الموضوع قال: لا مشكلة لديّ في أن يتأثر الشباب بخطّي وأسلوبي الفنّيين، لكن نقل التجربة هو مشروع يحتاج وقتاً ونَفَساً طويلين، لا أملكهما.

يذكر أن الفنان سعد يكن من مواليد مدينة حلب عام 1950 درس في مركز الفنون التشكيلية في حلب وانتسب إلى كلّية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1971 وأقام أكثر من خمسين معرضاً فردياً في مختلف الدول العربية والدول الأوروبية وأميركا وكندا. وشارك في أكثر من 150 معرضاً مشتركاً في دول مختلفة.

نال يكن عدداً من الجوائز والميداليات التقديرية وتوزّع نتاجه في مختلف متاحف ودول العالم.

«سانا»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى