عيد… تغيب فيه كلّ معاني البسمة والفرح
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
لا أعتقد أنّ هناك زمن أكثر رداءة من هذا الزمن العربي، حتى في أشدّ ظروف الانحطاط والانكسار والاستعمار، فالعرب يُساقون إلى الذبح بإرادتهم وبأموالهم، وهم ينتحرون بالتقسيط ويدخلون جهنّم سايكس ـ بيكو الجديدة من أوسع أبوابها، وحكامهم استطاعوا أن يحققوا «نجاحات» كبيرة وعظيمة، وتلك النجاحات ليست في تحرير المغتصب من الأوطان، أو تحقيق تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية وتعدّدية سياسية وفكرية في مجتمعاتهم وبلدانهم، بل في وضعهم لشعوبهم في مأزق أصبح الخروج منه مستحيلاً والاستمرار فيه انتحاراً قد يؤدّي إلى تدمير ما تبقى من العالم العربي.
فالعرب يلعبون الآن أسوأ الأدوار بحق أنفسهم وشعوبهم وأوطانهم ومستقبلهم. إنه دور التابع الذليل والمحلل لخطايا ومخططات وجرائم أعدائهم العاملين على تدمير مصالحهم وطموحاتهم المستقبلية.
أما على الصعيد الفلسطيني، فما زال الانقسام حتى اللحظة الراهنة سيد الموقف، رغم كلّ الاتفاقيات والمصالحات، وحكومة الوفاق الوطني يُنتظر ان تقلع بعد العيد، إذا لم تحدث أية عقبات او تطورات، لأنّ طريقها مليئة العثرات، وكذلك الإعمار في غزة لم يبدأ، والاحتلال ومعه أميركا والغرب الاستعماري يفرضون الشروط على دخول مواد البناء، وهذا يجعل المشرّدين من العدوان «الإسرائيلي» والذين يزيدون على ربع مليون شخص يستمرّون في افتراش الأرض والتحاف السماء، والحصار كذلك لم يُرفع، بما يزيد من معاناة شعبنا، ولا يترك أيّ معنى أو فرحة للعيد، فلا فرحة لطفل أو بسمة ترتسم على شفاهه، وكيف يفرح طفل إاتشهد والده؟ وكيف ستحتفل أسرة وهي لا تملك قوت يومها، وفقدت معيلها شهيداً، أو دمر بيتها عن بكرة أبيه؟ وألف كيف وكيف حصار وجوع وبطالة وفقر وإغلاق وتشرّد، وفوق ذلك وجع الانقسام.
أما في القدس فالصورة والمشهد اكثر مأساوية وصعوبة عما عليه الحال في قطاع غزة، فالقدس تقع في أولويات الاستهداف العدو «الإسرائيلي»، الذي يشنّ حرباً شاملة على بشرها وحجرها وشجرها، حرب يُراد لها أن تغيّر من طابعها العربي، وتشطب تاريخاً لشعب عريق جذوره ضاربة في أعماق هذه الأرض، ويُراد فرض الرواية الصهيونية على التاريخ الفلسطيني والمقدسي، ليس هذا فقط، بل طرد المقدسيّين وترحيلهم عن مدينتهم، عبر سياسة مخططة وممنهجة، سياسة التطهير العرقي، فالاستيطان في القدس يتصاعد و«يتغوّل» بشكل جنوني، حيث أعلن عن «عطاءات» لإقامة 2610 وحدات استيطانية في بيت صفافا، أو ما يُسمّى «جفعات همتوس» لكي تفصل وتمنع أيّ تواصل جغرافي وديمغرافي ما بين القدس والضفة الغربية بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور بشكل نهائي، والأرض تنهب وتسرق يومياً، ومنازل وممتلكات المقدسيين يجري الاستيلاء عليها بطرق ملتوية، ومن خلال أدوات ومرتزقة ومشبوهين يجنّدهم الاحتلال لتنفيذ أغراضه ومخططاته، كما حصل أخيراً في المنازل الـ26 في بلدة سلوان في منطقة وادي حلوة، حيث جرى الاستيلاء عليها، ليس بغرض تهويد بلدة سلوان المستهدفة من قبل الاحتلال، بل حتى يكون هناك تواصل ما بين البؤر الاستيطانية في داخل البلدة القديمة وخارجها، ومخططات تقسيم الأقصى متواصلة ومستمرة، والبلدة القديمة من القدس يجري العمل على تفريغها من سكانها، واكثر 300 محل تجاري من محلاتها أغلقت بفعل الإجراءات والممارسات «الإسرائيلية» بحقها والضرائب الباهظة المسقفات «الأرنونا» التي يفرضها الاحتلال عليها، والاعتقالات لشبانها وفتيانها وحتى أطفالها تجري بشكل شبه يومي، ليبلغ الرقم منذ انتفاضة الشهيد الفتى أبو خضير منذ 3 تموز الفائت وحتى الآن اكثر من 750 معتقلاً.
كما أنّ مؤسساتها يتهدّدها خطر الإغلاق والضياع، حيث السلطة مقصّرة بحق القدس والمقدسيين، ولا تفي بالتزاماتها المالية، ولا تتحمّل مسؤولياتها.
والوضع على الجبهات الأخرى ليس بأفضل حال، فكيف ترتسم بسمة او يفرح طفل يقبع والده خلف قضبان الأسر في سجون الاحتلال، منذ سنوات، ولربما لم يشاهده منذ فترة طويلة لكونه محروماً من زيارته، او يمنّي النفس بأن يحتضنه او يقبله كباقي الأطفال، او يحضر له لعبة في العيد، او يأخذه في رحلة الى مدينة الملاهي.
وكيف ستفرح أمّ وهي منذ سنوات تنتظر ان يتحرّر إبنها من المعتقل، على امل ان تحتضنه وتضمّه وتكحل عينيها برؤيته قبل ان تغادر الدنيا، أو تفرح بزواجه؟ وكيف ستفرح زوجات الأسرى المحرّرين في صفقة الوفاء للأسرى، صفقة «شاليط» الذين أعيد اعتقالهم في العدوان الأخير على شعبنا الفلسطيني، بعد خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل وقتلهم؟ كيف ستفرح زوجة الأسير عدنان مراغة، وهي مَن أنجبت توأمها فيما زوجها اعيد اعتقاله؟ أو زوجة الأسير ناصر عبد ربه التي أنجبت طفلها ووالده في المعتقل أيضاً أعيد اعتقاله؟ وكذلك هم أمهات وزوجات وبنات وأبناء الأسرى الآخرين، وكيف ستفرح امهات الشهداء المحاميد، شهداء انتفاضة القدس، محمد أبو خضير، ومحمد الأعرج، ومحمد جعابيص، ومحمد سنقرط؟
عيد… ستغيب فيه كلّ معاني البسمة والفرحة في عالمنا العربي، وفي بلدنا فلسطين، ففي العالم العربي يتواصل مسلسل القتل والذبح والتدمير، قتل يجري باسم الدين ونشر «الحرية» و«الديمقراطية» وتحت مسميات «ثورات الربيع العربي»، ربيع لم يزهر ولم يثمر، بل كان خريفاً ينتج موتاً ودماراً وقتلاً على الهوية والمذهب بطرق وحشية وبوهيمية، لا علاقة للدين بها لا من قريب ولا من بعيد، «ربيع» حمل لنا المصائب والويلات مشاريع تقسيم وتجزئة وتذرير وتفكيك وتركيب للجغرافيا العربية لإنتاج سايكس – بيكو جديدة وفق المذهبية والطائفية.
وفلسطينياً… ما زالت جراحنا مفتوحة وتنزف… في القدس… في الضفة الغربية وقطاع غزة… وفي الداخل الفلسطيني -48- ومخيمات اللجوء، والأرض تضيق على شبابنا، الذين يُضطرون تحت وطأة الحصار والحاجة الى أن يهجروا القطاع بطرق غير مشروعة، لكي يلتهمهم البحر بفعل مافيات التهريب والموت في الداخل والخارج، وكأنّ المؤامرة على شعبنا شاملة في البر والبحر والسماء.
عيد يتزامن مع يوم غفرانهم… سينغصون على أبناء شعبنا حياتهم وفرحتهم، وستتحوّل الحياة إلى جحيم، وسيبقون في سجن كبير… قيود على الحركة والتنقل… حيث ستغلق المعابر بين القدس والضفة، وكذلك هو معبر كرم أبو سالم الوحيد لإدخال البضائع والمساعدات الغذائية لأهلنا في القطاع، وإدخال الوقود الصناعي للمحطة الكهربائية، وبما يحوّل حياة مليون وثمانمائة ألف من أبناء شعبنا إلى جحيم فوق الجحيم، وسيغلق معبر الكرامة وسيغلق الحرم الإبراهمي للصلاة أمام المسلمين، لكي تتاح الفرصة للمستوطنين لأداء شعائرهم وطقوسهم التوراتية والتلمودية، وكذلك الحال بالنسبة إلى المسجد الأقصى، والمقدسيين سيعانون من إغلاق ليس مدينتهم ومنعهم من الدخول إليها فحسب، بل سيكون إلاغلاق ومنع التواصل بين قرية وقرية مقدسية… وبعد ذلك هل سيكون هناك فرحة او بسمة او معنى للعيد؟
Quds.45 gmail.com