الجيش اللبناني يكشف المستور.. والأجوبة قريباً
روزانا رمّال
تؤكد معلومات متابعة للعملية الأمنية التي نفّذها الجيش اللبناني في مخيمات جرود عرسال لـ«البناء» مفصلية ما قام به فوج المجوقل بالجيش بأبعاده الأمنية والسياسية معاً في مخيمات اللجوء الحدودية، بالتزامن مع الهزائم التي يُمنى بها التنظيم الإرهابي «داعش»، في كل من العراق وسورية بالأسابيع الماضية وآخرها في الموصل. ويؤكد المصدر أهمية انتهاز المؤسسات الأمنية اللبنانية فرصة هذه الانهيارات في صفوف داعش، وباقي التنظيمات وتكثيف التعاون الاستخباري مع الجوار في ملف مكافحة الإرهاب، ويضيف «يجب على الحكومة اللبنانية إعطاء الغطاء الكامل للجيش اللبناني الذي لا يزال يفتقد لغطاء واسع للمعركة الكبرى وإنهاء الارهاب المتواري عن الأنظار في الجرود منذ سنوات، على مرأى ومسمع بعض المسوؤلين اللبنانيين». ويختم «لقد كشف الجيش المستور وأكد هواجس تحوّل المخيمات السورية قنابل موقوتة تأوي إرهابيين مستعدّين للانقضاض في أي لحظة فاتحاً الباب أمام تساؤلات ستتكشف إجاباتها قريبا حول الدعم والغطاء والإيواء خلف ستارة الوضع الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان الدولية. فكل معارك الجيش مع الإرهاب وآخرها «عبرا» هي مقدمة لكشف المتورطين تدريجياً وبالأسماء وربما هذا أحد أكثر ما يقلق المتلطين خلف تلك الستارة، وما منع دعم شنّ عمليات استئصال واسعة الفترة الماضية».
وكأنه ينقص مخيمي «القارية» و«النور» وغيرهما على الارض اللبنانية المزيدُ من البؤس الذي تسبّبت به الدولة اللبنانية لعدم تنظيم ملف النزوح ولا التنسيق مع سورية بسبب «نأيها بالنفس» أو مع المعنيين مباشرة كي يصبح المخيم بؤرة إرهاب تستخدم سكانه دروعاً بشرية. والأخطر من ذلك أن الأسماء التي قضى عليها الجيش اللبناني والمعلومات التي أصبحت بحوزته جراء العملية النوعية تؤكدان أن ما هو موجود في مخيمات الجرود كـ»القارية والنور» موجود أيضاً في مخيمات اللجوء الباقية في لبنان، ولا شيء يمنع منطقياً، حسب سلوك المجموعات الارهابية من ذلك، فكيف بالحال وأن اللبنانيين اعتادوا على مواجهة مخاطر مخيمات فلسطينية تلطى فيها الإرهاب لسنوات أخطرها اليوم مخيم عين الحلوة وقبله مخيم نهر البارد؟
أحرج الجيش اللبناني المتقاعسين، لا بل المتورطين في أخذ لبنان نحو المجهول، خصوصاً أن الجزء الاكثر فعالية في الصيغة التوافقية السياسية الحالية يدرك مخاطر النزوح غير المنظم في لبنان، أولهم الرئيس سعد الحريري وهو الذي كان قد أطلق صرخة الدولة اللبنانية في مؤتمر بروكسل في نيسان الماضي، معتبراً أن لبنان مهدّد بانفجار أزمة النزوح قريباً. وإذا كان الحريري قصد في تلك العبارة تحفيز الدول على مساعدة لبنان مالياً في هذا الملف، فإنه ربّما يغيب عنه أن هناك وزارة مخصّصة للنزوح في لبنان لأول مرة تعتبر من «خاصيته» سياسياً على رأسها الوزير معين المرعبي كانت أسماء متطرفة في موقعها من الازمة السورية ولا يمكنها أن تشكل اليوم قدرة منتجة على التعاون مع الجهة السورية من الأساس. وهو ما يؤكد أن الأبواب كلها مسدودة للتعاطي مع هذا الملف وأن أحداً لا يريد تخليص لبنان من أزمة مصيرية وضعت أمن لبنان في مهب الريح بعد عمليات الجيش «المباركة».
عملياً، يكشف الإنجاز النوعي عن قدرة رفيعة المستوى للجيش اللبناني، ولكنه يكشف أيضاً نجاعة التعاون العسكري والاستخباري بين الجيش والمقاومة الموجودة على الحدود والتي تستفيد من دون أدنى شك من سلسلة هزائم داعش في المنطقة، ومن المعلومات والتقارير التي تجمع الشبكة ارتباطاً وتنسيقاً من جرود لبنان وصولاً الى الرقة السورية والموصل العراقية وهي كلها شبكات ترتبط بطريقة أو بأخرى بالمشغّل الدولي الأكبر.
الأهم هو ما أعلن عنه قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون والذي ربّما انتظره اللبنانيون منذ لحظة تعيينه لمراقبة إنجازاته على هذا الصعيد، وهو أن العمليات مستمرة، وهو اليوم أمام الاستحقاق الأكبر الذي عزّز الثقة بين قيادة الجيش الحديثة وكل اللبنانيين وأشعرهم بأن البلاد لا تزال بأيادٍ أمينة يمكن التعويل عليها في ملف مكافحة الإرهاب.
يحضر هنا السؤال حول التنسيق بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة الاميركية في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والخطوات الأخيرة في دعم الجيش وإسناده بالسلاح اللازم لتوفير المطلوب، فهل هذا يعني أن الولايات المتحدة تغطّي عملية الجيش اللبناني التي تحرص على أن يبقى ضمن أجندتها بما تيسّر من مساعدات؟ إذا كان هذا صحيحاً، وهو مرجحٌ، فإن هذا يؤكد ان الولايات المتحدة الاميركية تعجز عن فك ارتباط استخبارات الجيش اللبناني بالمقاومة في هذا الملف، لا بل تتعاطى معه كأمر واقع، بما يتعلق ببعض المعارك التي لا يمكن فصلها عن مسار طويل جمع الجيش وعناصر من حزب الله طيلة فترة الأزمة السورية، حيث اشتركت السواعد على الحدود اللبنانية أكثر من مرة محققة أهدافاً مباشرة ونوعية في صفوف الإرهاب.
نجح العماد جوزيف عون في كسب المعركة سريعاً، لكنه وفر أيضاً أرضية حاسمة تمنع أي نوع من الجدل السياسي والاستغلال بقوله إن الجيش هو في حالة هجوم وليس بحالة دفاع، أي أن الجيش سيدخل أي بقعة تحتضن الإرهابيين في البلاد، وهو ما يحتم على كل من حمى رؤوس الإرهاب الحذر في الأيام المقبلة، خصوصاً برأي المؤمنين باستحالة استقرار المجموعات التكفيرية من دون غطاء بين النازحين طيلة هذه المدة كلها.