سان بطرسبورغ تحتفي بيوم دوستويفسكي
احتفلت مدينة سان بطرسبورغ الروسية السبت الفائت، بأشهر كتّابها وأكثرهم روعة في الغموض، فيودور دوستويفسكي، الذي خصّصت له يوماً تضمّن عروضاً وندوات عامة وزيارات للغوص في عوالمه وخيالاته.
فمنذ عام 2010، تحتفي سان بطرسبورغ، عاصمة الثقافة الروسية، وثاني مدن روسيا، حيث أمضى الكاتب 1821 ـ 1881 نصف حياته وجعلها مقرّاً لغالبية شخصيات رواياته، بيوم دوستويفسكي في السبت الأول من تموز من كلّ سنة.
وأين حثثت الخطى في سان بطرسبورغ في هذا اليوم، تطالعك بطرسبورغ دوستويفسكي، المدينة المثيرة التي كتب فيها وعنها وكان واقعاً في حبّها وكرهها في آن وبشكل غريب! إنها بالذات هذه الـ«سان بطرسبورغ» التي جعلت دوستويفسكي واحداً من أبرز كتّاب المدن الكبرى في العالم.
وتبدو سان بطرسبورغ في إحدى قصصه المبكرة «قلب ضعيف» كخيال غشاش أو كحلم يصعد من أنفاس الأرض إلى سماء زرقاء غامقة، لكي يذوب ويختفي فيها. وفي رواية «المراهق» تظهر المدينة كصور محمومة مرسومة في الضباب: لكن كيف، إذا انقسم هذا الضباب وارتفع إلى الأعلى، ألا تختفي معه إذن في الوقت نفسه هذه المدينة الكسولة، المدينة الرطبة. سترتفع وتنحل مثل ضباب، ولن يبقى غير المستنقع الفنلندي القديم، بحسب كتاباته.
راسكولينكوف، بطل رائعته الشهيرة «الجريمة والعقاب» يتطلع لوقت طويل وعيناه لا تتحوّلان عن القبة الذهبية لكاتدرائية إسحق، تلك «البانوراما الفخمة»، فيكتب دوستويفسكي: وتواجهه برودة غير واضحة تهبّ بلا انقطاع من هذا المشهد الدائري العظيم. وبالنسبة إليه، تبدو هذه الصورة الفخمة كما لو أنها امتلأت بأشباح خرساء وصمّاء.
محطات حياة دوستويفسكي لا يمكن فصلها عن هذه المدينة التي جذبته بشكل لا يقاوم، ثمّ رمت به بعيداً، تسكّع فيها ووجد فيها مثواه الأخير.
جاء دوستويفسكي إلى المدينة عام 1837 من موسكو، وعمره 16 سنة، مع والده وأخيه، لكي يبدأ دراسة الهندسة العسكرية، ثم علّق تلك المهمة على شماعة بسبب شغفه الأدبي، فعاش متنقلاً من غرفة إلى أخرى في أحياء المدينة الفقيرة، ومع زملائه في الأدب عاش في ما يشبه «الكومونة».
ويمكن لزائر عاصمة القياصرة سابقاً أن يرى أبطال روايات دوستويفسكي في ساحة «بيانيرسكايا»، حيث تنظم غالبية العروض خلال يوم الاحتفال بهذا الكاتب الذي طافت شهرته الآفاق وصار رسمه ملازماً لروسيا.
وفي هذه الساحة تحديداً في وسط المدينة، عاش دوستويفكسي عام 1849، حدثاً مأسوياً طبع حياته إلى الأبد، فقد حكم عليه بالموت لأنه كان ضمن مجموعة مناهضة للقيصر، إذ كان على وشك أن يعدم رمياً بالرصاص، قبل أن يخفض القيصر نيقولاي الأول عقوبته في اللحظة الأخيرة.
ويمكن للزوّار أن يجدوا فيها من الآن فصاعدا، روديون رسكولنيكوف بطل راوية «الجريمة والعقاب» حاملاً فأساً في يده.
يتضمّن برنامج الاحتفال بيوم دوستويفسكي ندوات عامة كرّست لأعمال الكاتب، فضلاً عن زيارات منظمة إلى أماكن وصفها الكاتب في راوياته.
دوستويفسكي، من أكبر الروائيين الروس، وتعدّ أعماله مثل «الشياطين» و«الأخوة كارامازوف» و«الجريمة والعقاب» و«الأبله»، من كلاسيكيات الأدب الروسي، وكان لها أثر كبير وهامّ طبع شخصيات عشرات الكتّاب والمفكّرين عبر العالم.
وتظهر عوالم دوستويفسكي الخاصة حتّى في رسالته إلى زوجته «آنّا»، وهذا مقطع منها: «في كلّ مرة وبعد هجران طويل، تراني أقع في حبّك، وعند الرجوع أهيم في حبّك. ولكن يا ملاكي، في هذه المرّة كلّ شيء مختلف: باعتقادي أنّك شعرتِ بأنّه في هذه المرّة، عندما غادرت بطرسبورغ كنت متيّماً بك.
أثناء السنوات التسع على حياتنا الزوجية، كنت مغرماً بك أربع أو خمس مرّات، وفي أحايين أخرى كلّ مرّة. والآن، أتذكّر باستمتاع كيف أنّني منذ أربع سنوات قد أحببتك. حتّى عندما كنّا في حالة خصام…».