المقداد: ردّنا سيكون مختلفاً إذا اعتدى الأميركون المهندس: طريق بغداد دمشق فتحناها ولن تُقفل

كتب المحرّر السياسي

تبدأ لقاءات أستانة بما هو أبعد من مجرد إطار لمسار تثبيت مناطق التهدئة في سورية، بل لرسم خطوط التوازنات الإقليمية والدولية بين محورين: واحد تقوده واشنطن يعمل على إدارة الحرب على الإرهاب لإدامة الفوضى وإدارتها ومنع الحلّ السياسي، ومحور تقوده موسكو يعمل لدفع الحرب باتجاه سحق التشكيلات الإرهابية واستقطاب اللاعبين الدوليين والإقليميين إلى مسار سياسي يتسع لجميع الأطراف السورية، وفقاً لما تقوله صناديق الاقتراع، ويضمن للأطراف الدولية والإقليمية إغلاق مخاطر الفوضى والتقسيم التي ستطالهم شظاياها وإطفاء جذوة الإرهاب الذي يتخذ من نقاط تواجده قواعد انطلاق نحو عواصم العالم، التي تدفع الفاتورة مزدوجة بالعمليات الإرهابية والضغوط الاقتصادية والسكانية التي يمثلها النازحون الذين صاروا معضلة أوروبا الأولى. ومسار أستانة بالمنظور الروسي هو الاختبار للقدرة على استقطاب الفاعلين الإقليميين الذين بدأوا يكتوون بنار العبث بالحرب السورية، عبر تهديد أمنهم القومي ووحدتهم الكيانية. وهذا هو حال الأتراك مع مخاطر الخصوصية الكردية التي تشكل أحد مرتكزات الخطة الأميركية التي لا تخفي عبر الفصائل الذين يشغلهم حلفاؤها السعوديون و»الإسرائيليون» نيتهم تعطيل أستانة.

المعلومات التي تداولتها مصادر روسية تقول إنّ الخلافات التي كانت تعترض الانتهاء من رسم خرائط مناطق التفاهمات وتحديد آليات الرقابة بين الإيرانيين والأتراك تمّ تذليلها، لصالح تأجيل بعض البنود واختبار تطبيق بعض الخيارات التي قد تكون محافظة إدلب مسرحاً لها بتعاون روسي تركي تريد أنقرة توظيفه لوضع يدها على بعض مناطق السيطرة للميليشيات الكردية في عفرين، خصوصاً الواقعة شمال غرب حلب بعيداً عن مناطق الانتشار الأميركي.

سورية التي تشارك بوفد رسمي يترأسه السفير بشار الجعفري، قالت إنّ وقف النار الذي أعلنه الجيش جنوب سورية حتى الخميس مساهمة بإنجاح لقاءات أستانة، وأكدت أنها ستردّ بقوة على كلّ خرق لوقف النار من الجماعات المسلحة، بينما قالت بلسان نائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد إنّ التهديدات الأميركية بالعدوان على سورية يجب أن تضع في حسابات أصحابها أنّ الردّ على أيّ عدوان هذه المرة سيكون مختلفاً وبتعاون سوري روسي، بينما كان نائب قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس يقول رداً على التهديدات الأميركية بمنع بلوغ الجيش السوري والحشد الشعبي خط الحدود السورية العراقية، «طريق بغداد دمشق فتحناها ولن تُغلق».

في مقلب آخر من المنطقة تأجل استحقاق المواجهة السعودية القطرية إلى الغد، بينما يبدو واضحاً استعصاء بلوغ الحلّ الدبلوماسي مع السقف العالي الذي تورّطت به السعودية، وشعور قطر أنها قادرة على كسب تأييد دولي وإقليمي كافٍ لحمايتها، بعدما وصفت المطالب التي قدّمت إليها بالانقلاب والسعي للهيمنة على قطر.

لبنان كان على موعد سريع مع تطوّر إقليمي من نوع آخر يتصل بالتهديدات «الإسرائيلية» بالحرب، التي لم تصمد لأربع وعشرين ساعة بعدما أدّت الحملة الترويجية للتلويح بها إلى تداول وقائع وحقائق عن مخاطر أيّ حرب فعلت فعلها كحرب نفسية معاكسة أثارت غضب الرأي العام من تصريحات وزير الحرب أفيغدور ليبرمان التي تضمّنت التلويح بالحرب، ليخرج رئيس الجبهة الداخلية قائلاً لسنا جاهزين لحرب ولا نتحمّل تبعاتها، قبل أن يقول ليبرمان نفسه إنه لم يقصد الذهاب إلى حرب ولا يريدها، بينما كان حزب الله يسخر من التهديدات «الإسرائيلية»، ويقول بلسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إنهم يعلمون أنّ مصير «إسرائيل» سيكون على الطاولة في أيّ حرب مقبلة.

لكن لبنان الساعي وسط كلّ هذه المتغيّرات والتطورات لتلمّس سبل الحفاظ على استقراره، وجد نفسه واقعاً بالجمود مع إقفال الطريق على بحث الملفات الساخنة في الحكومة، بعدما ثبت أنّ تيار المستقبل بلسان وزرائه قد جعل ملفي النازحين والعلاقات بقطر رهينة لعلاقاته بالسعودية، حيث الضغوط السعودية على لبنان للتورّط بالقطيعة مع قطر تتزامن مع الضغوط لمنع أيّ تنسيق يحتاجه لبنان مع الحكومة السورية سواء في المواجهة التي يخوضها على الحدود السورية مع الجماعات الإرهابية أو في ضمان حلول عاجلة لعودة النازحين بعدما تكشّفت حال مخيمات النزوح عن كارثة إنسانية من جهة ومخاطر أمنية من جهة ثانية.

لبنان يواجه الضغوط الخليجية بـ«الحياد»

وفي وقتٍ تتزاحم الملفات الأمنية والاقتصادية والمالية والمعيشية على طاولة مجلس الوزراء الذي يعقد جلسته غداً الأربعاء، في بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي أدراج المجلس النيابي الذي من المتوقع أن يعقد جلسة تشريعية منتصف الشهر المقبل، تترقّب الساحة الداخلية تداعيات الأزمة الخليجية على لبنان مع انتهاء المهلة الخليجية الممنوحة لقطر للرضوخ لشروط السعودية وحلفائها الخليجيين قبل أن تبدأ بتنفيذ عقوباتها على الدوحة.

وإذ علمت «البناء» من مصادر مطلعة أن «الدول الخليجية لا سيما السعودية مارست ضغوطاً كبيرة على الحكومة اللبنانية ورئيسها سعد الحريري، خلال وجوده في الرياض الأسبوع الماضي، لاتخاذ موقفٍ مؤيد للإجراءات العقابية الخليجية ضد قطر»، استبعدت مصادر ديبلوماسية أن تذهب السعودية بعيداً في الضغط على لبنان وتهديده بقطع العلاقات معه في حال لم يستجب للطلبات الخليجية، موضحة لـ«البناء» أن «الخليجيين والأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي يتفهمون الحالة اللبنانية والوضع الداخلي الحساس ويدركون نتائج أي موقف يسعى أحد الأطراف لتمريره على الاستقرار الحكومي». كما استبعدت المصادر أن يتخذ لبنان موقفاً معادياً لقطر يصل حدّ القطيعة، إذ لا يمكن للبنان ان يدخل في مواجهة مع أي دولة عربية. ولفتت الى أن «السياسة الخارجية التي سيعتمدها لبنان في هذه الحالة هو الحياد وعدم الانخراط مع دولة ضد أخرى، وعلى الحكومة ووزير الخارجية أن يتواصلا بشكلٍ مستمر مع المسؤولين السعوديين والخليجيين المعنيين لتفسير الموقف اللبناني على المستويات كافة لا سيما الدبلوماسية وشرح أسباب الحياد»، مرجّحة أن تتخذ الحكومة موقفاً يُرضي كافة الأطراف المتنازعة والتي بدورها ستتفهّم الموقف اللبناني، مذكّرة بالموقف الذي اتخذه لبنان في مجلس الأمن ضد سورية ثم سمحت له الأمم المتحدة أن يفسّر موقفه بشكلٍ منافٍ للتصويت كي لا يقع في الإحراج مع سورية من جهة وكي لا يتحوّل موقفه عامل انقسام داخلي من جهة ثانية».

واستبعدت المصادر أن تعمد السعودية ودول الخليج الى شنّ عملية عسكرية ضد قطر، موضحة أن الخليجيين ليسوا بحاجة في الوقت الحاضر للعمل العسكري للضغط على قطر، بل يستطيعون الضغط عليها وحصارها اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي من المبكر الحديث عن عمل عسكري، ولفتت الى أن «تراكمات عدّة أدّت الى انفجار الأزمة الخليجية، لكن السبب الرئيسي هو زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية وانعقاد قمة الرياض التي قرّرت جمع الدول العربية السنية وتشكيل حلف عسكري موحّد للتدخل العسكري في سورية لمواجهة التدخل الإيراني، وعلى رأس هذا الحلف السعودية. لكن في إطار هذه المنظومة الجديدة من غير المسوح لدولة كقطر أن تبقي على علاقاتها مع إيران والجماعات المسلحة في سورية خارج الفلك السعودي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وفلسطين والتي تعتبر في نظرهم داعمة للإرهاب».

الانقسام حول ملف النازحين يتوسّع

على صعيد آخر، يبدو أن رقعة الانقسام السياسي والحكومي حول ملف النازحين السوريين في لبنان آخذة في التوسّع، مع محاولات صقور تيار المستقبل في الحكومة الوزيرين المعنيين بالملف معين المرعبي ومحمد كبارة تصعيد الموقف بهدف عرقلة عودة النازحين للإبقاء على الأزمة واستغلالها سياسياً وأمنياً ومادياً. وأعلن المرعبي وكبارة أمس، رفضهما التواصل مع الحكومة السورية لإعادة النازحين الى المناطق الآمنة في سورية، مشدّدين على التعاون مع الأمم المتحدة لحل هذا الملف، غير أن وزير العدل سليم جريصاتي أشار في حديث تلفزيوني بأن «التواصل مع الحكومة السورية يأتي من أجل إعادة النازحين السوريين وليس إعادة تطبيع العلاقة مع سورية، والتي هي موجودة في التمثيل الدبلوماسي في لبنان سورية والاتفاقيات المعقودة مع سورية».

وفي سياق ذلك، رفضت مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة إجبار الحكومة تحت ذرائع مختلفة التعاون مع السلطات السورية بملف النزوح، مشيرة الى أن النظام السوري هو جزء من الأزمة فضلاً عن أن لبنان يتخذ سياسة الحياد عن الأزمة السورية ولا يمكنه فتح علاقات رسمية وغير رسمية مع الحكومة السورية. وأوضحت المصادر لـ«البناء» أن «موضوع النازحين في لبنان بات جزءاً من أزمة اللجوء العالمية، وبالتالي حلّها يأتي ضمن الحل الدولي للحرب السورية ولم تعُد أزمة بين دولة وأخرى بل بين قوى إقليمية ودولية».

اجتماع أمني في اليرزة

أمنياً، استمرّت حالة الاستنفار والجهوزية لدى الأجهزة الأمنية تحسّباً لعمليات إرهابية بعد الإنجازات النوعية التي نفذها الجيش اللبناني والأمن العام في ملاحقة واعتقال الرؤوس الإرهابية الكبيرة والقضاء عليها، ولهذه الغاية عقد قائد الجيش العماد جوزيف عون في مكتبه في اليرزة، اجتماع عمل مع قادة الأجهزة الأمنية، ضمَّ كلاً من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا. وقد تمّ خلال الاجتماع بحث التطورات الأمنية في البلاد، وتنسيق الإجراءات والجهود في مجال تفكيك الشبكات والخلايا الإرهابية، وملاحقة مطلقي النار خلال المناسبات، ومكافحة الجرائم المنظمة والفردية على أنواعها.

رعد: نملك السلاح الأمضى لمواجهة العدو

وعلى ضفة الخطر «الإسرائيلي»، ردّ حزب الله على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على تهديدات المسؤولين والقادة «الإسرائيليين» بشن حرب على لبنان، وأكد رعد بأننا «نملك السلاح الأمضى الذي يُسقِط كل أسلحته. فهو يقوم بالتمثيل وووضع السيناريوات لرفع معنويات جنوده»، متسائلاً: «هل لهذا العدو الذي لم يهزمنا حين كنّا في جنوب لبنان أن يتجرّأ على شنّ حرب علينا بعد أن أصبحنا في هذه المساحات كلها؟».

وقال: «فليتوهّم «الإسرائيلي» ما يتوهّم، ولكن ما أعددناه لـ«الإسرائيلي» يجعلنا نقول إنّ مصير كيانه سيكون على الطاولة إذا تجرّأ على شنّ حرب عدوانية على لبنان».

تعديلات على خطة الكهرباء

على الصعيد المحلي، يفرض ملف الكهرباء نفسه على اهتمامات الحكومة والمسؤولين في ظل نظام التقنين القاسي والمجحف لساعات التغطية بالكهرباء في مختلف المناطق اللبنانية مع حلول موسم الصيف، وفي ظل الخلاف السياسي حول خطة وزير الطاقة لاستئجار بواخر الكهرباء.

وقالت مصادر رئيس الحكومة لـ«البناء» إن «خطة الكهرباء في ظل الوضع الحالي هي الأفضل والأفعل وقادرة على توفير الكهرباء بالسرعة اللازمة للمواطنين، من خلال بناء معملين 1500 ميغاواط وتوليد كهرباء على الطاقة الشمسية 1000 ميغاواط واستئجار بواخر لتأمين الكهرباء بشكلٍ سريع لا سيما في الطقس الحار وموسم الاصطياف لدعم قطاع السياحة، لكن الأمر متوقف على تطبيق الخطة وتقرير إدارة المناقصات الذي يدرس الخطة على أسس علمية وحجم تكاليفها المالية والذي سيقدّمه الى مجلس الوزراء الأسبوع المقبل»، لكن المصادر لفتت الى أن «تعديلات طرأت على الخطة ألا وهي شراء بواخر الكهرباء بالتقسيط على سنوات عدة بدلاً من استئجارها على أن تصبح ملكاً للدولة عند تسديد كامل تكاليفها ما يوفر على الخزينة مبالغ مالية ضخمة».

وقال وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل «أنا من يطرح الاقتراحات في ملف البواخر وعندما يكون لدي اقتراحات جديدة لن أبخل بطرحها».

الموازنة ستُقرّ والتمويل يعرقل السلسلة

وواصلت لجنة المال والموازنة عقد الجلسات لدرس مشروع الموازنة وإحالته الى الهيئة العامة في المجلس النيابي للتصويت عليه وإقراره. وقالت مصادر اللجنة لـ«البناء» إن «اللجنة لم تنته من إقرار موازنة وزارة الداخلية بعد، بل تحتاج إلى درس إضافي في لجنة فرعية حول كيفية نقل الاعتمادات للقوى الأمنية من بندٍ الى بند من دون زيادة على المبلغ المخصص لموازنة الوزارة».

أما مشروع الموازنة الكامل أضافت المصادر، «فالعمل جارٍ لإنهائه وإحالته الى الهيئة العامة»، مرجّحة أن يُقرّ المشروع الشهر الحالي وستعقد لجنة المال والموازنة اجتماعات مكثّفة الأسبوع الحالي والمقبل لإنجازها».

وعن قانون سلسلة الرتب والرواتب، كشفت مصادر مطلّعة لـ«المنار» أن «هيئات اقتصادية وسياسية لا تزال تؤثر على موضوع تمويل السلسلة»، بينما أوضحت مصادر «البناء» أن «السلسلة أقرّت في المجلس النيابي بقانون وقانون آخر يتعلّق بتأمين الإيرادات للدولة وتوقف المجلس عن درسها بعد تجميد الجلسات بسبب الخلاف على قانون الانتخاب، ورجّحت إقرارها في الجلسة التشريعية المقبلة أو التي تليها، لكنها لفتت في المقابل الى أن «إقرار السلسلة يواجه مشكلة التمويل في ظل خطر الانهيار المالي والتراجع الاقتصادي في لبنان وغياب الدعم المالي العربي والدولي بسبب الأزمات والحروب الدائرة في المنطقة وانشغال تلك الدول بأوضاعها الداخلية، فضلاً عن تراجع أسعار النفط عالمياً، وبالتالي على لبنان أن «يقلع شوكه بيده» والبحث عن موارد جديدة للدولة لتمويل العجز والسلسلة والموازنة».

وأكدت المصادر أن «لا ضرائب جديدة في مشروع الموازنة على الشرائح الشعبية الفقيرة، باستثناء زيادة 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى