«الوطنية الأميركية» تحتفل بتخريج طلابها: المعرفة الحقّ معيارها الروح لا الذاكرة

احتفلت «المدرسة الوطنية الأميركية» ـ زحلة، بتخريج دفعة من الطلاب الثانويين للسنة الدراسية 2016/2017 برعاية رئيس جمعية الصناعيين الوزير السابق فادي عبّود، وحضور وزراء ونواب سابقين وممثلين عن مطارنة زحلة والبقاع، وعن المجلس البلدي، وشخصيات علمية وسياسية واقتصادية وإدارية وتربوية وحشد من الأهالي، تقدّمه صاحبا المدرسة المحامي عزيز أبو زيد، ومشهور أبو حمدان.

دخولٌ لموكب المدرّسين والطلاب على أنغام رائعة رافيل، فالنشيد الوطني اللبناني افتتاحاً، تلته كلمة ترحيب لرانيا مرعي ثم كلمتان بِاسم طلاب المنهجين اللبناني والأميركي ألقتهما بيرلا تنوري وباميلا داود. بعد ذلك عُرض فيديو يمثل سنوات الخرّيجين في المدرسة ثمّ فيديو قصير عن جائزة التي نالها فريق المدرسة خلال دورة البطولة المفتوحة في الدنمارك.

بعدئذٍ، ألقت مديرة المدرسة تمارا الدبس كلمة المدرسة، تلتها كلمة راعي الاحتفال الوزير السابق فادي عبّود، ثمّ وُزّعَت الشهادات والهدايا التقديرية على الخرّيجين. وكان كوكتيل ومفرقعات ضوئية. واختتم الاحتفال بعشاء في «مونتي آلبرتو» تخلله تقديم أيقونة فنية إلى المطران عصام يوحنا درويش.

الدبس

بِقدْرِ ما يُبهجنا مشهد التفاعل الغامر مع موكب الخرّيجين الناجحين، تؤلمنا هذه اللحظة الفاصلة لأنّ إيقاعها مَشُوبٌ بالمغادرة، ولو إلى أفقٍ أرحب. لكنّ البلابل المتجمّعة نحو الارتحال ستبقى معنا بالتأكيد، تتلمّس جدران المدرسة كأنّها الدفء المستدام، تُكنكِن هنا في الصّفوف، في القاعات وفي الملاعب… تزقزق للصباح وللفضاء. وإذا كنّا في ما مضى نحسد العصافير لأنّها تطير فلأنّنا لم نكن نَعْلم أنّها ترتبط وتلتصق، خصوصاً عصافيرَنا التي اخْتبرتِ الوطن عطاءً وكرامة، لا مزايداتٍ أو شعارات.

نحن في المدرسة «الوطنية الأميركية» لا ندّعي تقديم النموذج الأرفع. لكنّنا نرنو إلى المسافة الفضلى، بالعمل وبالطموح، وننمّي القدرة على إضافة الزرع الأخصب إلى الحديقة. ونحن نعتقد بأنّ التّفكير النّقدي هو أحد الأهداف الرئيسة للتربية المُجدِية. لذلك قال غوته: «ليس هناك أسوأُ من معلّم لا يعرف سوى ما يعرفه تلاميذه». ونحن نتجرّأ فنقول: إنّه بالرغم من أنّ الطلاب يكملون دراسة المواد المقرّرة رسميّاً، فإنّ شريحة غير قليلة منهم في جميع المدارس تبقى ذات فهمٍ مسطّح لما درسته. وهذا ما نكافحه بقوّةٍ عندنا. من هنا ضرورة السّعي الدائم إلى الإدراكات العميقة، وإلى أن تجد المعرفة طريقها إلى الروح قبل الذاكرة، فعندها يُتاح للجميع أن يتعلّموا المهارات المطلوبة لفحص المبادئ والحقائق والقيم.

إنّ الانتقال من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة سيشكّل قفزةً نوعيّة في مجال التطوّر الحضاريّ الإنسانيّ. لكن لا بدّ من توضيح الفرق الجوهري بين مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة، ذلك أنّ المعلومات ليست بالضرورة معرفيّة بذاتها، فالمعرفة تحتاج إلى عقلٍ نقديّ يفاضل بين المعلومات فيفرز الذاتي عن الموضوعي ويميّز بين الزائف والصّحيح. لذلك يعنينا في هذا الجمع العزيز أن نوضح بضعه أمور:

1. أنّ هناك خطّة فاضحة لضرب التقاليد الحيّة في مجتمعنا، ولتدمير قيمنا الحضاريّة ومنظوماتنا الأخلاقيّة. لذلك لا بدّ من تأمين التعليم الهادف، والعائلة المثلى والمدرسة القدوة.

2. أنّنا نبني النّشء على مفهوم المواطَنة. والمواطَنة لا تعني فقط تعميم مؤسّسات المجتمع المدني، بل تعميق فكرة الدولة إذْ لا مواطنة فعليّة بمعزل عن وجود الدولة الوطنيّة، الضامنة للجميع أمناً وحريّةً وازدهاراً.

3. أنّ الصفة العلمانيّة للمدرسة لا تعني إهمال الروح أو تحييد الله، فمكان الله من قلبنا هو القلب كلّه، كما يقول الحلاّج الذي استشهد لأنّه باح بالسرّ لغير أهله. لكنّنا نحيّد المظاهر الفئويّة التفريقيّة لأنّ هدفنا التوحيدُ والمساواةُ وتكافؤ الفرصْ.

4. أنّنا نحذّر طلاّبنا من المفاسد والمسكرات وسائر المغريات، تماماً كما نحذّرهم من مخالفة القانون وحوادث السّير الكارثيّة بمسبّباتها قبل نتائجها.

5. أنّنا، إلى جانب اهتمامنا البالغ بإتقان اللّغة الإنكليزيّة التي هي لغة العالم الأولى في التّعليم والاقتصاد والسياسة والمنظمّات الدوليّة وعالم الأعمال، فنحن نعتزّ بلغتنا العربيّة لأنّها وعاءُ ثقافتنا، وهي اللّغة الّتي اعتبرتها المديرة العامّة الحاليّة لمنظّمة الأونيسكو إيرينا بوكوڤا «حليفتنا في محو الأميّة، وفي كونها تكتنز أصوات العلماء والشّعراء والفلاسفة الذين سخّروا قوّة هذه اللّغة وجماليّاتها لخدمة الإنسانيّة».

وتوجّهت الدبس إلى الخرّيجين والخرّيجات قائلةً: لا تدّعوا الاستقامة متى التويتم، ولا الإيمان إذا انجَرَرْتُم إلى أفكار وألفاظ تخلو من الاحترام… كذلك لا تتشاطروا، ولا تقفزوا أمام المخلصين ولو رأيتم آخرين يعتمدون التّذاكي والدخول على تعب الغير. إنّ المواطن الصالح، الصابر، المجاهد، هو من عرف أنّ الزّؤان يَنبتُ مع الحنطة في حقل الربّ إلى أن يفرّقهما الحَصَاد… لا بدّ للباطل من جولة وللعمارة العنكبوتيّة من أن تبدو صامدة، لكنّها هبّة واحدة من الرّيح وتتساقط.

هذه عبرة التاريخ يا أجيال الغد الآتي. فكونوا بحجم المسؤوليّة المترتّبة على الذين اختاروا حياة العزّ والكرامة.

عبود

وأشار ضيف الاحتفال بداية الى أهمية التربية والتعليم في صنع المستقبل، اخصوصاً في عصر يتسارع فيه التطور ويسيطر اقتصاد المعرفة على برامج الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن معظم المدارس الرسمية في لبنان فاشلة مع بعض استثناءات. إلا أن المدارس الخاصة النوعية تواكب حركة التقدم المتسارعة، وتركّز على اللغات الأجنبية لتستطيع اقتحام العلوم العصرية وتسديد حاجة المجتمع إلى المبدعين والناجحين.

ولفت عبود الى ضرورة أن يكون الإنتاج هو الدليل في شتى ميادين المعرفة لأن التعليم الاستهلاكي لا يجعلنا متقدمين بمقدار ما يجعلنا تابعين وعاجزين عن المنافسة.

وبعدما نوّه بلحظة وجوده بين الطلاب كأجمل لحظات حياته كلّها، ساق عبّود أمثلة على نجاح شركة «أوبر» المذهل، وعن استحالة أن يكون لدى أحدنا في المرحلة التي كان فيها تلميذاً خلال القرن الماضي إمكان أن يتصور اختراع الهواتف الخلوية مهما تكن المدرسة التي درس فيها متطورة.

وختم راعي الاحتفال بدعوة الخريجين والمسؤولين معاً إلى عدم القناعة بتصدير الأدمغة لاستجلاب الأموال، بل إلى التشبّث بالوطن وتنفيذ المشاريع الوطنية الإنتاجية اللائقة بشعبنا وطاقاتنا وإنجازاتنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى