قانصو: الطّغاة الظالمون مهما استطالوا وصالوا وجالوا يبقون أقزاماً أمام رجال القضية وشهدائها سعادة: أنطون سعاده الفكر والقضية والنهضة يبقى مشعّاً لآخر الزمن مراد: سينصف التاريخ سعاده بروحه السامية واستشرافه المستقبليّ الراهن

أقام الحزب السوري القومي الاجتماعي احتفالاً حاشداً بمناسبة الذكرى الـ 68 لاستشهاد مؤسس الحزب الزعيم أنطون سعاده، في قصر الأونيسكو، بحضور رئيس الحزب الوزير علي قانصو وأعضاء القيادة المركزية والرئيس الأسبق للحزب مسعد حجل، وكريمة الزعيم د. صفية سعاده.

وحضر الاحتفال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثَّلاً بوزير مكافحة الفساد نقولا تويني، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ممثَّلاً بوزير المالية علي حسن خليل، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وزير السياحة أواديس كيدانيان، النوّاب: د. قاسم هاشم، د. نبيل نقولا، د. مروان فارس، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد فتحعلي، سفير فلسطين أشرف دبور، أمين عام المجلس الأعلى اللبناني – السوري نصري خوري، القائم بالأعمال الصيني ناديا تشين، وممثّلون عن سفارات روسيا الاتحادية وسورية والجزائر والرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية بيتر الأشقر.

كما حضر النائبان الأسبقان لرئيس مجلس النوّاب ميشال معلولي وإيلي الفرزلي، رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص ممثَّلاً برفعت بدوي، الوزراء والنوّاب السابقون: عبد الرحيم مراد رئيس حزب الاتحاد ، د. عدنان منصور، يوسف سعادة عضو قيادة تيّار المردة ، فادي عبّود، د. عصام نعمان، بشارة مرهج، وجيه البعريني رئيس التجمّع الشعبي العكاري ، د. عدنان طرابلسي جمعية المشاريع ، د. زهير العبيدي ممثّل الجماعة الإسلامية ، زاهر الخطيب أمين عام رابطة الشغّيلة ناصر قنديل رئيس تحرير جريدة البناء ، وممثّل عن أمين عام حركة النضال اللبناني العربي فيصل الداوود.

ومثّل قائد الجيش العماد جوزيف عون العميد محمد عبدالله، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المقدّم إيلي الديك، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا العقيد أيمن سنو، ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني منصور مسؤول مخابرات بيروت العميد بهاء حلاّل.

وحضر السيّد نزار زاكي ممثلاً عن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وزير المهجرين الأمير “طلال أرسلان”  وحضر أيضاً رئيس حزب الوعد جو حبيقة، الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان نعمان شلق، مفوّض العدل في الحزب التقدّمي الاشتراكي نشأت الحسنيّة، عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني سلام أبو مجاهد، منسّق الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي سايد فرنجيّة، رئيس جمعيّة قولنا والعمل الشيخ أحمد القطان، نائب الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري خليل الخليل وعضو القيادة إبراهيم ياسين، نائب رئيس حزب الاتحاد د. أحمد مرعي وعضو المكتب السياسي هشام طبارة، عضو المكتب السياسي في حركة أمل علي عبدالله، عضو قيادة المؤتمر الشعبي اللبناني كمال حديد، نائب أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة عطالله دياب، عضو قيادة رابطة الشغّيلة حسين عطوي، عضو قيادة حزب البعث فايز ثريا، أمين مجلس محافظة بيروت في حركة الناصريّين المستقلين – المرابطون غسان الطبش، عضو المجلس السياسي في حزب الله د. علي ضاهر، رئيس حزب الوفاق بلال تقيّ الدين، الأمين العام للحزب العربي الاشتراكي في لبنان الدكتور علي حرقوص، أمين عام حزب التواصل حسين مشيك، محمد السيد قاسم، أمين سرّ المجلس الدستوري القاضي أحمد تقيّ الدين، اللواء علي الحاج وعقيلته، صلاح صلاح، د. أمين حطيط، رياض صوما.

الأمين العام لاتحاد العمال العرب غسان غصن، رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، وحضر أيضاً أمين سرّ منظمة الصاعقة في لبنان أبو حسن غازي، ممثّل حركة الجهاد الإسلامي شكيب العينا، ممثّل عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ممثّل عن حركة فتح الانتفاضة، وفاعليّات اجتماعيّة وسياسيّة وهيئات نقابيّة وحشد من القوميّين والمواطنين.

بعقليني

استُهلّ الاحتفال بالنشيدَين الوطني اللبناني والسوري القومي الاجتماعي ثمّ دقيقة صمت تحية لشهيد الثامن من تموز وشهداء الحزب والأمّة، ثمّ كلمة ترحيب وتعريف ألقتها رندا بعقليني.

يا شهيد تموز.. يا قدوة الشهداء..

نُقسم بدمك المسفوح.. غدراً

نُقسم بكَ.. زعيماً هادياً أنّنا على عهد الوفاء ووعد الفداء..

نُقسم بهذه الأرض برمل الجناح الذي لو نطق لانتفض كرامةً وبطولةً وهزأ برصاصات الغدر والخيانة، مُعلناً سعاده زعيماً حيّاً أبداً وقاتِلوه أمواتاً أمواتا.

أرادوها النهاية.. فكانت البداية

انتفض مارد العزّ القومي

قاماتٍ تأبى الانحناء، نفوساً تأبى الانكسار، صوتاً يدوّي في الزمان والمكان

لا وألف لا، سعاده لن يموت

القتلة وحدُهم في ذُلّهم يموتون

أمّا زعيمنا وشهداؤنا أحياء في كلّ حرٍّ يولدون

يا شهيد تموز.. يا أيقونة الفداء

تحدّيتَ الطّغاة محتلّين ومستعمِرين، عملاء وأنصاف رجال، أطلقت المقاومة.. فكراً وعقيدة، نهجاً وصراعاً.

علّمتنا أنّ الحق أقوى وأبقى، وأنّ الظلم والطغيان والاحتلال والإرهاب إلى زوال، وحّدتنا بالانتماء… عبرتَ بنا من هشيمِ الطائفية إلى برّ الخلاص.

يا شهيداً حيّاً حاضراً أبداً، انتصرتَ بدمِكَ، بوقفة العزّ، معلناً أنّنا حزبٌ لا يهاب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة.

يا سعاده

يا زعيم النهضة، يا شهيد القضية

ها هُم أبناؤك.. أبناء الحياة..

ألوفاً مؤلّفة..

يملؤون الأزمنة حراكاً والمواقع صراعاً

يقضّون مضاجع الخونة والإرهابيين يردّدون:

«إنّ العبد الذليل لا يمكنه أن يمثّل أمّة حرّة لأنّه يذلّها».

وإنّ أحداً لا يستطيع اقتلاعنا من أرضنا، من تاريخنا، من بلادنا سوريانا، هنا دمنا أثمر صلابة وعناداً، عِزّة وعنفواناً، كرامةً وانتصاراً، ومن يبذل الدم يظفر بالكرامة ويحصد الانتصار

جاؤوكَ اليوم يا زعيمي التزاماً ووفاءً

عزائمهم لا تلين..

إيمانهم لا يتزعزع

شلالات عطاء… ينابيع فداء… زوابع غضب

إنّهم القوميون الاجتماعيون.. جنود النهضة، حُماة الأرض، أبناؤك هم نسور الزوبعة، لهم يحني المجد هامته، هم الأمل يتحدّونَ الصِّعاب بلا وجل، لهم النداء:

بكم تتحرّر الأرض.. وبكم يُصان العِرض والشرف

بناةُ حضارةٍ أنتم وأنتم نهضة القِيم

وأنتم خالدون خلود الأرز في القمم.

يا زعيمي يا معلّمي يا سعاده

يا شهيداً لم تُمِتْه رصاصات الغدر

عهداً لكَ، لن نغادر ساحَ الصراع

الساح ساحُنا.. الأرض أرضنا، الحق حقّنا، والدماء وديعة الأمة فينا.

قسماً بدمك، لن نهادن.. لن نساوم. سنقاوم سنقاوم سنقاوم.

اليوم، هو يوم الوفاء لسعاده

للشهداء.. طليعة انتصاراتنا الكبرى

لسعيد العاص وحسين البنّا.. لسعيد فخر الدين وحسن عبد الساتر، للصدر عساف كرم ، لشهداء الثورة القومية الاجتماعية الأولى، لشهداء جبهة المقاومة الوطنية، لخالد علوان ورصاصاته التي حرّرت بيروت وحطّمت عتوّ الاحتلال

لكواكب الاستشهاديين… لشهداء مجزرة حلبا، نسور الزوبعة في الشام، لسامي سعاده وأيهم الأحمد وفيصل الأطرش وصبحي العيد وثائر بلّة وعلاء ختيار وحسن فَلاح وحسام مسوح وفضل الله فارس وبشار المير، لأدونيس نصر ومحمد عواد ورعد مسلماني وعلاء نون وأدهم نجم، هو يوم لكلّ مَن قاوم وأعطى وقدّم في سبيل الحزب والقضية…

لكلّ من ارتقى شهيداً وكتب بالأحمر القاني أسطورة حزب يقاوم بحقّه وينتصر لحقّه. أسطورة حزبٍ أذلّ الطّغاة وأسقط التقسيم وحارب الاحتلال والعدوان والإرهاب وانتصر. هو يوم لكلّ من آمنَ وأعلن: الحق سلاحي وأقاوم وأنا فوق جراحي سأقاوم

أنا لن أستسلم لن أرضخ

وعليكِ بلادي لا أساوم.

الوفاء في ذكرى الفداء.. للمبادئ والثوابت والمنطلقات

للمقاومة وسلاحها وسيرَتها ومسيرِتها وشهدائها…

للشام الأبيّة.. موقفاً وموقعاً، صموداً وثباتاً، جيشاً وشعباً، قائداً وقيادةً، شام المجد عنها المجد لم يغب.

لفلسطين البوصلة.. ثورة بنادق وانتفاضات حجر، خياراً جليّاً واضحاً لفلسطين، كلّ فلسطين، بلا إذعان وصكوك عار.

للعراق المنتصر… واحداً موحّداً، أرضاً وإنساناً، وقفة بطولة هزمت قاتلاً وغازياً ومحتلاً

لبلادي سورية

سورية لكِ السلام …. سورية أنتِ الهدى

سورية لك السلام …. سورية نحنُ الفدى

الوفاء لكَ يا سعاده

بأنّنا على العهد كما عهدُك بنا باقون

بمبادئنا متمسّكون

بعقيدتنا راسخون

بحزبنا منتظمون

بنسورنا شامخون

بمقاومتنا منتصرون

شاء من شاء وابى من أبى

«فنحن أبناء الحياة الأوفياء المفتدونَ كلّنا جندٌ لتحيا سورية مستشهدونا»

تيار المردة

كلمة تيّار المردة ألقاها الوزير السابق يوسف سعادة، وممّا جاء فيها: «في الثامن من تموز 1949، أخذوا أنطون سعاده الجسد. في الثامن من تموز2017، وإلى آخر تموز، يبقى فكر أنطون سعاده حيّاً، مشعّاً في العقول، ثقافة ومعرفة ونهضة، ونابضاً في القلوب إيماناً بقضية وبأمّة، ومزهراً فكراً رؤيويّاً مقاوماً وقامات مقاومين.

لا أقف هنا، لأتحدّث عن أنطون سعاده المفكّر والمثقّف والأديب والسياسي، فهو لا يحتاج إلى شهادة منّي، لأنّه أحدث في الأرض زلزالاً فكرياً، ما زالت ارتداداته مستمرّة على مقياس القول والفعل.

استشرف أنطون سعاده قضيّتين اجتاز بهما الزمان، الأولى هي خطر «إسرائيل» الدائم، فمنذ يوم احتلالها لفلسطين وأطماعها التي تجسّدت حروباً ودماراً واحتلالاً، كان القوميون الاجتماعيون روّاد مقاومتها إلى يومنا هذا، وبعدما دخلت المنطقة في دوّامة من العنف، فلن نستطيع إبعاد الخطر والعنف، إلّا إذا عدنا وتوحّدنا كعرب حول قضيتنا المركزيّة لننتزع حلّاً عادلاً لفلسطين وشعبها».

وأضاف: «أمّا القضية الثانية، التي حذّر من خطرها، فهي الطائفية التي فتكت وما زالت تفتك بمجتمعاتنا ودولنا، ونحن نشهد اليوم أبشع وجوهها، ظاهرة التطرّف التي تعمّ منطقتنا، والتي جعلت البعض يستغلّ الدين ويشوّهه، ويخرّج إرهابيّين يقتلون الأطفال والنساء ويسحلونهم ويفجّرونهم، ويبتكرون فنوناً في الإجرام لم تعرفها العصور الغابرة».

من منبر أنطون سعاده نحيّي المقاومة والجيش على بطولاتهما

وأشار الوزير سعادة إلى أن «هذين النموذجين يشكّل لبنان المتنوِّع عدوّاً لدوداً لهما فالنموذج اللبناني هو نقيض العنصرية «الإسرائيلية»، وإرهاب «داعش» وأخواتها. من هنا، ومن على منبر أنطون سعاده، واجب علينا أن نوجّه بفخر التحية إلى المقاومة التي قاتلت «إسرائيل» وانتصرت عليها، وهي في معركتها اليوم تواجه الإرهاب، وستقضي عليه، كذلك نوجّه التقدير لجيشنا اللبناني ولقوّاتنا الأمنيّة التي تسطّر كلّ يوم عملاً بطوليّاً ضدّ الإرهاب المتربّص بنا».

ولفتَ الوزير يوسف سعادة إلى أنّ «الحزب السوري القومي الاجتماعي ينادي بالنسبيّة منذ زمن، لأنّها الوجه الأمثل للتمثيل الصحيح، وها هي قد تحقّقت، وإن لم يكن القانون الذي أقرّه المجلس النيابي مؤخّراً، مثالياً. وهو في شكلٍ أو آخر، يحدّ من إيجابيات النسبيّة، لكنّه أفضل من القوانين السابقة بكثير، ومن المهم والمفيد جداً أن تدخل ثقافة النسبيّة على حياتنا السياسية، فيتمثل الجميع في المجلس النيابي، ويتمّ الإقلاع عن نظريات الإلغاء التي دفعنا ثمنها غالياً».

يجدر باللبنانيين أن يتواضعوا فليس لهم نزعُ شرعيّة دولة أو منحُها

من جهةٍ ثانية، أشار إلى أنّه «تمّ التعاطي مع أزمة النزوح السوري منذ يومه الأول بشكل خاطئ نتيجة المزايدات الداخلية. وممّا لا شكّ فيه، أنّها قضية إنسانية إنّما تشكّل على لبنان خطراً بنيويّاً على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنيّة كافّة، من هنا علينا معالجتها من منطلق وطني، وليس من منطلق سياسي أو طائفي. فمواقف كلّ الأفرقاء اللبنانيّين من الحرب في سورية واضحة ومعروفة، وصحيح أنّنا اتّفقنا على وضع القضايا الخلافيّة جانباً، ولكنّ المصلحة الوطنيّة تقتضي الحوار مع الدولة السوريّة، لأنّها الطريق الوحيدة لمعالجة هذه الأزمة. ونحن لا نطرح هذا الأمر من باب غلبة فريق على آخر، كما أنّه علينا أن نتواضع قليلاً كلبنانيّين، فنحن لا نعطي شرعيّة لدولة أو ننزع عنها شرعيّتها.

وختم الوزير سعادة، مؤكّداً أنّ الحوار هو سبيلنا الوحيد وعلينا أن نعمل على تبديد هواجس الجميع، كي نتمكّن من الوصول إلى الدولة المدنيّة، دولة العدالة والمساواة، دولة المواطنة على أساس الكفاءة والمعرفة والقدرة، لا دولة التناحر الطائفي والمذهبي، فهذا هو الطريق الوحيد لخلاص لبنان.

حزب الاتحاد

وألقى رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد كلمة، جاء فيها: «حين يستعرض المؤرخّون المُنصِفُون هذه المرحلة من الزمن، التي عاش فيها صاحب الذكرى، الشهيد أنطون سعاده، سيسجّلون له هذه الروح السامية، التي تجلّى بها تاريخه السياسي النضالي، وهذا الاستشراف المستقبليّ لكثير من القضايا التي مازالت ساخنة إلى اليوم، والتي يتمحور حولها الكثير من الجدل في الخطاب العام، ومنها:

أولاً: الموقف من فلسطين والقضية الفلسطينية، الذي كان محوريّاً في فكر سعاده، وجذريّاً في تحليله السياسيّ لأبعاد الصراع مع الصهيونية، ورفض المقولات الغربيّة كلّها بشأن الهجرة والاستيطان والوطن القوميّ لليهود، وقناعته في وقت مبكر بأنّ هذا المشروع الصهيوني الغربي، لا يستهدف فلسطين فقط، بل يستهدف محيطها كلّه وما بعد حدودها. وهذا ما أكّدته الوقائع والأحداث، ابتداءً من اتفاق كامب ديفيد، فأوسلو، فوادي عربة، وليس انتهاءً بالتخريب والتدمير العربي الذي طال دولاً عديدة. الأمر الذي يجعلنا أكثر تمسّكاً بثوابت هذه القضيّة، التي خلاصتها: إنّ فلسطين قضية أمّتها بمقدار ما هي قضية شعبها، وإنّ أرضها كلّها حقّ للمواطنين الفلسطينيين الأصليين، وإنّها ليست موضوع مساومة وحلول مجتزأة، وإنّه ليس من حقّ أحد أن يصادر حقوق الأجيال المقبلة في تحريرها.

في هذه الذكرى، نؤكّد أنّ الوطن تبنيه الإرادات المؤمنة بوحدة أبنائه، من دون الالتفاف إلى المكاسب التي تجنيها الطوائف فالطائفية تفرّق والقومية هي الحلّ بوحدتها الكفيلة بإعادة الاعتبار لأمّتنا، وإعادة إحياء المشروع العربي الذي تكون في مقدمة أهدافه، استعادة التراب السليب في فلسطين، كلّ فلسطين، ومقدّساتها. والعروبة وحدها هي الجامعة للطاقات الخلّاقة والمانعة من التفتت والتمذهب، والعروبة وحدها هي الضمانة في وجه الأحلاف والمحاور التي تستهدف وحدة الأمّة وحريتها. ومع أنطون سعاده، نردّد اليوم: «إذا لم تكونوا أنتم أحراراً من أمّة حرّة فحرّيات الأمم عار عليكم».

حارب الطائفية المرض المفكّك

«ثانياً، الموقف من الطائفية التي هي مرض ينخر المجتمع ويشتّت مكوّناته، ويقضي على مفاهيم بناء الدولة ويحول دون وجود مجتمع سويّ، ويجعل من المجتمع الواحد مجتمعات عديدة تتنافر فيما بينها بدلاً من أن تتآلف في وحدة مجتمعيّة واحدة، وتنصهر في بوتقة المواطنة الصحية والصحيحة، وتجعل من الوطن كلّه وحدة متماسكة يتقدّم فيها الولاء للوطن على كلّ ولاء، ولا يستطيع أحد أن ينكر اليوم أنّ أحد أكثر أمراضنا السياسية استعصاء على العلاج، إنّما هو الطائفية البغيضة التي تجعل من الوطن أوطاناً ومن المواطنين أسرى انتماءاتهم الدينيّة، التي تتشظّى إلى المذهبيّة ثمّ إلى ما هو أشدّ خطراً، حين يصبح المذهب نفسه ضحيّة المصالح السياسية والفتاوى الدينيّة غبَّ الطلب.

ثالثاً: الموقف من اللغة العربية التي هي جزء أساسي في منظومة فكر سعاده، والحرص على إتقانها قراءة وكتابة ومحادثة. وهو في هذا الموقف يعبّر عن وظيفتين لهذه اللغة، فهي من جهة أداة للخطاب والتفاهم، وهي من جهةٍ أخرى وعاء للمعرفة بما يتضمّنه هذا الأمر من بُعد حضاري جامع، وبما يمكن أن يترتّب عليه من رؤية مستقبلية واعدة، إضافة إلى أنّ اللغة العربية ومن منطلق الفكر القومي الاجتماعي نفسه، يمكن أن تكون جسر الوصل والتواصل».

سعاده فيلسوف الوحدة القومية الجامعة

«رابعاً: الموقف من الوحدة، ففي وقت مبكّر اعتبر القوميّة عاملاً جامعاً وموحّداً، ومن هذا المنظور القومي حدّد مفهومه للأمّة السورية، وخطا بذلك خطوة متقدّمة ضدّ التجزئة والإقليمية. وهو ما يمكن البناء عليه من أجل وحدة أجمل وأوسع هي الوحدة العربية، التي نرى بأنّ العروبة هي مرجعيّتها وأنّها بالنسبة إلينا هي الحلّ لأزماتنا العربيّة المعاصرة، وأنّه ليس من قبيل الصدف أن نرى تحوّلاً في الخطاب العربيّ الرسميّ نحوها، ومحاولة الاحتماء بها، الأمر الذي يؤكّد قوة حضورها في الزمن الصعب والعودة إليها كعنصر جامع وضامن، وبأنّها النقيض لكلّ الاصطفافات الطائفيّة والمذهبيّة، وبأنّها سترة النجاة في خضمّ هذه العواصف العاتية مع وجوب اقترانها بالأسس الرئيسيّة للمشروع الحضاري العربي المعاصر، الذي أرسته الناصرية وهي الخطوة الأساسية لبناء دولة حديثة.

خامساً: إنّ الوطن الذي ينتظرنا لنشدّ أزره والمساهمة في نهضته العلمية والاقتصادية والسياسية، هو الوطن الذي نطمح أن يكون لكلّ أبنائه في المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وكنّا نتمنّى أن يتيح المشاركة للشباب في رسم سياسته، من خلال تخفيض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، كما هو معتمَد في دول العالم كلّها، واعتماد النسبيّة الكاملة في كلّ لبنان، أو اعتماد الدوائر الكبرى لإتاحة الفرص أمام تمثيل الشرائح السياسية والنقابيّة والحزبية كافّة، آملين أن تتطوّر مستقبلاً الصيغة النسبيّة المنقوصة والمشوّهة التي أُقرّت حالياً، وأن تتحوّل في قانون الانتخابات المقبلة إلى صيغة النسبيّة الكاملة من دون أي تشويه».

وختم مراد قائلاً: «مستمرّون مع المؤمنين كلّهم بقدرة الأمّة على النهوض. مستمرّون في اعتبار قضيتنا المركزية هي فلسطين ومقدّساتها، ومؤمنون بأنّ ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلّا بالقوة، ومستمرّون في إعداد الأجيال التي يحاولون مصادرة حقّها في التوثّب والعمل نحو استعادة مجد الأمّة، ليكون لها الغد الأفضل وتحجز مكانها بين أمم الأرض، حرّة أبية متحرّرة من الجهل والتفتيت».

حزب الطاشناق

وألقى كلمة حزب الطاشناق وزير السياحة أواديس كيدانيان، وجاء فيها:

«الزعيم أنطون سعاده عاش في حقبة زمنيّة معيّنة، لكنّه استشرف المراحل التاريخية كلّها بفضل رؤيته وبصيرته ونظرته الثاقبة، فرأى المستقبل واستشفّ من الماضي ليعرف كيف يتمّ الحفاظ على الأرض والوطن. هذا ما يترجمه وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسّسه سعاده الذي يجسّد فكره قولاً وفعلاً».

ولفتَ إلى أنّ «سعاده بفكره العظيم لم يكن رجل سياسة، بل وضع أساساً للحياة والمجتمع، لأنّ السياسة الراقية لا يمكن أن تكون منفصلة عن المجتمع الذي يؤمّن لها ديمومتها، ولعلّ ما يجمع بين الحزبَين القومي والطاشناق هو الاهتمام بالمجتمع والعمل لأجله، فنحن من الشعب وللشعب».

العقيدة القومية عظيمة بتأسيسها على نظام الفكر والنّهج والعلم

كما تطرّق كيدانيان إلى مسألة النظام الذي كان مبدأ أساسياً في فكر سعاده، الذي وصفه بأنّه نظام الفكر والنهج، لافتاً إلى أنّ «سعاده أدرك أهميّة النظام والعلم في الفكر والنهج، وبالتالي أوجد الحقائق العلميّة المبنيّة على أساس العقل. ومن هنا كانت هذه العقيدة العظيمة التي أوجدها سعاده، لأنّها مبنيّة على العقل وتعتمد النظام في الفكر والنهج، فكان هذا الحزب العقائديّ العظيم الثابت والراسخ».

ولفتَ كيدانيان إلى تشديد سعاده على دور الأخلاق في التعاطي بالعمل السياسي، مشيراً إلى أنّ هذا ما نفتقر له في حياتنا السياسية لجهة غياب المناقبيّة والأخلاق. كذلك تناول كيدانيان حديث سعاده وتشديده على «الفرق بين العيش والحياة الحرّة العزيزة، وهو ما يؤكّد أنّ سعاده كان يريد لشعبه أن يحيا بشرف وعزّة وحريّة وإباء، وليس أن يعيش لمجرّد العيش لأنّ المخلوقات كلّها تعيش، أمّا الشعوب الحيّة والتي تملك العقيدة، فهي التي تحيا بفكرها وعقيدتها ومبادئها، فأنطون سعاده أوجد الحزب القومي الذي هو حزب الحياة».

وختم كيدانيان مستشهداً بقول سعاده، إنّنا «أمّة تحبّ الحياة لأنّها تحبّ الحرية، وتحبّ الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة»، ونحن نؤكّد بأنّنا سنعمل من أجل أن تستمرّ هذه الحياة انطلاقاً من الوحدة الاجتماعية بين مختلف أبناء هذا الوطن، وبعيداً عن المذهبية والطائفية. فأنطون سعاده أشار إلى أنّ «اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض».

التيار الوطني الحرّ

وألقى ممثّل التيّار الوطني الحرّ عضو تكتّل التغيير والإصلاح النائب نبيل نقولا كلمة، جاء فيها:

«شرفٌ لي وَلِمَنْ أُمثّلُ أنْ أقفَ اليومَ بينَكُم مُتحدّثًا في ذكرى الحياة، «الحياةُ لا تكونُ إلّا في العِزّ، أمّا العيشُ فلا يُفرّقُ بينَ العِزِّ والذِّلّ».

شرفٌ لي ولِما أمثّلُ أنْ نُحيي معاً مناسبةَ التضحيةِ الذّروة، فالدّماءُ الزكيّةُ هي زيتُ القِنديلِ الّذي سيُضيءُ مستقبلَ الأجيالِ الآتية».

«يجبُ أنْ أنسى جِراحَ نفسي النازفةَ لأضمّدَ جراحَ أُمّتي البالغة»، وتابع بالقول: «لا أدري إن كُنّا قد اِلتأمْنا اليومَ كَي نُحيي ذكرى الزعيمِ أم روحَ الحياة؟ فشهادَتُه كانَتْ الحدَّ الفاصلَ بين الحياةِ والموت، فما أشبه مبدأ «يستطيعُ العالمُ أن يسحقَني ولن يأخذَ توقيعي» بمبدأ «الحياةُ وقفةُ عِزّ».

الحياةُ ذاتُها لا نستحقُّها إن لم نعملْ ونضحِّي من أجلِها كي تصيرَ حياةً كريمة، وأنا واثقٌ أنّ في هذا المبدأ الرحيقِ الأثيريِّ الّذي أراد سعاده أن نتذوّقَهُ عَبر استشهادِه. نعم، الحياةُ الكريمةُ يُعملُ لها ويُضحَّى من أجلِ مبادئِها السامية، فهلْ نرضى ونحنُ الجيلُ الّذي تربّى على مبادئ النهضةِ أن نعيشَ الحياةَ، كما تأتي عاديّةً روتينيّةً إن لم نقلْ ذليلةً خانعة؟».

حياتنا نضال متجدّد لتثبيت الربيع في مشرقنا

وأضاف: «أواخر الخمسينيّات من القرنِ المنصرمِ كانَ والدي يقولُ لي: إنّ الشيوخَ في القرى كانوا يتهامسونَ في ليالي سهرِهم، عن اللّحظاتِ الأخيرةِ في حياةِ الزعيمِ وعن رباطَةِ جأْشِهِ، وكيفَ أنّهُ نَهَرَ العسكريَّ المولَجَ بتنفيذِ الحُكْمِ قائلاً: «اِضربْ فلا ربيعَ في الوادي»، وإذا بحياتنا حكايةُ نضالٍ متجدّدٍ نعيشُها يوميّاً لتثبيتِ الربيعِ في أرضِ وطنِنا المشرقيّ، والّتي تنهارُ حضارتُها يوماً بعدَ يوم، حتّى بِتْنا نشعرُ أنّنا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى سعاده كي يَأتِيَ كلَّ يومٍ ليُنقذَنا من طغاةِ الانحطاطِ والانهيار».

وقال: «نعم، نحنُ بحاجةٍ إلى ثورةٍ تشلِّعُ أنظمَتَنا الّتي تستغِلُّ إنسانَنا. بحاجةٍ نحنُ إلى نهضةٍ تلمِّعُ عقولَنا الّتي أكلَها الزِّنجار، بحاجةٍ إلى أنطون سعاده يولَدُ يوميّاً في قلبِ كلِّ واحدٍ فينا. إنّ محاكمةَ الزعيمِ أنطون سعاده المَيْدانيّةَ الصّوَرِيّةَ هي محاكمةٌ سياسيّةٌ بامتيازٍ، وحُكْمُها لم يكنْ بحقِّ الرجلِ وما يمثّلُ، إنّما هو إعدامٌ للحرّيّة. نعم هي الحرّيّةُ قَدْ أُعدِمَت. فسعاده ما زالَ حيّاً وها نحنُ في حَضْرتِهِ اليومَ. الحرّيّةُ كانَتْ الضحيّةَ ولا تزالُ، طالما هناكَ قاضٍ عبدٌ لنظامٍ سياسيّ، وطالما هناك زبائنيّةٌ ومحسوبيّات».

عبرة الذكرى وجوب النضال لتأسيس مجتمع حرّ

وأضاف: «في الثامن من تمّوز، ليسَ لنا إلّا أنْ نستخلِصَ العِبرةَ الحقيقيّةَ من اِستشهادِ الزعيمِ أنطون سعاده، وهي: يجبُ علينا النضالُ والنضالُ والنضالُ من أجلِ التأسيسِ لمجتمعٍ حرّ، وهذا لا يكونُ إلّا عبرَ فصلِ السلطاتِ التنفيذيّةِ والتشريعيّةِ والقضائيّة، عبرَ دولةٍ يكونُ الشعبُ مصدراً للسلطات، عبرَ ديمقراطيّةٍ لا تمثّلُ التاريخَ الماضي ولا التقاليدَ العتيقة، ولا المجدَ الغابر، بلْ مصلحةَ الشعبِ في الحياةِ الواحدة، عبرَ انتخاباتٍ نيابيّةٍ يتطلّعُ فيها المواطنُ إلى المصلحةِ العامّةِ لا الخاصة، وقيمةُ المرشَّحِ تكمُنُ في نظريّاتِهِ ومبادئِه».

وتابع: «إنّ التيّارَ الوطنيَّ الحُرَّ الّذي جئتُكُم اليومَ ناطقاً بِاسمِهِ، ومنذُ ثورةِ فخامةِ الرئيسِ العماد ميشال عون من منفاه، ما انفكَّ يمدُّ اليدَ إلى القوى السياسيّةِ في لبنانَ كافّة، طاوياً صفحاتِ الماضي وتاركاً الفصلَ للتاريخِ والقضاء، إيماناً منّا أنّ لا سبيلً إلّا بالحوارِ والتلاقي».

وأشار إلى «أنّ كلَّ ما فينا هوَ منَ الأُمّة، وكلَّ ما فينا هوَ للأُمّة»، كان لفخامةِ رئيسِ الجمهوريّةِ العماد ميشال عون ماضٍ كُتِبَ عنْهُ، وهناكَ مستقبلٌ يُكتَبُ منذُ 31 تشرين الأول 2016، وغايتُهُ الأولى هي الأمْنُ والاستقرارُ والعدْلُ والمساواةُ لأنّها الأساسُ الّذي يُبنى عليه. نَقِفُ اليومَ، والعماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّةِ اللبنانية، لنضعَ قلوبَنا وأيديَنا وأكتافَنا للنضالِ معاً من أجلِ الحرّيّة. فَلنتكاتَفْ من أجلِ مساعدةِ رئيسِ الجمهوريةِ في مسيرةِ بناءِ الدولةِ، ومن أجل إيجادِ الحلِّ العادلِ والشاملِ للقضيّةِ الفَلسطينيّةِ، وضمانِ حقِّ العودةِ للّاجئينَ الفَلسطينيّينَ ووقفِ الممارساتِ العدوانيّة بحق الشعب الفلسطيني، ومن أجلِ حلِّ مشكلةِ النازحينَ السوريّينَ عبرَ تسهيلِ عودتِهِم الآمنةِ إلى بلادِهم».

وختم قائلاً: «فَلنتكاتَفْ وفخامةَ رئيسِ الجمهوريّةِ من أجلِ رفضِ اللجوءِ إلى العنفِ والسلاحِ وصَوْن السِّلمِ الأهليّ، ورفضِ تحويلِ لبنانَ مقرّاً أو ممرّاً للإرهابِ، أو إقامةِ منطقةٍ عازلةٍ داخلَ حدودِنا.. هكذا يعيشُ سعاده في داخلِنا ويبتسمُ الزعيمُ في ذكرى الثامنِ من تموزَ، ذكرى ولادةِ الحرّيِّة».

حركة أمل

وألقى كلمة حركة أمل وزير المالية النائب علي حسن خليل، فقال: «بين الوعد المشؤوم وتنفيذه المشبوه، وفي ظلّ الاحتلال والانتداب، حيث كان الجوع يدور على البيوت فيُحيل أهلها فرائس للهزلة والموت، وحيث كان الذلّ يجول بين الناس بلباس الضابط الإفرنجي، ويوم كانت نقوش السياط على الظهور علامة الانتماء الحقّ لهذه الأرض، وكان شحّ القمح في المنازل أمارة إنكار المحتلّ ورفض التنعّم بفضله، دارت في الاتجاه المعاكس زوبعة الفكر المنير لأنطون سعاده.

هذه الزوبعة التي حملت عبق الشعور القومي الذي ندر يومها، وبثّته في الأرواح والضمائر، مستنهِضة الناس من الخمول، والسواعد من الذبول، والألسن من التردّد، والأصوات من الخرس المبرّر بانعدام توازن القوى.

من خلال هذا الفكر، أخرج سعاده إلى النور أحلام الناس التي اختزنوها طويلاً، والتي عرفوها وما عرفوا قولها، والتي أدركوا حاجتها ولم يدركوا التعبير عنها. حتى جاءهم فصاغ الرؤى والآمال والمصالح ضمن مشروع سياسيّ ثوريّ سار بهم عكس التيّار السائد حينها، فصنعوا تيّارهم القومي الذي كان سرّياً في البداية، كما كنّا نحن الحركة يوم الانطلاقة الأولى. هذه السريّة السرّ، التي يلوذ بها الثائرون السائرون على درب الشقاء الفرديّ، الموصول إلى نعيم الناس المأمول.

ونحن إذ نستعيد اليوم ذكرى استشهاد هذا الزعيم العظيم الذي سار إلى دمه بجبين مرفوع، نقول إنّك لا تستطيع في كلّ حياته أن تسجّل عليه في العقيدة والسلوك والالتزام والإخلاص لأمّته إلّا النقاط المضيئة التي ألهمت هذا الحزب، وما زالت، طريق المقاومة الخالصة من أجل بناء الذات والأمّة.

وهنا، نسجّل لأنطون سعاده وعيه التامّ لجهة احترام الأديان المختلفة، وعدم التصادم معها. وهذا ما يبرز من خلال مؤلّفاته وحواراته، فهو في طريقه وضع رؤيته حول «نشوء الأمم»، وفهم واحترم «الإسلام في رسالته المسيحية والمحمدية»، ورسم من خلال هذا الفهم المفاهيم الموسّعة لمبادئ الحزب، والتي عبّر عنها في «المحاضرات العشر».

إنّني وفي هذه الذكرى العزيزة، أودّ لو أعبّر عن سعادتي بالوجود دائماً بينكم، فهي المرّة الخامسة التي أتحدّث فيها أمامكم في ذكرى هذا المناضل الكبير، حتى باتت هذه المحطّة لا تنفصل عندي عن محطّات النضال التي نحييها في حركة أمل على مدار العام.

فنحن منذ انطلاقتنا شركاء في المقاومة ضدّ الاحتلال «الإسرائيلي»، وضدّ مشروعات الفتن والتقسيم والتوطين التي تعرّض لها لبنان، ودفعنا سويّاً الأثمان الباهظة لصدّ الهجمات المتتالية التي شُنّت ضدّ بلدنا، آلاف الشهداء، آلاف الوجوه المارّة على سماء لبنان والمنطقة، والتي سنحفظها في «ألبوم» القلب، حيث تجمع في صفحة واحدة منه صورتَي سناء وبلال.

وإذا نظرنا إلى فكر سعاده نفسه اليوم، وفكر الحزب الذي أسّسه، نجد أنّه لا يزال يسير عكس تيّار المخطّطات المرسومة للمنطقة، فهو مبنيّ على الاتحاد ووصل ما تمّ تقسيمه، في وقت يُراد لمنطقتنا أن تتشظّى أكثر، وأن تتفكّك أكثر، تحت مسمّيات الزور، من التمايز الطائفي، إلى التعدّد القومي والاختلاف الثقافي اللغوي. فيما السبب وراء إرادة التشظّي هذه واحد، وهو الاختلاف معهم على مستقبل المنطقة ومصالحها وتحالفاتها. المنطقة التي يريدونها مفكّكة حتى يسهل استتباعها، بينما نريدها وإيّاكم موحّدة حتى تمسك بزمام أمرها وشؤونها وثرواتها.

لقد شارك الحزب السوري القومي الاجتماعي في المحطّات الوطنية كلّها التي احتاج خلالها لبنان إلى أبنائه يدافعون عنه ويردّون الغزاة والطامعين الذين لطالما عاينوه بمنظار الحسد، وهاجموه بالقوة والحيلة تارة من الخارج إلى الداخل، وتارة أخرى من الداخل إلى الداخل حتى لا تقوم له قائمة، فيخضع لما يمليه عليه الخارج».

يبقى الحزب القومي محطّ آمال الأمّة بفرادة قيمه

«ولا يزال الحزب السوري القومي الاجتماعي متمسّكاً بمبادئه التي نشأ عليها، وهو بشبابه ونسائه ورجاله وبأجياله الناشئة لا يزال محطّ آمال لهذه الأمّة، يأخذ منه الراية جيلٌ من جيلٍ في مسير قوميّ معبّد بالوفاء وبأصالة الانتماء وبفرادة القيم التي يقدّمها لأمّته.

ولعلّ هذه الاستمرارية وهذا الثبات في الانتماء هو ما مكّن أبناء هذا الحزب من الاستجابة للتهديدات التي تتعرّض لها المنطقة، وفي قلبها سورية، فرأينا القوميّين يوم اشتداد الخطر يحملون سلاحهم وينطلقون إلى ساحات المواجهة ضدّ الإرهاب، فيُستشهَدون بعد أن يدافعوا ببسالة عن أرضهم وعن عقيدتهم.

حتى ليبدو أنّ راية الحزب قد رُسِمت لهذه الأيام، فعندما انتشر الإرهاب وعمّت راياته السوداء عموم المنطقة دارت دماء السوريّين القوميين في زوبعة ثوريّة جديدة لتستعيد الأرضُ ناسَها وتتوسّع مساحة البياض في قلب السواد، الذي لن يكون له موطأ قدم في بلادنا بفضل دماء الشهداء».

وتابع: «أيّها السّادة، نشهد معكم في هذه المرحلة على انقلاب الأوضاع في المنطقة لصالح المشروع الذي التزمنا به، ودافعنا عنه في سورية الشقيقة التي تستعيد قيادتها وحكومتها زمام المبادرة في مختلف المناطق، ونرى بشائر النصر باستعادة السيادة على الأراضي السوريّة كاملة، وانهزام القوى الإرهابيّة بمختلف مسمّياتها، التي شكّلت عصب الإرهاب في المنطقة والعالم واستفادت من الدعم والرعاية طوال عمر الأزمة من بعض الذين يحاولون النّفاذ إلى الواقع السوريّ بمسمّيات وأشكال مختلفة».

وجوب التواصل مع الحكومة السوريّة لحلّ عودة النّازحين

«إنّنا نؤكّد وقوفنا إلى جانب سورية في معركة استعادة دورها وقوّتها وفي رفض ومحاربة أيّ شكل من أشكال التقسيم التي تضمر للمنطقة، كما نرفض التهديدات التي تتعرّض لها. ونرى أنّه من المصلحة الوطنية اللبنانية، بل من الواجب التواصل مع حكومتها من أجل نقاش مسألة عودة النازحين.

إنّنا هنا نتوجّه للشعب العراقي وقيادته ومجاهديه بالتهنئة على انتصارهم النهائيّ بالأمس، على بقايا إرهاب «داعش» في الموصل، آملين استكمال معركة تحرير كامل الأراضي العراقيّة من الإرهاب ووصل ما انقطع مع سورية من جديد.

وتبقى فلسطين قبلتنا وملتقى قيمنا، المستفردة والمتروكة تقاتل لتحمي هُويّتها التي ساوم عليها الكثيرون، والتي تحمّلنا في هذه المناسبة مسؤوليّة أن تبقى قضيّتها حاضرة في وجدان الأمّة وأبنائها ومجاهديها، وأن لا نيأس في إعادة بوصلة الصراع الحقيقي إلى ما أراده سعاده مع مغتصبيها».

قانون الانتخابات لا يعكس طموحنا بل خطوة إلى الأمام

وأضاف: «عملنا مع الحزب السوري القومي الاجتماعي على تطوير نظامنا السياسي، وناضلنا من أجل الوصول إلى قانون جديد للانتخابات على أساس النسبيّة الصحيحة والكاملة. وهو طريق جمعنا دوماً، لكن ما حقّقناه هو خطوة على هذا الطريق لا تعكس طموحاتنا، ولكنّها تضعنا على السكّة لاستكمال العمل من أجل إخراج وطننا من العقليّة الطائفيّة البغيضة التي ما زالت تتحكّم في سياسة البعض، وفتح المجال أمام بناء الدولة العادلة على أساس الانتماء الوطني الخالص والكفاءة النزيهة.

إنّ المسؤولية تقتضي اليوم أن نحوّل هذه الفرصة في تعزيز المشاركة إلى عمل حقيقيّ من أجل ترسيخ نظامنا الديمقراطي وحماية منجزاتنا والحفاظ على ميثاقنا الوطني، وأن ننطلق بجدّية للاستفادة من الوقت بالعمل على إعادة الثقة بالدولة والمؤسسات، وتفعيل الإنتاجية لمجلس النوّاب والحكومة بالالتفات إلى قضايا الناس الحياتيّة والمعيشية، وفي كلّ ما يتّصل بحياتهم ومستقبلهم، وأن يكون هذا تحت سقف الالتزام بالقوانين والأصول».

لسنا في حالة تصريف أعمال بل تصريف مشكلات

«لسنا في مرحلة تصريف أعمال، بل في مرحلة العمل على تصريف المشكلات والقضايا الأساسية بإقرار تشريعاتها وإجراءاتها نحو التنفيذ من سلسلة الرتب والرواتب إلى الموازنة العامّة وإقرار وتنفيذ المشاريع الأساسيّة لإنعاش اقتصادنا، لأنّ لا قيمة لأيّ عمل سياسي، إذا لم ينطلق لتحقيق مصالح الناس وآمالهم».

ما زلنا في قلب المواجهة فلنلتفّ حول جيشنا ومقاومتنا

«مجدّداً نشدّد على أنّنا ما زلنا في لبنان قلب المواجهة مع الإرهاب بوجهيه «الإسرائيلي» والتكفيري، والذي يستدعي الالتفاف حول عناصر قوّتنا في المقاومة والجيش وتأمين المناخ والدعم الكامل لهذه المعركة، التي أثبتت التجربة أنّها تحتاج إلى تكامل حقيقيّ عبر مثلث الصمود اللبناني.

إنّنا في هذه المناسبة نشدّد على دعم جيشنا في المعركة التي يخوضها في الجرود، واستباقياً، على مستوى الوطن كلّه.

وختم خليل مخاطباً القوميين بقوله: «أيّها السوريّون القوميون، يا أبناء سعاده، كما كنّا دوماً سنبقى معاً نرفع راية الحرية والعدالة والمقاومة والدفاع عن كرامة الإنسان ليحيا لبنان. وتحيا سورية ويحيا سعاده…».

حزب الله

وألقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد كلمة حزب الله، وقال فيها: «حين تحتشد الأحداث وتزدحم التفاصيل لا بُدّ حينذاك من استحضار الأصول، حين يعتلي المسرح أشباه الرجال وتختلط الأمور وتتموّه الحقائق وتلتبس الأفهام، لا بدّ من أن نقتفي أثر الرّجال الرّجال. وتاريخ أمّتنا غنيٌّ بأمثال هؤلاء وألقابهم المجيدة التي سطّر أمجادها أعلامٌ مميّزون. وأنا أتحدّث عن القامات الإنسانيّة السامية التي انتعشت في شخصيّاتها نسائم قِيم الأنبياء والرسل، ومعاني الإنسانية والأصالة، فأدركتْ برجاحة عقلها وشفافيّة روحها والتزامها، ما تحتاجه الإنسانية من حقائق وما تتطلّع إليه من آمال، وما تعانيه من تنازع داخليّ بين الدوافع الدفينة.. سرعان ما ينعكس في السلوك الخارجي في اختلافات ونزاعات».

أنطون سعاده نموذج من بين تلك القامات الإنسانيّة السامية يبصر فهمه زعيماً نهضوياً ومناضلاً سياسياً ومفكّراً رؤيوياً وأديباً مبدعاً، وإنساناً مرهف الأحاسيس والمشاعر صادق الالتزام بالمبادئ والقناعات». وتابع: «إنّ الحياة وقفة عزّ فقط، نصّ سياسيّ ثوريّ يلخّص بشكل مذهل مضمون فلسفة سعاده في الحياة التي عبّر عنها في روايتَيه الأدبيّتين «فاجعة حب» و»عيد سيدة صيدنايا»، وفي كتبه السياسية والفكرية كنشوء الأمم والمحاضرات العشر والإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، وفي مجمل مقالاته وخطبه ومراسلاته التي تضمّنتها الأعمال الكاملة لأنطون سعاده».

وأضاف رعد: «الأمر نفسه يزيدك ذهولاً حين تقرأ الزعيم يقول: «كلّنا نموت، لكنّ قليلين منّا مَن يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة»، والأهم من موقف سعاده هو التزامه البطوليّ بنصّه وهو يُساق إلى ساحة الإعدام إذ يقول: «أنا لا يهمني كيف أموت بل من أجل ماذا أموت، لا أعدّ السنين التي عشتُها بل الأعمال التي نفّذتها. هذه الليلة سيعدمونني أمّا أبناء عقيدتي فسينتصرون، وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي»، وتابع: «شتّان بين رجل يُضحّي بروحه من أجل حياة أمّة، وبين شبه رجل يُضحّي بأمّة من أجل التسلّط على خيمة. شتّان بين رجل يُسعده الموت من أجل عقيدة، وبين شبه رجل يتلذّذ بقتل شعب من أجل تبعيّة ووصاية».

كما أشار إلى أنّ «إعدام سعاده ليس مجرّد ذكرى لرجل كان بيننا ومضى، بل محطّة حياة تتجدّد لأمّة تعيش من أجل قضية لن تموت أبداً»، وتابع: «أحد آباء الشهداء قال: «إنّ الأرض التي لا ترويها دماء الشهداء، لا تنبت إلّا العبيد». إنّ حرية أمّتنا مدينة لتضحيات شهدائها، والتضحيات وحدها هي التي تجدّد حياة الأمّة وتمنحها شرف الحرية والبقاء. هذا ما فهمناه من منطق الزعيم أنطون سعاده، وهذا ما خبرناه خلال مقاتلتنا من أجل التحرير والحرية».

عزيمة المقاومين أسقطت أوهام الأعداء كافّة

وأضاف: «بالأمس، احتشد أعداء أمّتنا في جبهة واحدة انتظمت فيها أدوار أميركية وأوروبية و»إسرائيلية» وإقليمية تابعة، ليقضوا على المقاومة في تموز من عام 2006، لكنّ آمالهم خابت. وتعب «الإسرائيلي» من مقاومتنا، واسودّت وجوه راهنت على مخاض ولادة شرق أميركيّ جديد. وبعد الفشل اضطرّ العدو «الإسرائيلي» للركون بعض الوقت، ليرمّم خسائره ويُعيد بُنيته العدوانيّة، لكنّ أسياده والمتواطئين معه أخرجوا أدواتهم الرديفة، فشغلوا جماعات الإرهاب التكفيري بكلّ مسمّياتها من القاعدة و»داعش» و»النصرة» ومثيلاتها ليستبيحوا مدننا ودولنا ومجتمعاتنا المقاومة قتلاً وتدميراً وتفكيكاً وتهجيراً وتقطيع أوصال. وجميع الذين احتشدوا لقتالنا في تموز 2006، استجمعوا صفوفهم مجدّداً لاستهداف سورية شعباً وأرضاً ودولة وموقعاً ودوراً». وأضاف رعد: «شاهدتموهم كيف تصرّفوا في الجامعة العربية وفي مجلس الأمن، وكيف فبركوا وظلّلوا، وكيف موّلوا وسلّحوا، وكيف أرسلوا كلّ حثالات البشر ممّن تشبّعوا بالفكر الوهابيّ التكفيريّ، الذي باتَ معروفاً أصله وفصله ومنشؤه وحاضنه ومشغّله الإقليمي والدولي».

ولفتَ إلى أنّه «بعد سبع سنوات من الصمود أمام غزوتهم، والمقاومة لمشروعهم، وبفعل شجاعة قيادة سورية وشعبها وبفعل بطولات الجيش العربي السوري وحلفائه، هُزم الجمع كلّه، وسقطت الأوهام، وها هي اللعبة تكاد تنتهي لصالح محور المقاومة في لبنان وسورية والعراق، وسينال لبنان حظّه الوافر جرّاء ذلك سائلاً: أين هو مجلس تواطئهم الخليجي؟ أين هي اليوم جامعة دولهم العربية؟ ماذا يستطيع الأميركي أن يقرّر اليوم في مجلس الأمن مع تنامي حضور روسيا والصين والدول الصديقة لمحور المقاومة، ثمّ أيّ تباينات استراتيجيّة تجري مراجعتها بين أميركا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي؟ وماذا يحصل اليوم بين قطر والإمارات والسعودية؟ وأيّ أفق ينتظر مصير العدوان الأميركي السعودي على اليمن وشعبه؟». مضيفاً: «لقد تغيّر المشهد كلّه بفعل صمود سورية وحلفائها، وبدأ التصدّع يظهر جليّاً في محور العدوان، ولبنان معنيّ بملاقاة هذا التغيير وعليه أن يحزم أمره وطنيّاً واستراتيجياً، وعلى الحكومة أن تكفّ عن بعض الدّلع والمزاح في مقاربة المسائل الكبرى. إنّ هناك بؤراً إرهابيّة لا تزال في جرودنا ولا يجوز أن تبقى، وهناك حواضن لا يجوز أن تتطاول على الجيش إذا ما أدّى مهمّة وطنيّة، في التعامل مع الإرهاب المتلطّي بها، وأنّ الفساد في لبنان ليس قدراً لا يمكن مواجهته، كما أنّ مواجهته تتطلّب البرامج والآليات بعيداً عن المزايدات، فإنّ أبرز وجوه الفساد هو المحاصصة والتطييف الإداري الإنمائي والخدمي، فإنّ مهزلة الكهرباء لا بُدّ أن تنتهي، وسلسلة الرتب والرواتب ينبغي أن تُقرّ، وقطع الحساب والموازنة يجب إنجازهما وعدم تأخيرهما».

بانتصار محور المقاومة تستعيد فلسطين أنفاسها

من جهةٍ أخرى، لفتَ رعد إلى أنّ ملف النازحين السوريين تنبغي مقاربته بشجاعة وحزم، وليس مقبولاً من البعض أن ينتظر إذناً من المأزومين ليباشر المعالجة الصحيحة لهذا الملف الضاغط على لبنان واللبنانيين، وليس من طريق لمعالجته بسرعة وجدّية سوى التفاهم المباشر بين حكومتَيْ لبنان وسورية. فالرّهان على الأمم المتحدة مضيعة للوقت وتسويف لا طائل منه، لا بل مؤدّاه وضع هذا الملف على طاولة البازار السياسي، وإطالة أمد الضغط والمعاناة على السواء».

وختم مشيراً إلى أنّه «عندما ينتصر محور المقاومة تستعيد فلسطين أنفاسها بعدما استباح العدو «الإسرائيلي» فيها كلّ شيء خلال فترة الأزمة الماضية، ولشعب فلسطين الأبيّ أن يجدّد رهانه على موقف ممانع يشدّ أزره وينتصر لقضيّته، وله أن يأمل من كلّ قواه وفصائله توحيد موقفها وتجاوز انقساماتها، فإنّما يأكل الذئب من الغنم القاسية».

كلمة رئيس الحزب

كلمة الختام ألقاها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو، وممّا جاء فيها:

ما أشبه حال من اغتالوا الزعيم سعاده بحال الظواهر الطبيعية، فمن أين للسحاب، كلّما حجب شمساً أو قمراً أن يعلن موتهما؟ أما درى أنّه عابر سيبل، سرعان ما ينطفئ، أمّا هما فأبديّان سرمديّان، وكيف للشتاء أن يباهي بصقيعه، فيظنّ أنّه يقبض على روح الطبيعة، على سواقيها وبراريها، سهولها وأنهارها، أما درى هذا الشتاء أنّ ثلجه يفجّر الينابيع ولا يميتها، ويروي الأرض فيستنبت خضرتها بعد يباس؟

لله كم في الطبيعة من أسرار وعبر، لبني البشر،

ليتَ أولئك الذين اغتالوا سعاده اتّعظوا، فمن أين لهم أن يعتقدوا أنّهم بإعدامه أماتوا فكره ومشروعه النهضوي وحزبه؟ فلَو صحّ موت الشمس والقمر لصحّ اعتقادهم، ولو صحّ موت الطبيعة في الشتاء لصحّ اعتقادهم.

سعاده رائد مقاومة شاملة

إنّ من اغتالوه هم الذين ماتوا، هم ماتوا قبل أن يموتوا، فانطووا في لجّة النسيان وكأنّهم ما كانوا، فلا عروشهم نفعت، ولا أموالهم ولا سيوفهم، حقاً إنّ دم الشهادة ينتصر على السيف، وإنّ الطغاة الظالمين مهما استطالوا، وصالوا وجالوا، فإنّهم يبقون أقزاماً أمام رجال القضية وشهدائها.

اغتالوا سعاده لأنّ مشروعه مشروع مقاومة، واغتالوه لأنّ عقيدته عقيدة مقاومة، اغتالوه لأنّ سيرته سيرة مقاومة، اغتالوه لأنّ حزبه حزب مقاومة، لقد اجتمعوا صهاينة ومتصهينين، يهوداً ولبنانيّين، وعرباً وأجانب، فكان إعدامه بعد محاكمة صوريّة فجر الثامن من تموز من العام 1949.

نعم، اغتالوا سعادة لأنّه رائد مقاومة شاملة: قاوم مفاعيل التجزئة السياسيّة التي أنتجتها سايكس ـ بيكو، فدعا وناضل لقيام الدولة القومية الواحدة، لأنّه في ظلّ التجزئة لن تقوى الأمّة على استعادة سيادتها على نفسها، ولا على أرضها، ولن تقوى على تحقيق نهوضها السياسي والاقتصادي والثقافي.

وقاوم سعاده الاستيطان اليهودي في فلسطين، واعتبره خطراً على الأمّة كلّها، بقدر ما هو خطر على فلسطين، فدعا وناضل لمواجهته، بخطّة قومية نظامية معاكسة للخطة الصهيونية. فقاتل القوميّون هذا العدو في فلسطين منذ العام 1936، وكان الشهيدان القائدان الرفيقان حسين البنّا وسعيد العاص.

وقاوم سعاده الانتداب الفرنسي وكان الشهيد الرفيق سعيد فخر الدين، شهيد الاستقلال الأوحد.

وقاوم العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة والكيانيّة، لأنّها عصبيّات تفتيتيّة مدمّرة لوحدة المجتمع، ومصدر هلاك للشعب.

إعدامه كان اغتيالاً سياسياً

وقاوم الثقافات الزائفة المتّكئة إلى فتات الثقافات الغربيّة، ورأى في التبعيّة الثقافيّة مدخلاً للتبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة، فدعا إلى الاستقلال الفكري القائم على نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن.

وقاوم استباحة الثروات القوميّة والعربيّة من دول أجنبية، فكان سبّاقاً إلى المطالبة باستخدام النفط سلاحاً أساسيّاً في معركة المصير القوميّ والمصير العربيّ.

وقاوم حالة التفكّك العربيّ، فدعا إلى قيام جبهة عربيّة تكون سدّاً منيعاً بوجه المطامع الأجنبيّة الاستعماريّة.

بسبب هذا المشروع النهضوي المقاوم أُعدم سعاده بلا محاكمة، فكان اعدامه اغتيالاً، وكان هَمّ من اغتالوه اغتيال حزبه معه، ففشلوا، تمكّنوا من جسد سعاده لكنّهم لم يتمكّنوا من فكره ولا من حزبه، فبقي فكره متوهّجاً يضيء أمام الأجيال سبيلها إلى الخلاص، وبقي حزبه يخوض غمار الصراع في كلّ الميادين، وفي مواجهة يهود الداخل ويهود الخارج مقدّماً قوافل الشهداء على أرض فلسطين، كما على أرض الشام ولبنان. وفي ذكرى استشهاد سعاده، نجدّد العهد بأنّنا ثابتون على خط المقاومة بكلّ أشكالها، منّا من قضى شهيداً على هذا الطريق، ومنّا من ينتظر ولكنّنا، والله والله، لن نبدّل تبديلا».

أزمة النظام السياسي الطائفي

وتابع: «أحبّ سعاده لبنان، وناضل من أجل رفعته ونهضته، وحذّر اللبنانيين من آفة الطائفيّة، ودعا إلى إلغائها من النفوس والنصوص معاً، باعتبارها مصدر هلاك للبنان وصدقت رؤيته، إذ لطالما أهلكت الطائفية لبنان، وأحرقت بنارها اللبنانيّين في أكثر من محطّة من محطات تاريخهم، وأمام كلّ أزمة مِن أزمات البلد أكانت أزمة انتخاب رئيس للجمهوريّة، أو أزمة تأليف حكومة، أو أزمة وضع قانون جديد للانتخابات، كان الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ يرى في هذه الأزمات تجلّيات للأزمة الأم، للأزمة المصدر، عنيْت أزمة النظام السياسي الطائفي، لقد تجاوز لبنان في الأشهر القليلة الماضية جملة استحقاقات، فانتخب رئيساً للجمهورية وشكّل حكومة ووضع قانوناً جديداً للانتخابات، وهذا ما عزّز الاستقرار السياسي والأمني في البلد، ونحن مع هذا الاستقرار، ونتطلّع دائماً إلى تحصينه وتقويته واستمراره، ولكن في الوقت ذاته نقول إنّ استمرار الطائفيّة قاعدة للنظام السياسي سيُبقي لبنان عرضة للحروب الأهليّة وللنزاعات والاضطرابات، وسيُبقي مشروع الدولة هشّاً ضعيفاً.

النسبيّة بشكلها الحاليّ عاجزة عن تحقيق الإصلاح

إنّ الطائفيّة ومشروع الدولة نقيضان لا يلتقيان، لقد ناضل حزبنا منذ تأسيسه لإلغاء الطائفيّة سعياً لبناء الدولة القويّة والعادلة، دولة المواطنة المطمئنة لجميع أبنائها. إنّ تطوير النظام السياسي باتجاه لا طائفيّ هدف سنبقى نناضل من أجله، ومدخل هذا التطوير قانون للانتخابات النيابيّة، ولكن ليس القانون الذي تمّ التفاهم عليه، فقانون الـ 15 دائرة، صحيح أنّه اعتمد النسبيّة، وهذا أمر جيد بعد سنوات مديدة من اعتماد النظام الأكثريّ، لكنّ قيام هذا القانون على 15 دائرة انتخابيّة جعل النسبيّة عاجزة عن تحقيق الغرض الإصلاحي الذي ننشده، فكيف إذا أضفنا إلى هذه العلّة جعل الصوت التفضيلي على القضاء بدلاً من الدائرة، وعدم تخفيض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، لكلّ هذه الشوائب وغيرها تحفّظنا عن هذا القانون. وإنّنا سنستمرّ في النضال من أجل قانون جديد يقوم على لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبيّة ومن خارج القيد الطائفي، وسنبقى نناضل من أجل قانون جديد للأحزاب يرسي الحياة السياسيّة على قواعد وطنيّة، ومن أجل قانون اختياريّ للأحوال الشخصيّة والزواج المدنيّ».

نخشى على لبنان من الطائفيّة

«نحن لا نخشى على لبنان من الخطر الصهيوني بالرغم من أنّه خطر داهم ودائم، ذلك لأنّ الجيش اللبناني بالمرصاد، والمقاومة بالمرصاد والشعب اللبناني بالمرصاد، إلّا أنّنا وبكلّ صراحة نخشى على لبنان من الطائفيّة، لأنّها خطر فعليّ على مشروع دولته، وعلى وحدته، وعلى أمنه واستقراره.

إنّنا نحيّي فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على جملة من الأفكار الإصلاحية التي تضمّنتها ورقته إلى لقاء بعبدا، نحيّيه على دعوته إلى انتقال كامل نحو الدولة المدنيّة الشاملة، وعلى دعوته إلى تشكيل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة، كما نحيّي فخامة الرئيس على دعوته إلى اقتصاد يقوم على الإنتاج لا على الريوع، لأنّ لا شيء يحقّق النموّ الفعلي، ويؤمّن فرص العمل للّبنانيين إلّا اقتصاد الإنتاج، وهذا ما نادى به سعاده منذ تأسيس الحزب في العام 1932، ولكن كلّ هذه الأفكار في ورقة فخامة الرئيس تحتاج إلى سياسات وبرامج عمل تترجمها، وإلّا فستبقى حبراً على ورق.

ونحن مع الإسراع في معالجة الملفات ذات الصلة بهموم الناس، نحن مع ما جاء في ورقة رئيس الجمهورية لجهة تأمين الكهرباء 24/24، والحفاظ على المياه وتأمينها للبيوت، والإسراع في استثمار الثروة البتروليّة البحريّة، وتنفيذ خطّة النقل المشترك، وتحديث القوانين، وإنهاء ملف المهجّرين وملف النفايات، ونحن مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وإنصاف الأساتذة والمتقاعدين في الأسلاك العسكريّة والإداريّة والتربويّة، ونحن مع إقرار الموازنة وضدّ أيّ ضريبة تطال ذوي الدّخل المحدود».

لا يجوز أن لا ننسّق مع الحكومة السوريّة

أيّ مصلحة للبنان في بقاء علاقته بسورية على هذه السلبيّة؟ أيّ مصلحة لأمنه؟ أيّ مصلحة لاقتصاده؟ نقول ما بين لبنان وسورية وحدة جغرافيا، ووحدة مصالح ووحدة مصير. مصلحة لبنان أن تكون العلاقة بين الدولتين مميّزة كما نصّت وثيقة الوفاق الوطني، ولذلك دعونا إلى فتح قنوات الحوار مع الحكومة السوريّة، وحول ملفّات مشتركة وفي طليعتها ملفّ النازحين السوريّين إلى لبنان، فهل يجوز أن لا ننسّق مع الحكومة السورية في هذا الملف لتخفيف أثقاله على لبنان واللبنانيّين؟ والإرهاب الذي يضرب سورية هو نفسه الذي يضرب من وقت إلى آخر لبنان، فهل يجوز أن لا يكون التنسيق بين الجيشَين في أحسن حالاته؟ وهل يجوز أن لا ننسّق مع الحكومة السوريّة في الملف الاقتصادي! فكيف نصدّر بعض منتوجاتنا الزراعية إلى سورية من دون هذا التنسيق، وغداً حينما تصبح طريق الترانزيت سالكة، كيف نصدّر عبرها منتوجاتنا إلى الدول العربيّة ونحن على هذه العلاقة المتوترة مع سورية؟».

نهنّئ شعبنا في العراق على وعيه لوحدة المعركة

نعم، الإرهاب الذي يضرب في سورية وفي العراق هو نفسه الذي ضرب ويضرب، كلّما سنحت له الظروف، في لبنان. إنّنا نحيّي الجيش اللبناني قيادة وضباطاً وأفراداً على نجاحه في إنزال الضربات الموجعة بالمجموعات الإرهابيّة، وإلى شهدائه تحيّة إكبار واعتزاز، والتحيّة للأمن العام مديراً وضباطاً وعناصر والتحيّة لباقي الأجهزة الأمنيّة.

إنّنا نهنّئ الشعب العراقي على انتصاره على الإرهاب، ونعتبره خطوة كبرى على طريق هزيمة المجموعات الإرهابية في كلّ المنطقة.

ونهنّئ الشعب العراقي على وعيه لوحدة المعركة ضدّ الإرهاب بين سورية والعراق، وعلى هذا التنسيق بين الجيش العربي السوري والجيش العراقي، وخاصة في عمليات تطهير الحدود السوريّة العراقيّة من «داعش» وأخواتها.

ونقول لأهلنا في العراق، ليكن انتصاركم على «داعش» فرصة لتعزيز وحدتكم، فهي ضمانة مستقبلكم، وضمان قوّتكم، فمشاريع التقسيم التي تُعدّ لبلدكم لا تقلّ خطورة عن مخطّطات الإرهابيين، فالعراق واحد، مهما تنوّعت مكوّناته، ويجب أن يبقى واحداً، والعراق جزء من أمّة، وعليكم أيّها العراقيّون أن تعملوا على عودة عراقكم ليلعب دوره كاملاً في محيطه القومي.

كلّ وقائع الميدان تؤكّد أنّ سورية ستنتصر على الإرهاب كما انتصر العراق، ولن تنفع الاعتداءات والتهديدات الأميركية ولا «الإسرائيلية»، ستنتصر سورية، بفضل شجاعة قائدها ستنتصر، فإلى سيادة الرئيس بشار الأسد ألف ألف تحية، وبفضل بطولات جيشها ستنتصر، فإلى هذا الجيش جيش تشرين ألف ألف تحية.

وبفضل وعي شعبها ووحدته، والتفافه حول قيادته، ستنتصر فإلى هذا الشعب العظيم تحيّات الحزب السوري القومي الاجتماعي في ذكرى استشهاد زعيمه».

لو سقطت سورية لسقطت الأمّة كلّها

«وبفضل موقف حلفائها الداعم لنهجها وقيادتها ودولتها ووحدتها ستنتصر سورية على الإرهاب، وإنّ هؤلاء الحلفاء ونحن منهم رأوا في الدفاع عن سورية دفاعاً عن الأمة كلها، دفاعاً عن فلسطين أولاً، ودفاعاً عن العراق ودفاعاً عن لبنان، ولو سقطت سورية لا سمح الله لسقطت الأمّة كلّها من أقصاها إلى أقصاها، فهل يدرك أصحاب الرؤوس الحامية حقيقة وأهداف المشروع المعادي الذي يضرب في سورية؟ فإلى رفقائنا الأبطال من نسور الزوبعة المرابطين على جبهات القتال في سورية بوجه الإرهابيين، إلى شهداء هؤلاء النسور وإلى جرحاهم ألف ألف تحيّة. وإلى أبطال المقاومة، إلى شهدائها في سورية، إلى جرحاها كلّ التحية والاحترام، والشكر للدول التي وقفت مع سورية وخاصة الدولة الروسيّة والدولة الإيرانيّة».

نحن في عقيدتنا فلسطينيّون

«أمّا فلسطين، فهي قلب الأمّة وبوصلة نضالها، ونحن في هذه المناسبة، نعلن ما أعلنه زعيمنا بأنّ «ليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا إلّا اليهود»، فنحن في عقيدتنا فلسطينيّون، نحن مع استعادة فلسطين كلّ فلسطين، ونحن لا نرى خياراً لدحر العدوّ عن هذه الأرض المقدّسة إلّا خيار المقاومة. إنّنا ندعو شعبنا في فلسطين إلى الالتفاف حولها، وندعو الفصائل والقوى الفلسطينيّة إلى إنهاء خلافاتها، وتوحيد صفوفها على برنامج نضاليّ يقوم على خيار المقاومة: مقاومة الحجر، ومقاومة السكين ومقاومة الدهس، ومقاومة السلاح وصولاً إلى إعلان الانتفاضة الثالثة بوجه العدو».

حزبكم يخوض حرب الوجود

لقد صدق رهان سعاده على حزبكم حينما واجه جلّاديه قُبيل إعدامه قائلاً: «أنا أموت أمّا حزبي فباقٍ»، وها هو حزبكم منارة فكرٍ ومقاومة، ها هو حزبكم حزب سناء محيدلي ووجدي الصايغ وابتسام حرب وخالد أزرق وعلي غازي طالب ومريم خير الدين ونورما أبي حسّان وخالد علوان ونضال الحسنيّة، وغيرهم وغيرهم ممّن رووا بدمائهم ثرى لبنان في مواجهة العدو الصهيوني، فكانت مقاومتهم استمراراً لمقاومة رفقائهم على أرض فلسطين، واستمراراً لمقاومة رفقائهم ضدّ الانتداب الفرنسيّ، واستمراراً لمقاومة رفقائهم لمشاريع التفتيت والتقسيم. وها هو حزبكم يخوض حرب الوجود ضدّ عصابات القتل والإجرام على أرض سورية، ها هم نسور الزوبعة يقاتلون الإرهاب، وهو الوجه الآخر للعدوّ الصهيوني الذي قاتله رفقاؤكم على أرض الجنوب وأرض فلسطين، ها هو الشهيد أدونيس نصر يطلّ من عليائه، ومعه المئات من الشهداء والجرحى من رفقائكم الذين قضوا على أرض سورية، أدونيس كان يقول: الحزب القومي ما بطعميك خبز بس بشبعك كرامة . إنّ وصية هؤلاء الشهداء لكم هي نفسها وصيّة سعاده، ابقوا أقوياء لأنّكم إذا كنتم أقوياء سرتم إلى النصر. وأنتم أقوياء أيّها الرفقاء، فما تراجعتم يوماً، ولا لانت لكم عزيمة، ولا أدرككم ضعف في كلّ الظروف وفي كلّ المحن، فاستمرّوا أيّها القوميون أقوياء في مؤسّساتكم وبها، جنوداً أشدّاء، ورسلاً لثقافة الوحدة في مجتمعكم، مهمّتكم أن تنشروا هذه الثقافة في بلداتكم وقراكم، في مدارسكم وجامعاتكم، وعبر المنابر الثقافيّة والإعلاميّة، واعلموا أنّ مهامّكم صعبة وشاقّة، وأنّ طريقكم لا يسلكه إلّا الأقوياء، فاصبروا على المكاره والشدائد وأعلموا «أنّكم ملاقون أعظم نصر لأعظم صبر في التاريخ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى