هل هو «قلق» إيراني؟
روزانا رمّال
إذا سارت الأمور، كما قُدّر لها أن تكون بدون تبدّلات من هنا أو هناك، فإنه من المتوقّع أن تكون قمّة هامبورغ المنعقدة قبل أيام في ألمانيا قمة «القمم» في نجاحها بإعادة المياه إلى مجاريها بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، بخصوص سورية ومعه باقي الملفات العالقة التي أرخت أجواء تشنج بليغ تكفل انتخاب ترامب بتزخيمه بعد اتهامه بدعم روسي له أوصله الى سدة الرئاسة.
قرار وقف اطلاق النار في جبهة سورية الجنوبية الذي يعني «اسرائيل» مباشرة، هو أبرز ما تمخض عن القمة بين الرجلين. وهو ما يلفت النظر الى حساب كان يأخذ لاعتبار هذه المنطقة تحديداً هي الأكثر دقة وصعوبة والأكثر ابتعاداً عن الحلول السلمية، ولو كانت جزئية. الاهم هنا هو ان اللجوء الى الهدنة بين الطرفين يعني انهما لا يريدان الحرب فيها، بل يريدان توفير غطاء آمن لمخرج لا يسعر النار ولا يزيد المشهد تعقيداً، ليس لأنها منطقة جغرافية خارجة عن الحسابات الاخرى بل لأنها تتعلق بأمن «اسرائيل» بالعين الاميركية. صعوبة التوصل لهدنة تبرز في اعتبار الأميركيين و»الإسرائيليين» أن احتمالات الحرب فيها اعلى لانها تضم الوجود الإيراني وحزب الله. وهو الأمر الذي يعني كباشاً ميدانياً طويلاً وبأحسن الاحوال هدنة تؤدي لحل دائم مستقبلاً، بغض النظر عن تفاصيله.
أول خلاصات هذا التطور السياسي يعني ان «اسرائيل» عاجزة عن تحمل كلفة حرب في تلك المنطقة تعرف تماماً أنها آتية إليها بعد ان يخصص الجيش السوري وقتا وخطة للبدء بمعارك الجنوب لمكافحة الإرهاب. وهو الأمر الذي يعني بالحساب «الاسرائيلي» تمركز أكبر لإيران وحزب الله كحلفاء مباشرين لسورية على حدودها.
من الجيد بالنسبة لـ»الاسرائيليين» نجاح الروس في إقناع سورية بالتعاون في مسالة وقف اطلاق النار. وهذا الأمر نجح في أيامه الاولى، لكن ايران تبدو غير مرتاحة لأسباب تتعلق بضبابية الاتفاق. هذا ما يعبر عنه مسؤولون إيرانيون فقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في موقف له عن قمة هامبورغ أن الاتفاق الأميركي والروسي بشأن مناطق تخفيف التوتر بسورية، يتسم «بالغموض»، معتبراً أن «استمرار الهدنة في سورية يتوقف على وقف القصف الأميركي وهجماتها على قوات الجيش السوري».
المسؤول الايراني يضيف «لا يمكنني إعطاء تطمينات بدلاً عنهم بشأن تنفيذ هذه التفاهمات».. أي بدلاً من الروس والأميركيين كما يبدو من خلال كلامه معتبراً أن «إيران إلى جانب روسيا وتركيا كانت لديها نشاطات كبيرة في اجتماع أستانة، وهناك اتصالات مع الجانب الروسي بشكل دائم ونجري المشاورات وتبادل المعلومات ونتلقى المعلومات اللازمة المتعلقة بسورية».
واضح أن إيران تتصرف من منطلق اعتبار ان التفاهم المعلن عنه في الجنوب السوري «مبهم» حتى الساعة، وهو ما يعني عدم وصول جواب واضح لها حول تواجدها هناك أو حول مصالحها وما يمثله حزب الله فيها والخطوط الحمراء التي رسمتها. هي ربما لا تثق بالأميركيين كثيراً، لكنها تثق بروسيا وتنتظر توضيحات بهذا الإطار.
الحديث عن شكوك بالعلاقة الروسية الإيرانية كان قد توضّح في أكثر من مناسبة بعد رهانات كثيرة على إمكانية فك الصف في هذا المحور على غرار انقسام المحور الاميركي بدون أن يلقى آذاناً صاغية من الطرفين. لعلها فرصة «اسرائيلية» جديدة للايقاع بروسيا عبر إغراء الولايات المتحدة لها بالتعاون معها وكسر الجليد بعد حملة معارضي ترامب من المسوولين الأميركيين وكبار القادة في واشنطن من وصوله للبيت الأبيض وبعد شكوك كبيرة بالعلاقة بين البلدين والأهم الإطاحة بكل ما قدمه عهد الرئيس باراك اوباما من ليونة تجاه تعزيز العلاقة بين روسيا واميركا.
كلام المسؤولين الإيرانيين ليس اعتراضاً على أي اتفاق للهدنة، انما محاولة للتعبير عن القلق من نيات الولايات المتحدة الاميركية والمطالبة بتوضيح روسي ربما حول ماهية هذا الاتفاق. وهنا تبرز قدرة طهران على إرسال إشارات للحليف والخصم بشأن تموضعها في الجنوب ووجودها أساساً في سورية. وهي ليست على ما يبدو بصدد التنازل أو التراجع، فهي تعتبر انها ركيزة المحور الموالي للنظام وقدّمت تضحيات بهذا الاتجاه لا يمكن تخطيها.
مصادر ديبلوماسية روسية أكدت لـ»البناء» أن أي اتفاق لن يكون على حساب حلفائها. وهي ستأخذ بعين الاعتبار ما يهتمون له. وبالتالي لا مجال لاعتبار اي اتفاق بينها وبين الاميركيين هو على حساب حلفائها، لأن هذا لن يكون بدون مراعاة مصالحهم قبل أي شيء. وعن الاتفاق الذي خرج عن الرئيسين الاميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هامبورغ، تقول المصادر نفسها إن روسيا تترقب تفاعل هذا القرار وثباته، فهي لا يمكنها ان تعتبره موقفاً اميركيا ثابتا، في ما يتعلق بالتعاون الاميركي الروسي وطي صفحة التشنج التي اعقبت انتخاب ترامب في وقت تواصل الولايات المتحدة الاميركية تنفيذ عقوباتها ضد روسيا ثم اليوم تدعو لعودة العلاقات البناءة. ويختم المصدر بالنهاية لا خيار لنا سوى التعامل مع ترامب كأمر واقع موجود، لكننا نرى لتؤكد لنا الأيام المقبلة إنتاجية هذا التعاون من عدمه.
تؤكد روسيا في كل مرة انها ليست بصدد التفريط بحلفائها، وعلى استحالة الرهان على ما يمكنه شق الحلف بهذا الإطار، وعلى مراعاة مصالح حلفها رغم مدها يد التعاون كإشارة حسنة، لكنها بالغة الدلالات.