من دفاتر الذكريات
أكتب عن الضيعة ودروبها وحكاياتها الجميلة، عن مواسم الحصاد وقصص الطفولة، عن شجرة التوت وعصافير الدوري وسحر الشتاء وسهرات البيادر وصوت الزيز وعطر الصنوبر، لا لأنها جميلة وتدغدغ الأحاسيس وتجعل ذاكرتنا تنتفض وقلوبنا تنبض. أكتب عنها كما أكتب عن الحرب والحقد والتطرّف، ليكون هناك دوماً في مخيلتنا مقارنة بين كلّ هذا الجمال والسكينة، وبين الحقد وضجيج الغرباء الحاقدين. بين ما يستحق أن نقاتل لأجله ونعيش لأجله، وبين ما يعدوننا فيه من خراب ودمار. بين تلك البساطة الجميلة وبين تعقيدات المتأسلمين وخرافات المُغيّبين. بين من يزرعون الشجر والحبّ، وبين من يحرقون كلّ شيء ينبض حياةً.
يقولون إن كل طبيعة تؤثر على ساكنيها، فسكان الجبال لا يكتسبون صلابة صخورها وقساوة أرضها فقط، بل يأخذون منها بساطتها وسكون روحها ويتعلمون كيف يجابهون عواصف شتائها ورياحها العاتية، من دون أن يُكسروا أو ينحنوا بل بمزيد من التجذّر والثبات. يتعلمون مبكراً من تلك الأرض أن ما تزرعه تجنيه وأن ما تبذره تحصده وأنه مهما قسى الشتاء فهناك ربيع قادم. ويحتفلون بكلّ نوع من أنواع الحياة ويعرفون أن لكل فصل خيره، ويدركون أنه بقدر محبتك لأرضك وعنايتك بها تعطيك، وأنّ من لا يحمي أرضه ويتركها فستكون مرتعاً للوحوش والعقارب والأفاعي.
ليست الضيعة فقط حكايات جميلة ودروباً خضراء، بل هي أمثولة للبقاء. فكم توالى على أرضنا من حاقدين وغادرين وشذّاذ آفاق. كم حاولوا اقتلاعنا، إبادتنا، كم حاولوا تغييرنا وإقناعنا بالإكراه أنّ كلّ ما نفعله ونحبّه هو حرام وخطيئة، وأننا يجب أن نكون مثلهم.
لذلك أكتب لكي نتذكّر دوماً أننا على حقّ، وأنّ كل ما لدينا يستحق القتال لأجله. كلّ شجرة وكلّ حجر وكلّ درب وكلّ بيت وكلّ زهرة وكلّ حبة تراب… وكفى.
وفاء حسن