تركيا في ذكرى انقلاب 15 تموز 2015 .. استقطابات وصراعات
د.هدى رزق
خرج الدخان الأبيض بعد اجتماع دام ساعتين بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أكد خلاله تيلرسون أن بعد فترة طويلة من التوتّر بدأت الولايات المتحدة وتركيا في إعادة بناء الثقة. وكما يبدو ظاهراً أن العديد من المشاكل التي تطوّرت مؤخّراً بين تركيا والولايات المتحدة قد فقدت فعاليتها مع مرور الوقت. إذ لم يجر التركيز على قضية محمد فتح الله غولن فعندما سئل المسؤول في وزارة الخارجية عن هذه المسألة قال إنها نوقشت من قبل الوزير في الزيارة السابقة.
في حين لم يحلّ التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا حول دعم وحدات حماية الشعب الكردية السورية، أما التوتر حول خطة الولايات المتحدة تسليح الجماعة الكردية من أجل معركة الرقة التي طال انتظارها فأصبح غير مجدٍ بالنظر إلى أن المعركة جارية. ليس لدى الولايات المتحدة خطط ملموسة لما بعد الصراع في سورية. هذه الإشارة طمأنت الأتراك إلى أن حلف الناتو يمكن أن يكون شريكاً في هذه الحالة.
لم يكن تيلرسون في وارد إثارة قضايا حقوق الإنسان مع أنقرة، فإدارة ترامب لم تعلّق على قضايا تخصّ تركيا بما فيها مسيرة العدالة التي قادتها المعارضة من أنقرة إلى اسطنبول. وكانت إدارة ترامب متّسقة إلى حدّ كبير في قرارها تجنّب التعليق على حقوق الإنسان، وهو ما يُرضي أنقرة. ومع اقتراب الذكرى السنوية لمحاولة الانقلاب التي وقعت في 15 تموز، بدأت الاحتفالات في جميع أنحاء تركيا أما ما يهمّ الولايات المتحدة من هذه الاحتفالات، فهو الخطاب الذي تتمنّى أن لا يكون معادياً لها. تريد إدارة ترامب علاقات «أفضل» مع تركيا، ودفعها إلى الأمام. سيتّضح إبان هذه الاحتفالات، ما إذا كانت تركيا والولايات المتحدة ستكونان قادرتين على إصلاح العلاقات السطحية بينهما، أما نتائج زيارة تيلرسون فستتضح بعد انتصار الرقة.
تستخدم الحكومة التركية الاحتفالات في ذكرى الانتصار على انقلاب 15 تموز 2015 التي عمّت السفارات التركية لشرح شرور شبكة غولن التي تنعتها بـ«الإرهابية». وتدور حلقات نقاش حول محاولة الانقلاب الفاشلة في مراكز الأبحاث التركية العاملة في الولايات المتحدة. ومع الحملة الواسعة النطاق على السياسيين والصحافيين والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان التي تقودها الحكومة التركية في ظل حالة الطوارئ التي أعلن عنها بعد الانقلاب الفاشل، فإن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا، ينظر إلى عمليات تطهير ما بعد الانقلاب في تركيا على أنه ليس سوى محاولة لإسكات معارضة الرئيس أردوغان. تدّعي الحكومة التركية بأن جميع العمليات والتحقيقات ضد المشتبه فيهم الغولينيين يجري تنفيذها بشفافية وضمن سيادة القانون، لكنّها ببساطة ليست مُقنعة في العواصم الغربية. التي كانت تُعتبر في معظمها لا سيما الولايات المتحدة بأن جماعة غولن إسلامية معتدلة وودّية للغرب.
ومع أن قائد قوات الدرك العامة يسار غولر وصف، في خطابه الرئيسي، شبكة غولن بأنها مصدر جديد للإرهاب الراديكالي، الذي قال إنّه تهديد عالمي اليوم. وأعطى أمثلة من داخل الجيش التركي حول كيف قام غولن باستيعاب العقول الشابة، واعتبر نائب رئيس حزب العدالة والتنمية لحركة غولن بأنّها ليست حركة إسلامية. وأنها تشبه المافيا. إلا أنه لكسب عقول الأميركيين تحتاج تركيا أولاً إلى الخروج من حالة الطوارئ وإثبات أن القضاء لا يُستخدم كسلاح ضد الشعب.. فالحكومة فشلت في إعادة الوحدة بعد سياسة الاستقطاب الحادّ التي كان بوسعها تحقيقه من خلال إعادة بناء الثقة وغرس مفهوم التعايش، مع أن البرلمان التركي شارك مع الأحزاب السياسية الأربعة. وساعدت وسائل الإعلام التركية الحكومة على قمع محاولة الانقلاب. ووقفت الأحزاب يوم 9 آب 2015 إلى جانب الرئيس رجب طيب أردوغان وتعاونت معه لإدانة محاولة الانقلاب وأشادت بمقاومة الشعب وشكرت وسائل الإعلام. ومع ذلك، فشلت هذه المحاولة بسبب عمليات التطهير. وقام أردوغان بإجراء استفتاء من أجل الحصول على النظام الرئاسي في ظل حالة الطوارئ لكنه أسفر عن فوز ضئيل. وأظهر هذا الاستفتاء حدّة الانقسام المجتمعي، حيث صوّتت الفئات المتعلمة والكوادر المهنية ورجال الأعمال والصناعة والمال ضد الدستور الرئاسي والتغييرات، بينما صوّتت الفئات الأقل تعلماً والأوساط الفقيرة مع التعديلات الدستورية وقام أردوغان باستعادة قيادة حزب العدالة والتنمية في 21 أيار 2017 تمهيداً للحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية لعام 2019. وفي الوقت نفسه، واستمرّت عملية الإقصاء والاعتقال ضد أعضاء وسائل الإعلام والمؤسسات المعارضة، وسجن المئات من الأكاديميين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، بسبب تهم غامضة تتعلّق بالإرهاب. عدا عن القبض على اثنين من الزعماء السياسيين وعشرات من أعضاء البرلمان من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيّد للأكراد بعد بضعة أشهر فقط من محاولة الانقلاب. وقد اعتبر أردوغان أن «صلاح الدين دميرطاش» المسجون إرهابياً من دون حكم المحكمة. كما طالت الاعتقالات حزب الشعب الجمهوري في 14 حزيران بعد أن حكمت محكمة اسطنبول على انيس بيربيروغلو الصحافي المعروف سابقاً ونائب الحزب في اسطنبول بالسجن 25 عاماً، بتهمة التجسس. فيما تحدّى زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار اوغلو الاعتقال، ودعا إلى مسيرة العدالة من أنقرة إلى اسطنبول في محاولة للاحتجاج على اعتقال النائب الجمهوري، كما جرى تجمّع ضخم في اسطنبول، للمعارضة بمشاركة ما يقرب من مليون شخص، مما يدلّ على دعوة الجماهير لتنفيذ العدالة. لا يبدو بعد مرور عام على الانقلاب أن الداخل التركي في مأمن من دون سيادة القانون وحقوق الإنسان. سقط الرهان على الوحدة الداخلية التي راهنت عليها المعارضة بعد الانقلاب الصراع بين الأصدقاء – الأعداء غولن وأردوغان. لكن الأخير لم يتنبّه إلى أن الوحدة في الداخل التركي حاجة ضرورية. في ظلّ التغييرات التي تشهدها الساحة السورية والتي أظهرت حتى اليوم فشل تركيا في معظم رهاناتها الإقليمية وأن إحكام القبضة في الداخل لن يكون الحل بل سبباً في إثارة القلاقل مستقبلاً.