تفاصيل المؤامرة الدولية على سورية
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتب سايمور هيرش:
لعبت كل من بريطانيا وفرنسا دوراً مهمًا في هذا المجال، فقد صوّت البرلمان البريطاني ضدّ طلب كاميرون للاشتراك في الحملة، وذلك في 29 آب/أغسطس. وكانت صحيفة «غارديان» البريطانية قد نشرت سابقًا أنّ كاميرون أمر بنشر ست طائرات مقاتلة من طراز «تايفون» في قبرص، مضيفًا إليها غواصة قادرة على إطلاق صورايخ «توماهوك». وفي المقابل، انخرطت القوّات الجوية الفرنسية التي لعبت دوراً هامًا في ليبيا عام 2011 في هذه الخطة إلى حدّ كبير. وكانت مجلة «نوفيل أوبزيرفاتور» قد نشرت أن هولاند أمر مقاتلات قاذفة من طراز «رافال» بالاشتراك في الهجوم الأميركي. وأهداف هذه الطائرات ـ وفقًا للتقارير ـ تقع في شمال سورية، وما لبث أن أصدر أوباما أوامر إلى رؤساء هيئة الأركان المشتركة بمواعيد محدّدة لبدء الهجوم.
ساعة الصفر كانت قد حُدّدت قبل صباح يوم الإثنين، أي الثاني من سبتمبر/أيلول لإطلاق هجوم ضخم يقضي على قدرات الرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول مسؤول سابق في المخابرات: «فوجئ كثيرون لدى سماع تصريح أوباما عن تجميد الضربة في 31 آب/أغسطس، وعن نيّته التوجه إلى الكونغرس للتصويت. إذ إنّ قناعة أوباما بأن الجيش السوري هو الوحيد القادر على نشر غاز السّارين قد بدأ يتضاءل».
ويضيف: «كان عملاء المخابرات العسكرية الروسية قد استحوذوا على عيّنات من العنصر الكيميائي في الغوطة، وحلّلوها وأرسلوها إلى المخابرات العسكرية البريطانية، وكانت هي ذاتها العيّنات التي أُرسِلت إلى «بورتون تاون»، التي صرّح المتحدث بِاسمها عن إيجابية نتائجها والتثبّت من وجود غاز أعصاب السّارين». بينما لم تعلّق المخابرات البريطانية بشأن هذه المسألة.
بعد هذه الاستنتاجات، انهمكت وكالات المخابرات الأميركية وحلفاؤها حول حقيقة استعمال هذا الغاز ومصدره. وكان أن تأكد الاختلاف بعدما علمنا من مصادر في الحكومة السورية أنّ تركيب الأسلحة الكيميائية التي تملكها ـ والتي مصدرها الاتحاد السوفياتي ـ تختلف عن تلك التي عوينت، لكن التقرير أيضًا لم يذكر أيّ أمر يتعلّق بغاز السّارين. وهكذا، لم يعُد في مقدور أحد الادّعاء بأنّ الأسد قد تجاوز الخطوط الحمراء الخاصة بأوباما.
لكن بحلول 21 آب/أغسطس، كان واضحاً أن «المعارضة السورية» تعلّمت الدرس، وأعلنت أن الجيش السوري استعمل غاز السارين قبل أن يَجري أي تحليل، وتلقفت وسائل الإعلام وأوباما الخبر، فبما أن الغاز الآن هو السارين، «فلا بد أن الأسد هو الفاعل».
فريق وزارة الدفاع البريطانية الذي حوّل نتائج «بورتون داون» إلى رؤساء هيئة الأركان المشتركة الأميركية، كان يقصد إرسال رسالة إلى الأميركيين، وفق المسؤول السابق في المخابرات: «أحدهم يريد الإيقاع بنا» هذا يفسّر الرسالة المقتضبة التي أرسلها مسؤول رفيع في وكالة المخابرات الأميركية أواخر شهر آب/أغسطس: «لم يكن من فعل حكومة بشار الحالية… بريطانيا وأميركا تعلمان ذلك» . حينذاك، كان الهجوم سيحدث بعد بضعة أيام، وكانت الطائرات والسفن والغواصات الأميركية والفرنسية والبريطانية على أهبة الاستعداد.
الضابط الأعلى الذي كان مسؤولاً عن التخطيط للعدوان وتنفيذه هو الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة. وبحسب مسؤول الاستخبارات السابق، منذ بداية الأزمة، كان رؤساء هيئة الأركان المشتركة يشككون بحجة الإدارة الأميركية بامتلاكها حقائق تدعم رأيها حول مسؤولية الأسد. لذلك ضغطوا على وكالة استخبارات الدفاع والوكالات الأخرى لتزويدهم بدليل متين. كان من المستحيل أن يقبلوا بإمكانية قيام سورية باستخدام غاز الأعصاب في تلك المرحلة، لأن الأسد كان يكسب الحرب. سبّب ديمبسي غيظ الكثيرين في إدارة أوباما، بسبب تحذيره المستمر للكونغرس طوال الصيف من مخاطر التدخل العسكري الأميركي في سورية. في نيسان/أبريل الماضي، وبعد تقدير متفائل عن تقدّم «المتمرّدين» قدّمه وزير الخارجية جون كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية، أبلغ ديمبسي لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب عن خطر وصول النزاع إلى نقطة المراوحة. وجهة نظر ديمبسي بعد 21 آب/أغسطس كانت تقول إن الضربة الأميركية على سورية، على افتراض مسؤولية الأسد عن استخدام غاز السارين، ستكون خطأ عسكرياً فادحاً. تقرير «بورتون داون» دفع رؤساء الأركان إلى مواجهة الرئيس بمخاوف أكثر خطورة: الهجوم الذي يرغب البيت الأبيض بشنّه سيعتبر عملاً عدوانياً غير مبرّر، بالتالي نجحوا في دفع أوباما إلى تغيير مساره. أما التفسير الرسمي الصادر عن البيت الأبيض لهذا الانقلاب، عبر المكتب الصحافي، فكان أن أوباما قرّر فجأة أثناء نزهة مع دينيس ماكدونوف، طلب الموافقة على الضربة من الكونغرس الغارق في انقساماته، وهو الكونغرس ذاته الذي تربطه علاقة نزاع معه منذ سنوات. بحسب مسؤول سابق في وزارة الدفاع، فإن البيت الأبيض قدّم تفسيراً مختلفاً لأعضاء القيادة المدنية في البنتاغون: ألغيت الضربة بسبب وجود معلومات استخباراتية تقول إن الشرق الأوسط سيشتعل برمّته في حال تنفيذها.
في البداية، رأى كبار مساعدي البيت الأبيض قرار أوباما بالتوجّه إلى الكونغرس تكراراً لمناورة جورج بوش الابن في خريف 2002 قبل غزو العراق: «عندما اتضح خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، أنقسم الكونغرس، الذي وافق على الحرب على العراق». في حال قيام الكونغرس الحالي بالتصويت على الضربة والموافقة عليها، يمكن للبيت الأبيض من جديد أن يستثمر الأمر في الاتجاهين، توجيه ضربة قاضية إلى سورية وتأكيد التزام الرئيس الخط الأحمر، وفي الوقت ذاته، يكون بمقدور البيت الأبيض تقاسم اللوم مع الكونغرس إن تبيّن أن الجيش السوري لم يكن من قام بالهجوم. شكّل الانقلاب مفاجأة حتى لزعامة الديمقراطيين في الكونغرس. وذكرت صحيفة «وول ستريت» أن أوباما قبل ثلاثة أيام من خطابه في الحديقة، اتصل هاتفياً بزعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي للتباحث في شأن الخيارات. وبحسب الصحيفة، أبلغت بيلوسي لاحقاً بعض زملائها بأنها لم تطلب من أوباما طرح مسألة الضربة على الكونغرس للتصويت. وسرعان ما تحوّل توجّه أوباما للحصول على موافقة الكونغرس إلى طريق مسدود. وأفاد مسؤول سابق في المخابرات أنّ الكونغرس لم يكن سيسمح بتمرير الأمر. وأعلن الكونغرس أنّ جلسات موضوعية ـ وبخلاف الموافقة على الحرب على العراق ـ ستُجرى. عند تلك النقطة ساد شعور من خيبة الأمل في البيت الأبيض.
عندئذ، ظهرت خطة بديلة، تُلغى الضربة، وسيوافق الأسد من جانب واحد على توقيع اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وأيضاً على تدمير الأسلحة الكيميائية بإشراف الأمم المتحدة.
كان كيري ما يزال يتحدّث عن التدخل: «خطورة عدم التحرّك أكبر من خطورة التحرّك»، لكن عندما سأله أحد الصحافيين عمّا إذا كان بمقدور الأسد القيام بأمر ما لمنع الضربة، ردّ كيري: «بالتأكيد، بإمكانه تسليم كافة أسلحته النووية إلى المجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل. لكنه لن يقوم بذلك، ومن الواضح أن ذلك أمر لا يمكن تنفيذه». كما ذكر تقرير في «نيويورك تايمز» الذي صدر في اليوم التالي، قيام الروس برعاية الصفقة، ونوقشت في وقت لاحق بين بوتين وأوباما في صيف 2012. على رغم أن خطط الضربة رُميت في الصندوق، إلا أن الإدارة الأميركية لم تغير من تقويمها العلني بشأن تبرير الذهاب إلى الحرب. ووفق مسؤول الاستخبارات السابق، لا مجال للتسامح بأيّ خطأ على ذلك المستوى بالنسبة إلى كبار مسؤولي البيت الأبيض، لم يكونوا قادرين على التصريح بأنهم كانوا مخطئين. لم يكونوا قادرين على ذلك.